هل يصوم المذنبون فى رمضان ويصلون؟ حول هذا السؤال أجرت مجلة المصور تحقيقا صحفيا فى عام 1950من داخل سجن الاستئناف، ورصدت المجلة مساجين يواظبون على الصلاة، وهم مقيدون بالسلاسل طالبين العفو والغفران لما ارتكبوه من جرائم.
ونزلاء السجون ليس لهم إلا الصوم والصلاة لعلها تنجيهم مما ينتظرهم من عقوبات، وحسبما ذكرت المجلة أنهم يتهدجون بالدعاء أثناء ليلهم ويمسحون وجوههم فى النهار بضريح «الست صفية»، ربما تتشفع لهم عند الله، وهم يأملون من الله العفو، نادمين على ما فعلوا من ذنب، وأشارت المجلة إلى أنه من بينهم من قتل النفس، التى حرم الله قتلها إلا بالحق.
أما عن شفيعة المساجين إلى الله «الست صفية»، فهو ضريح داخل سجن الاستئناف، يذهب إليه المساجين يوميا، ويدعون عند ضريحها بالإفراج عنهم ومساندتهم، ودعم قدرتهم على تحمل الحبس، وليس المساجين وحدهم من يتبركون بها، لكن مأمور السجن كان بين من يتبركون بها، ويعيش فى رعايتها ويقرأ لها الفاتحة صباح كل يوم، ويقضى معظم الوقت بجانب الضريح، وكثيرا ما يجمع مرؤوسيه عندها ليحدثهم فى شؤون الدين ويوصيهم أمامها بأن يحسنوا معاملة السجناء.
ومن المواقف أنه جاء إلى السجن أحد السجناء المحكوم عليه بـ3 سنوات بتهمة الشيوعية، وسمع الهتاف باسم «الست صفية»، والحديث عن كراماتها، وقابله بالاستخفاف، وحذره السجناء بأنه يخطئ وأن الله سوف ينتقم منه، وصدر ضده حكم نهائى وندم بعدها عما قاله عن صاحبة الضريح.
وهناك عشرات رووا كرامات الضريح، خاصة فى شهر رمضان الكريم، وقال أحد السجناء إنه حكم عليه بالإعدام فى جريمة قتل وهو برىء، وقبل ميعاد تنفيذ الحكم بساعات، ظل يهتف باسم الست صفية، وإذا به يأتى له خبر أن محكمة النقض قبلت الطعن، وأعادت القضية إلى محكمة الجنايات فتقضى ببراءته. والغريب فى هذا السجن إن أيام الجمع، التى كانت من المفترض أن تشهد زحام الزائرين للسجناء، كانت تشهد زحاما لزيارة الضريح لتقديم النذور والشموع، من خلال صندوق بجانب الضريح، وكان بجوار الضريح قصائد مدحها، كتبها سجناء على الحوائط المجاورة، وللضريح مسجد صغير لا يصلى فيه سوى نزلاء السجن والقائمين عليه.
وترجع قصة الضريح إلى أن «الست صفية» من آل بيت النبى عليه الصلاة والسلام، التى هاجرت من مكة إلى مصر، هى وشقيقتها «ست سعادة»، واشتهرتا بالعبادة والتقوى والورع، ولما توفيت «الست صفية» أقام لها الناس ضريحا فى الأرض التى تشغلها محكمة الاستئناف، ولما ماتت «الست سعادة»، أقيم لها ضريح قريب، وكان يحيى منصور باشا، ناظر المعارف وقتئذ، يريد هدم الضريحين، لكنه أقام قصرا على ضريح «الست صفية» ولم يهدمه، ثم تحول القصر إلى مقر لسجن الاستئناف والمحافظة.
ويروى أن المقاول الذى كان يبنى القصر حاول هدم ضريح «الست صفية»، وسرقت معدات الهدم، فأحضر غيرها، لكنه لم يستطع الهدم لإصابته بشلل جزئى فى يده اليمنى، ثم قرر ترميم الضريح على نفقته الخاصة.
ويخلط العامة من الناس بين ضريح «الست صفية» وجامع الملكة صفية بحى الحبانية فى شارع محمد على «القلعة حاليا»، الذى أنشأه أحد المماليك للملكة صفية زوجة السلطان مراد الثالث العثمانى، ووالدة السلطان محمد الثالث، وسمى باسمها وهو مبنى على غرار المساجد العثمانية.