رغم حرارة الجو وطول ساعات الصيام، يلتزم أصحاب المهن الشاقة بالصيام، ويمارسون أعمالهم، التى تتطلب مجهودا بدنيا كبيرا، والتى تتيح لهم الإفطار للضرورة.
تحت أشعة الشمس الحارقة يقف عمال التراحيل والبناء، والعاملون فى المخابز بين لهيب النيران، وحرارة الشمس فى نهار رمضان، من أجل لقمة العيش، وتوفير قوت يوم أبنائهم.
بين عشرات من أقرانه، يقف كمال المحمدى، أمام عربة تقليب الزلط والرمل أمام إحدى العمارات، يتولى رفع الطوب والزلط على كتفيه إلى العربة، هو وزملاؤه فى العتل، يتشابهون فى نفس البنية الجسدية الهزيلة والبشرة السمراء.
قال «كمال»،31 عاما: «أعمل فى كار المعمار منذ 10 سنوات»، مشيرا إلى أنه من إحدى قرى محافظة المنوفية، وأتى للعمل فى الإسكندرية، موضحا أنه أرزقى، «مينفعش يوقف الشغل فى رمضان عشان الصيام».
«كمال»، الذى يعول 5 من الأبناء، وقطرات العرق تتصبب على جبينه يضيف: «أعلم أن هناك شيوخا أفتوا بأنه يمكننى الإفطار، بسبب عملى الشاق، لكننى لا أستطيع، فأنا مازلت صغيرا وبصحتى، وحتى لو تعبت شوية، أنا طمعان فى الحصول على الأجر والثواب كاملا».
اعتاد «كمال» على العمل فى الإسكندرية فى فصلى الصيف والشتاء، والنزول فى إجازات شهرية لرؤية أولاده وزوجته، ويتابع: «فى ناس بتوقف الشغل فى رمضان عشان الصيام، بس أنا مقدرشى أعمل كده، عشان أوفر فلوس مناسبة لأسرتى، وعشان كده رمضان والصيف يعتبر موسم مناسب فى الشغل».
على بعد أمتار من «كمال» يقف عبدالباسط خيرى، شاب عشرينى يتابع عمل السقالة، وتقطيع أسياخ الحديد، يتمتع بـ«بنية جسدية قوية»، تعينه على الاحتفاظ بطاقته كاملة أثناء العمل، يقول عبدالباسط: «بقالى 5 سنين بشتغل الشغلانة دى، ووارثها أبا عن جد، واتعودت منذ صغرى عليها وعلى حر الشمس، عشان كده مش بيفرق معايا الحر والشمس فى الصيام».
«عبدالباسط» يعمل طوال الشهر لجمع المال المناسب، الذى يعينه على الزواج ويتابع: «أنا مقدرشى أوقف الشغل فى رمضان، لإن ده الموسم بتاعنا، وأنا عايز أجمع فلوس عشان أتجوز»، ويضيف: «أنا لسه شاب أقدر أستحمل الصيام، والحر، والتعب، الدور والباقى على الناس الكبيرة والعواجيز اللى بيشتغلوا معانا».
ويتفاخر «عبدالباسط» بالروح السائدة بين عمال البناء: «إحنا بنحاول نشيل بعضنا فى الشغل، يعنى اللى تعبان ممكن نديله مهمات بسيطة ساعة الصيام، وإحنا الشباب نقوم بالمهمة اللى بتحتاج مشقة وتعب»، موضحا أن ساعات الليل هى الأفضل بالنسبة لهم، «لكن مش كل مقاول بيشتغل بالليل».
ويقف أحمد رشيد، 50 عاما، بين ألسنة النار الملتهبة فى الفرن ويتولى استخراج الخبز من الفرن، بحركة سريعة، وهو يتصبب عرقا، ويقول بوجه تعلوه ابتسامة: «اتعودنا على كده، ومبتفرقشى معانا، رمضان أو غير رمضان، كده كده فصل الصيف عندنا فى الفرن بيكون زى الجحيم».
حاول «رشيد» الأخذ برخصة الشيوخ للإفطار بضعة أيام فى رمضان، العام الماضى، لكنه تراجع عن قراره، موضحا: «الصراحة مقدرتش، لما تحس إن الناس كلها صايمة وبتاخد الثواب على جوعها وعطشها، وإنت مش مشاركهم، بيكون إحساس وحش».
وأشار «رشيد» إلى صبى يبلغ نحو 15 عاما، قائلا: «يعنى جلال ده الصبى بتاعى، هوه اللى بيستلم منى العيش فى الفرن ويوصله للزباين، ساعات بطلعه نص يوم عشان الحر وساعات بخليه يريح بره الفرن، إحنا عندنا ميزة إننا بنبدأ فى الأفران بدرى جدا، بعد الفجر على طول وبنخلص على الساعة واحدة الضهر تقريبا».
مختار أحمد، رجل نظافة، يقف على طريق كورنيش البحر بالساعات ليتولى تنظيفه، ويرى أن عمله يتطلب جهدا جسمانيا كبيرا بسبب جره للعربة، ووقوفه فترة طويلة تحت أشعة الشمس، فى عز الصيام، يقول مختار: «رغم أننى رجل كبير فى السن، فإن رمضان يكون مختلفا، لأن الشوارع تكون أقل ازدحاما، وبالتالى يسهل على العمل».
لم يدفع «مختار» للعمل تحت حرارة الشمس الحارقة سوى الحاجة، ورغبته فى سد مطالب أسرته، المكونة من 6 أفراد، فيقول: «شهر رمضان كريم على الجميع، وربنا بيخفف فى التعب وأكيد بناخد ثواب أكبر على الجهد اللى بنبذله».
وفى حوارى منطقة المنشية القديمة يدور عم أكمل حسنين، المعروف بأكمل السوستجى، فى الدقائق القليلة قبل أذان المغرب، يبيع للناس الخروب، بعد ما ظل لأكثر من سبع ساعات يدور فى الشوارع والحوارى لبيع الخروب.
يعتبر عم أكمل شهر رمضان، للعام الجارى، الأكثر مشقة على مدار عمره الكبير، ويتابع: «زمان كان النهار بيعدى بسرعة، والجو مكانشى حر كده، حتى فى الصيام البركة راحت والتعب زاد، بس يظل رمضان هو شهر البركة، وبنطمع فى رضا ربنا».