مع نهاية عام وبداية آخر، استضاف معهد البحوث والدراسات العربية الأمين العام لجامعة الدول العربية السيد أحمد أبوالغيط، فى جلسه حوارية مع مجموعة من المثقفين والأكاديميين المصريين والعرب، كان موضوعها هو «المستقبل»، مستقبل العالم والإقليم والوطن العربى.
استضافة أبوالغيط لم تكن بالضرورة بحكم منصبه الرسمى، ولكن بالأساس لما يطرحه دائما، ورغم قيود منصبه، من رؤى وأفكار متميزة، وقائمة على الخبرة، والاطلاع المستمر والدؤوب على الإنتاج الفكرى والبحثى على مستوى العالم.
ونظرا لأهمية الأفكار التى طرحها أبوالغيط وما أعقبها من حوار، والقيود على عدد الحضور بسبب جائحة كورونا، أردت أن أشرك القارئ فيها من خلال هذا المقال الموجز.
بدأ أبوالغيط بالحديث عن الصورة الكبيرة للعالم، وذكر أنه لا يجب المبالغة فى الحديث عن تأثير جائحة كورونا، وأن عالم ما بعدها سيختلف عن ما قبلها. فبالتأكيد هناك دروس مستفادة، منها ضرورة الاهتمام بشكل أكبر بالسياسات الصحية، وتبنى شكل جديد للعولمة يكون أقل توحشا. ولكن مع التوسع فى استخدام اللقاح الواقى، سوف يعود العالم بدرجة كبيرة إلى طبيعته فى نهاية هذا العام.
وأشار أبوالغيط إلى عوامل أخرى سوف تسهم بدرجة أكبر فى تشكيل المستقبل، وعلى رأسها التنافس الأمريكى الصينى، الذى قد يدخل العالم فى حرب باردة جديدة. أما إمكانية تحولها لحرب ساخنة، فقد استعرض الأفكار التى يرددها بعض الباحثين الأمريكيين مثل جراهام اليسون فى جامعة هارفارد، والذى تحدث عن «فخ ثيوسيديديز» وهو المؤرخ اليونانى الذى كتب عن ملابسات الحرب بين أثينا واسبرطة، والتى كان دافعها الأساسى إحساس قوة مهيمنة (أثينا) بالتهديد من قوة صاعدة يمكن أن تأخذ مكانها (اسبرطة)، وبالتالى كانت النتيجة الحتمية هى الحرب. ولكن أبوالغيط خفف من إمكانية تطور الحرب الباردة الجديدة بسبب استمرار التبادل التجارى الكبير بين الولايات المتحدة والصين، والذى لم يكن موجودا عندما كان الاتحاد السوفيتى طرفا فى الحرب الباردة القديمة.
ويتنبأ أبوالغيط بأن الولايات المتحدة سوف يستمر نفوذها لقرن قادم على الأقل، ولكن هذا لا يمنع من تصاعد نفوذ القوى الكبرى الأخرى مثل الصين وروسيا. وأن بعض الأفكار التى يتم تداولها الان تدور حول تكوين ائتلاف غربى تنضم له الهند وأستراليا وكوريا الجنوبية لمواجهة الصين، وأحد أسئلة المستقبل هل ستنضم روسيا لهذا الائتلاف، أم ستنضم للصين فى تحالف استراتيجى.
كان هناك نقاش أيضا حول تأثير التكنولوجيا على صياغة المستقبل، وخاصة صناعة السلاح، مثل الطائرات بدون طيار (الدرونز)، واستخدام الذكاء الاصطناعى فى تكنولوجيا السلاح، وخطورة قيام الآلة ودون تدخل بشرى، بتقييم وإصدار أمر الهجوم على الهدف المعادى.
وعلى المستوى الإقليمى، تحدث أبوالغيط عن استمرار تركيا وإيران فى التنمر بالعالم العربى، وسعيهما لاستعادة أوضاع إمبراطورية قديمة، والامتداد فى الفضاء العربى. وحذر من امتلاك إيران لسلاح نووى، لأنه فى النهاية سيستخدم لتحقيق الأهداف الإيرانية ولن يكون قنبلة نووية «إسلامية» كما يزعم البعض، وأن المنظور الدينى الذى تستخدمه يستهدف أيضا تحقيق أهداف إيرانية بحتة.
وبالنسبة للوطن العربى، تحدث أبوالغيط عن أنه يمر بمرحلة من أصعب فترات التاريخ العربى، وأن ما حدث فى السنوات العشر الأخيرة هز العالم العربى، وهز ثقته بنفسه، وهز علاقته بالآخرين. وطالب بعودة الدولة الوطنية بأيد وطنية فى دول مثل العراق وسوريا، وحذر من الحديث عن إلغاء الجامعة العربية لأنه يفتح الباب للمشاريع البديلة من دول الجوار. ودعا إلى الاستفادة من المستجدات مثل التطبيع والإدارة الأمريكية القادمة فى واشنطن لتحقيق هدف إقامة الدولة الفلسطينية، وإذا لم نستطع تحقيق ذلك خلال السنوات الأربع القادمة فسوف يلحق أذى أكبر فى المستقبل.
ختاما، الحوار دار به العديد من القضايا الهامة الأخرى، والتى لا تكفى مساحة المقال لتغطيتها، والندوة متاحة على قناة المعهد على موقع اليوتوب لمن يهتم بالتفاصيل.