أمسك الفنان القدير عبدالعزيز مخيون، بكل حب وعرفان، بجائزة رفيعة جدًّا، وهى تمثال (التانيت الذهبى)، إنها حلم الكثيرين فى عالمنا العربى. الجائزة يمنحها المهرجان التونسى العريق، كان قد سبق مخيون، قبل أربع سنوات، أن احتضن عادل إمام نفس الجائزة عند احتفال المهرجان باليوبيل الذهبى- خمسين عاما على انطلاقه-، وبينما جاءت كلمة عادل وقتها تحمل قدرًا من التعالى، و(الشوفونية) المبالغ فيها، وأدت إلى ردود أفعال إعلامية لم تكن أبدًا فى صالح لا الإعلام المصرى أو التونسى، بل أدت إلى قدر من التراشق كنا جميعًا قد وقفنا بعيدًا عن نيرانه، لولا أن عددًا من الأقلام هنا وهناك تدخلت فى تلك اللحظات الحاسمة، فتوقف تبادل الكلمات التى لها مذاق اللكمات- جاءت كلمة مخيون بردًا وسلامًا على الجميع وكلها تقدير واعتزاز بتونس وأهلها ومهرجانها، ويبقى السؤال: أليست المهرجانات المصرية هى الأحق بفنانيها؟ رغم إيمانى المطلق بأن الفنان المصرى هو فنان عربى بالضرورة، ولكن ما مكانة الفنانين فى مصر وما نصيبهم من التقدير، والذين لا ينطبق عليهم توصيف (سوبر ستار)؟! هم بمثابة البنية التحتية والعمق الاستراتيجى للأعمال الفنية، لقد بدأنا فى السنوات الأخيرة تغيير البوصلة قليلا وشاهدنا تكريمات لأسماء عديدة مثل حسن حسنى ولطفى لبيب وصلاح عبدالله، إلا أننا ننتظر قطعًا المزيد.
أشرقت تونس بمهرجانها (قرطاج) فى دورته الاستثنائية التى تحمل رقم 31، ظل الجميع فى حالة ترقب وعلى مدى أكثر من نحو خمسة أشهر، تباينت الأخبار، هل يقام افتراضيًّا أم واقعيًّا؟ تأجل الموعد أكثر من مرة، إلا أننى كنت أراهن على فريق العمل بقيادة المخرج التونسى الكبير والصديق رضا الباهى، جاء قراراه حاسمًا بإقامة دورة استعادية لها ملامحها الخاصة، وتتوافق نفسيًّا مع الحالة التى نعيشها الآن فى العالم كله، حيث نستعيد أيامنا قبل (كورونا) وهكذا بدأت رحلة تنشيط الذاكرة بعام 1966 عندما أقيمت أول دورة وحملت اسم أيام قرطاج، إنه المهرجان الأسبق زمنيًّا فى عالمنا العربى، بتوجهه العربى الإفريقى، أو العكس، الإفريقى العربى، حيث تجد توازيًا جغرافيًّا بين عالمنا العربى وجزء منه أيضا إفريقى، وبين دول إفريقيا التى لم تأخذ حقها كما تستحق فى المهرجانات المصرية إلا فقط قبل نحو تسع سنوات مع انطلاق مهرجان (الأقصر)، ولكن المشاهد المصرى لم تصله بعد تلك الثقافة السينمائية التى تؤكد انتماءنا الإفريقى.
تقلصت التظاهرات بالمهرجان وألغيت المسابقات، وتضاءل عدد الضيوف بالمقارنة بالأعوام الماضية إلا أن الشغف الشعبى بالمهرجان أراه قد تضاعف وهو ما لاحظناه جميعًا فى مهرجان القاهرة، طبقًا للأرقام المعلنة حيث تضآلت المساحة المتاحة للجمهور إلى النصف، ولكن الإقبال لم يتأثر بالسلب على عكس كل التوقعات والتحذيرات، وكأنها رسالة بالصوت والصورة ترسلها تونس للعالم بأن الحياة بكل طقوسها ستعود رغم الجائحة، وكأن المهرجان مثل دقات المسرح الثلاث التى تسبق العروض، وهكذا أرى المهرجانات التى حرصت على أن تقام واقعيًّا وهى تعلن أنه برغم الكمامة والمطهرات والتباعد إلا أننا سنعود مجددًا للحياة بكل تفاصيلها، يبدو اللقاح وهو يقترب من سكان المعمورة أشبه بطوق نجاة للبشر أجمعين، ولكنى أرى أيضًا أن حائط الدفاع الأول هو الإنسان فى تعامله مع الحياة عندما يجمع بين الإقبال والاحتراز. وغدا نُكمل!!