حالة غير مسبوقة فى الحياة الفنية، أول مطرب يحمل السلاح ويقرر أن يقتل كل من يخالفه الرأى أو العقيدة.. فى الأعوام الأخيرة كثيرا ما تعجبت وأنا أسمع أغنياته الجديدة، أو وهو يدشن ابنه محمد لإكمال طريقه، وكثيرًا أيضًا ما كنت أتلقى ردودًا من مريديه وهم يؤكدون أن كل ما أثير عن حمله السلاح مجرد شائعات، ثم جاء قرار المحكمة مؤخرًا بالسجن 22 عامًا، لتسقط كل أسلحة البراءة ويتحول من مطرب إلى إرهابى بحكم القانون.
قبل نحو سبع سنوات، أصبح فضل شاكر مطلوبًا بعد أن حمل السلاح، وصار هو الأقرب إلى القيادى السلفى المتشدد أحمد الأسير، يعمل تحت لوائه، لا يتردد عن فتح النيران لو أمره بذلك، الاستقطاب السياسى، بل العسكرى، فى لبنان مثل الخبز اليومى، وزهق الأرواح صار عند البعض مثل تحية الصباح.. ولكن كيف لمن لقبوه بملك الرومانسية يصبح ملكًا للدموية؟!، أراها بعيدة تمامًا عن التصديق، كل الوقائع تؤكد أن النفس البشرية من المستحيل أن تُلم بكل جوانبها، أحيانًا نكتشف نيرانًا متأججة تحت سطح الثلج.
هل تخيلت قبل بضع سنوات أن تشاهد صورة المطرب فضل شاكر وهو يشهر خنجره فى صدور خصومه؟!، فضل اعتلى قمة الرومانسية، كان صوته بمثابة النبرة الحانية التى تطبطب علينا وتدغدغ مشاعرنا بأغنيات مثل: «يا حياة الروح» و«الله أعلم» و«بياع القلوب» و«نسيت أنساك» و«متى حبيبى متى» و«لابس وش الطيب».. كانت صوره تزين دائمًا صفحات الفن.. فجأة، ينتقل إلى صفحات السياسية والجريمة، بدلًا من أن نراه يعتلى خشبة المسرح ممسكًا بالميكروفون، شاهدناه مؤخرًا فى ساحة الوغى رافعًا (الكلاشنكوف) مهددًا ومتوعدًا.
مجموعة من المتناقضات بهذا الفنان الكبير، منذ الثورة السورية وهو لديه موقف ثابت لا يتزحزح، أكد وقتها أن ما يجرى فى سوريا مجازر تتم تحت رعاية بشار، خاف القطاع الأكبر من الفنانين والمثقفين السوريين واللبنانيين من بطش الأسد، ويده المتوحشة التى تمتد خارج الحدود، بينما فضل واجه بشجاعة الطاغية.. إلا أن قرار اعتزاله، بل تحريمه الفن جاء مواكبًا لهذا الموقف الثورى، كان من الممكن أن يحيل صوته الشجى إلى أحد أسلحة المقاومة ضد الطغاة، فأصبح سلاحًا موجهًا ضد الحياة.
كل تصريحاته تؤكد أن زاوية الرؤية لا تتعدى تلك الدائرة الضيقة، يفسر كل المواقف التى يتعرض لها بأنها انعكاس لظلم يعانى منه بسبب كونه سُنيًا سلفيًا، وفتح النيران بعدها مباشرة ضد عدد كبير من زملائه، معلنًا أن الفن حرام، فهل كان فضل يمارس الحرام طوال أكثر من ربع قرن، وكل من يبدع الفن بمختلف صوره وأنماطه غارقًا حتى أذنيه فى براثن الرذيلة؟!.
«لا تبصق فى بئر شربت منه» حكمة قديمة، ولكن مع الأسف كثيرًا ما شرب البعض من آبار كانوا هم أول من لوثوها بأقوالهم وأفعالهم، صوت فضل أصبح سوط عذاب يلهب به كل من مارس الفن!!.
الحياة الفنية وطوال التاريخ بين الحين والآخر نلمح فيها تلك الأصوات المتطرفة التى يعلو صوتها بتحريم الفن، إلا أن فضل تجاوز كل ذلك ووصل إلى حد الفجور، بعد أن أشهر فى وجه من يخالفه الرأى زخات متلاحقة من النيران. هل هو فعلًا، كما تشى ملامحه ويعبر بصوته، طيب وحنون ودافئ، أم كما قال فى أغنيته الشهيرة (لابس وش الطيب)؟!!.