أعشق قراءة التاريخ ومذكرات الساسة منذ فَتّح الكاتب المؤرخ حبيب جاماتى عينىّ على ما كان يكتبه من سلسلة بمجلة «المصور» تحت عنوان «تاريخ ما أهمله التاريخ»، رغم علمى أن من كتاب هذه المذكرات من كتبها إما ليدافع عن نفسه، وإما لتبرير بعض مواقفه.. ولكن بلا جدال، هناك من كتاب المذكرات من حاول أن يقول الحقيقة، ومن هؤلاء مثلًا الداهية الإنجليزى ونستون تشرشل، ومن هؤلاء من المصريين يأتى فى المقدمة معالى أحمد أبوالغيط، وزير خارجية مصر لسنوات عديدة، وهو الآن الأمين العام للجامعة العربية، فى كتابيه الرائعين: «الحرب والسلام»، ثم «شهادتى».. ومنهم معالى عمرو موسى، وكان من أشهر وزراء خارجية مصر فى عصر مبارك.. ولا أنسى هنا مذكرات محمد إبراهيم كامل الذى كان أول من عارض فكرة الرئيس السادات لزيارة القدس.. ولكننى أيضًا أفتقد مذكرات الدكتور أسامة الباز، التى قيل إنه كتبها.
وهذه الأيام، أستمتع، وللمرة الثانية، بقراءة «رحلة العمر» التى هى مذكرات السفير عبدالرؤوف الريدى، أشهر سفير لمصر فى واشنطن، والتى صدرت طبعتها الأولى عام ٢٠١٠، وسر استمتاعى بها أن كاتبها وصاحبها ابن بلدى دمياط، لأنه يعيد فيها تذكيرى بعصر عظيم عشته فى دمياط، وفی مدرستيها الابتدائية والثانوية.. وقد تحدث باستفاضة عن حياته فى مدينته الصغيرة «عزبة البرج» الواقعة على الشاطئ الآخر لمصيف رأس البر.. وكلانا من عشاقه أيام هذا الزمن الجميل، أيام الأربعينيات!!.
وعبدالرؤوف الريدى، المولود فى يوليو ١٩٣٢، ابن أسرة متوسطة، وإن كانت أشهر عائلات عزبة البرج.. وشدتنى شِدة وفائه لوالده الحاج السيد شعبان الريدى، ابن البحر.. لأن «العزبة» تحيط بها المياه من كل جانب.. ففى الشرق بحيرة المنزلة، وفى الشمال البحر المتوسط، وفى الغرب نهر النيل عند المصب الشهير. وهو- مثلى- من عشاق هذا الجو البحرى من كل جانب.. والأسرة كلها وحتى الآن تعمل بالبحر منذ كان عميدها الحاج سيد قبطانًا لمركب شراعى، كان يتاجر مع مدن وموانئ شرق البحر المتوسط. وكان السفير عبدالرؤوف فخورًا بالأب، لذلك وضع صورته فى صدر كتابه، وقد رافقته هذه الصورة- بالطربوش- طوال رحلة العمر فى كل المواقع التى عمل فيها دبلوماسيًا.
والسفير يمكن أن نصفه بأنه رجل المهام الصعبة.. إذ زرعته الأحداث وسط المشاكل المحلية والإقليمية والعالمية.. وربما كان من أهمها جريمة موسكو بغزو أفغانستان، عندما كان سفيرًا لمصر فى باكستان.. إلى تعامله وعمله مع عدد من وزراء خارجية مصر فى عصرها الذهبى، ثم وجوده فى واشنطن لسنوات طويلة هى الأطول لسفير مصرى هناك.. ولا ينسى هنا أنه كان شاهدًا على ميلاد حركات الجهاد الإسلامى.. وأيضًا على ازدهار علاقة مصر مع أمريكا، ودوره غير التقليدى فى إلغاء الديون العسكرية التى كانت عبئًا على الاقتصاد المصرى، ولذلك كانت فترته فى واشنطن هى أثرى فترات رحلة العمر التى بدأت عام ١٩٨٤.. ويتحدث بمرارة عن جريمة صدام حسين ضد الكويت عام ١٩٩٠.
■ وشدتنى- أيضًا- حياته الحالية عندما استمر فى العمل المدنى ودوره فى إنشاء العديد من المكتبات العامة.