إن إدارة أى جامعة فى العصر الحديث تعتبر عملية معقدة جدًّا، فهناك العديد من أصحاب المصلحة الذين لابد من العمل على إرضائهم: الطلاب، وأعضاء هيئة التدريس، والخريجون، وأولياء الأمور، ومجالس الأمناء، والمجتمعات المحلية. كما أن البيئة الجامعية باتت مليئة بالقضايا السياسية الساخنة مثل حرية التعبير والمشاركة المجتمعية والتنوع والشمول. وهنا يتوقع المجتمع من الجامعة أن تؤدى وظائف اجتماعية وسياسية معقدة، وأن تتمكن بطريقة أو بأخرى من تقديم مثال أفضل من بقية مؤسسات المجتمع.
إن عملية تغيير جامعة من جيل إلى جيل، يتطلب من أعضاء المجتمع الأكاديمى وأصحاب المصلحة أن يقتنعوا بأن القيم التى يحتفظون بها لأجيال عديدة يجب أن يتم تعديلها واستكمالها. وما لم تعتمد قيادة الجامعة، أى جامعة، خطة دقيقة ومتوازنة تمامًا للتغيير، فإن الجهود الرامية إلى إحداثه قد تؤدى فقط إلى الإحباط والارتباك، مما يجعل الأمور أسوأ وليست أفضل. فإدارة التغيير هى مهنة بحد ذاتها، وهى سمة حاسمة للتنفيذ الناجح، فالجميع يسعون نحو التقدم ولكن لا يحبون التغيير «والأبحاث التى جرت لمعرفة مدى توافق هذا المفهوم مع الواقع كانت نتيجتها أن التغيير مسألة عاطفية: «فالناس مستعدون للتغيير، ولكنهم لا يريدون أن يتغيروا». وهنا يتوقف مدى استعداد الناس للتغيير إلى حد بعيد على إدارة التغيير. وهنا يمكننا التمييز بين ثلاثة أنواع من الناس: النوع الأول، الذين لديهم الميل للتغيير وهم نشيطون يستبقون التغيير ولا يحتاجون الدافع للتغيير، ويمثلون 10- 20%. والنوع الثانى، الذين لديهم الرغبة فى التغيير، واستعدادًا ملموسًا للتعايش مع التغييرات التى تنشأ عن المطالب التى تُطرح، وغير معترضين ومستعدون للقيام بشىء إذا ما كان هناك من يأخذ زمام المبادرة. ولديه حجج معقولة فسيستمعون إليها، ويتفقون معها فى نهاية المطاف، حتى لو كان عليهم تقديم تضحية وهم يمثلون 60- 80%. أما النوع الثالث من الناس فليس لديهم القدرة على التغيير، ولهم موقف أساسى ضد أى تغييرات، وهم أقلية ما بين 10- 20% منهم. فإذا ما تمت إدارة عملية التغيير بشكل سيئ يمكن للناس غير القادرين على التغيير أن يؤثروا على «الراغبين فى التغيير»، بمعنى أن الأغلبية ستكون ضد التغييرات التى من المرجح أن تفشل. ومن ناحية أخرى، فإذا ما تمت إدارة عملية التغيير بشكل جيد فإن تأثير تلك المجموعة سيكون ضئيلًا.
إن إدارة التغيير الناجحة تعتمد على عوامل ثلاثة: مدى وجود ما يسمى إمكانية التغيير. مدى تطبيق خصائص إدارة التغيير «الجيدة». ثم اختيار استراتيجية للتغيير تناسب الوضع المحدد. إن خصائص الإدارة الجيدة للتغيير لها صلة كبيرة بالدافع. والدافع بدوره ينبع من الأهداف والتواصل. فإذا كان الناس يؤمنون بأغراض التغيير فهم على استعداد لبذل قصارى جهدهم لإحداثه، حتى ولو بالتضحية ببعض من مصالحهم الشخصية.
إن الأهداف الطموح، مثل تحقيق مركز متقدم للمعرفة التنافسية أو الانتقال إلى جامعة الجيل الثالث، تُطلق الكثير من الطاقة الإيجابية. هذه الأفكار يسهل تنفيذها من قبل الذين يميلون إلى التغيير، وسوف يدعمهم أولئك الذين لديهم الرغبة فى التغيير، شريطة أن يكون هناك تواصل جيد. وينبغى أن يتم هذا التواصل قبل وأثناء عملية التغيير. وتتمثل عملية الاتصال المثالية قبل حدوث تغيير كبير فى إعداد خطة استراتيجية يشارك فيها عدد كبير من منسوبى الجامعة. يمكن للرؤساء النظر فى مثل هذه الإجراءات («نحن نعرف النتيجة بالفعل») ولكن، كما قال ماو: «الخطة لا شىء، والتخطيط هو كل شىء». فعملية التخطيط الاستراتيجى بقيادة جيدة غالبا ما تؤدى إلى المشاركة والالتزام، فالمشاركون فى العمل من أجل تحقيق الأهداف والتغيير يكون أسهل عليهم بكثير من الحالات التى يفتقر فيها هذا التفاهم المشترك.
ولتحديد استراتيجية التغيير يتم تقسيم العملية إلى عدد من الخطوات أو مراحل العمل، والذهاب من العام إلى المحدد. وكل مرحلة من مراحل العمل تتبعها مرحلة تواصل بتوقيت زمنى محدد سلفًا وغير قابل للتغيير. وبعدها تتخذ الإدارة قرارًا غير قابل للانعكاس يتعلق فقط بخطوات تلك المرحلة. هذا القرار تبدأ منه مرحلة العمل التالية، وهلمّ جرا. وقبل كل شىء، على الإدارة العليا فى الجامعة مثل الرئيس والنواب والعمداء أن يكونوا ملتزمين ومؤمنين تماما بضرورة التغيير والاتجاه الذى ينبغى أن تتخذه. وهنا يتوجب إصدار وثيقة قصيرة تحدد: الأسباب التى تجعل التغيير لا مفر منه أو مرغوبًا فيه، المفاهيم الأساسية للجامعة، و«ترجمتها» إلى الوضع الخاص بها، وأخيرًا مراحل وتوقيت عملية التغيير.
إن الجامعات هى مؤسسات قيمة، لها موقع مركزى فى حضارتنا، وهى مصدر رئيسى لازدهارنا. إنها حاملة لثقافتنا بشكل عام، ثقافة العلم والتكنولوجيا، وبالتالى فإن تكييف جامعاتنا مع متطلبات الوقت هو مهمة تتجاوز أهمية إدارتها اليومية!.