أدْمَت قلبى حادثة طبيب الزقازيق، أو طبيب الميكروباص، الذى- للأسف الشديد- قام بالعادة السرية فى مواجهة فتاة قامت بتصويره وفضحه على الملأ، ومن ثَمَّ اقتياده إلى الشرطة والنيابة! شاهدت كيف راح الركاب يصفعونه على وجهه مرة بعد مرة! وهو كالذبيحة مستسلم تمامًا! المشهد كان مروعًا! لدرجة أننى تساءلت كيف سيواجه هذا الطبيب المجتمع بعدها؟ لن أندهش مستقبلًا إذا سمعت بنبأ انتحاره! لاحظ أننا لا نتحدث عن أحد الرعاع معتادى الإجرام، ولكن عن شاب متفوق فى مهنة حساسة بطبعها، يكون فيها مؤتمَنًا على الأعراض، يكشف العورات ويُباح له النظر وكشف ما لا يُباح لغيره اعتمادًا على الثقة وشرف المهنة!
■ ■ ■
أتفهم أن هذا الشاب تُصَبّ فى دمه أطنان من الهرمونات! لاحظ أن شرقنا التعيس هو المكان الوحيد فى العالم الذى تؤجل فيه ممارسة الجنس إلى ما بعد الثلاثين! فهل لم يكن بوسعه فعلًا أن يتزوج؟ وحتى لو منعه ضيق ذات اليد من الزواج بطبيبة مثله- والزواج مكلف للغاية كما تعلمون- ألم يكن متاحًا له أن يتزوج من عائلة متوسطة أو حتى بسيطة الحال! كانوا سيرحبون به! وكان ذلك أفضل بالتأكيد من السيناريو المخزى الذى حدث.
■ ■ ■
لقد قُضى على هذا الشاب قضاء مبرمًا! فى حالة إدانته- وهى شبه مؤكدة بعد أن وثّقت الفتاة ما حدث بالفيديو- سوف تقوم نقابة الأطباء بسحب ترخيصه! وستفصله الجامعة لا محالة. نسيت أن أخبركم أنه عضو هيئة تدريس شاب بالجامعة! وسيبقى أثر الصفعات على وجهه مدى حياته بأكملها! فما الذى تبقى له من مبررات الوجود لكى يحيا!
البعض يلوم الفتاة على فضحه! عن نفسى لا أجد أى مجال للومها. يجب ألا ننسى أنها ضحية! ونساء مصر صرن متحفزات تجاه حالة التحرش العامة فى المجتمع! حالة عدم الأمان حال خروجهن إلى الشارع. هذه أشياء لن يفهمها الرجال أبدًا.
■ ■ ■
لكنى رغم ذلك أتصور سيناريو أكثر رحمة مما حدث! مفهوم بالطبع أنه فعلها من فوق ثيابه! إذ لا يُعقل أن يقوم بالتعرى أمام ركاب الميكروباص كافة. كان بوسع الفتاة حين بدأ فى ممارسة العادة السرية أن تحذره! كان بوسعها- وهى لا تفتقد الشجاعة- أن تُظهر له عين الغضب! كلمة واحدة (احترم نفسك) لو قالتها له بصوت عالٍ لتوقف على الفور!
يُروى أن فقيه العراق الأعظم، «إبراهيم النخعى»، كان أعور العين، وكان تلميذه «سليمان» أعمش العين (يعنى ضعيف البصر). وبينما هما يسيران فى إحدى طرقات الكوفة يريدان الجامع، قال الإمام النخعى: «يا سليمان هل لك أن تأخذ طريقًا وآخذ آخر؟! فإنى أخشى إن مررنا سويًا بسفهائها، ليقولن أعور ويقود أعمش؟! فيغتابوننا ويأثمون»، فقال الأعمش: «وما عليك أن نؤجَر ويأثموا؟!»، فقال الإمام: يا سبحان الله! بل نسلم ويسلمون خير من أن نؤجَر ويأثموا.