العشوائياتُ ظاهرةٌ عالمية منتشرةٌ فى أرجاء الكرة الأرضية. إذْ تبلغُ نسبةُ قاطنى العشوائيات حوالى ٣٢٪ من سكان العالم، موزّعةً فى إفريقيا وأمريكا اللاتينية والكاريبى والشرق الأوسط وجنوب وشرق آسيا.. وغيرها من المناطق. وتنشأ العشوائياتُ من بنايات بدائية وأحياء فوضوية يخططها وينشئها الأهالى بأنفسهم على أراضٍ زراعية وصحراوية وأراضى الدولة، خارج مظلّة القانون على نحو متنافر مع النسيج العمرانى للمجتمع، ومتعارض مع الاتجاهات الطبيعية للامتداد، وتكون عادة عششًا من الصفيح أو الخشب أو الطين أو المشمع أو الكرتون والأقمشة البالية، وأحيانًا من الطوب، ولا تحتوى على حمّام ومطبخ، وتفتقر إلى المرافق الأولية من ماء شرب وصرف صحى وكهرباء. وانتشرت العشوائيات فى مصر مع تزايد ظاهرة النزوح من الريف إلى المدن على مدار العقود الماضية، حتى أصبحت هرمًا شاهقًا من المشاكل والمخاطر، تتفاقم حدّته بسبب الانفجار السكانى، والريف الطارد والحضر الجاذب، وارتفاع أسعار الأراضى والشقق السكنية ذات المرافق، ورغبة الأهالى فى إسكان أبنائهم إلى جوارهم، وضعف الاستثمارات فى مجال الإسكان منخفض التكاليف، والتهاون فى تطبيق القانون على مغتصبى الأراضى، وغيرها من الأسباب.
وكان ملفُّ العشوائيات هو الملف «الدائم التأجيل» مع تعاقب الحكومات منذ عقود، رغم إنشاء صندوق تطوير المناطق العشوائية بعد انهيار صخرة الدويقة بمنشية ناصر. لكن الظاهرة كانت تزدادُ استفحالًا وتغوّلًا بسبب عسر حلّها وتطلّبها أموالًا باهظة، إضافة إلى صعوبة عملية إحلال السكان من أماكنهم العشوائية التى اعتادوا عليها إلى أماكن حضرية وآدمية بعيدة. ومع عهد الرئيس السيسى، جرى تفعيل المادة ٧٨ بالدستور المصرى الجديد ٢٠١٤، التى تنصُّ على أن الدولة تكفل للمواطنين الحق فى السكن الملائم والآمن والصحى بما يحفظ الكرامة الإنسانية ويحقق العدالة الاجتماعية. فبدأ العمل بجدية حقيقية وسرعة إنفاذ لحل كارثة العشوائيات جذريًّا. ومع عام ٢٠١٥، بزغت مشاريعُ سكنيةٌ ساطعةٌ وأنيقة فى مختلف أرجاء مصر، مثل: طلمبات الماكس فى الإسكندرية، القابوتى وأبوعوف فى بورسعيد، السمّاكين فى سوهاج، زرزارة فى الغردقة، جبل الزلط فى أسوان، وغيرها فى مختلف محافظات مصر من المشاريع العملاقة الآدمية الأنيقة التى شُيّدت لإسكان سكان العشوائيات. ومع بداية عام ٢٠١٦، قامت وزارة الإسكان المصرية بالتعاون مع برنامج الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية بوضع استراتيجية خماسية تهدف إلى تحقيق مسكن آمن للمواطن المصرى الذى يقطن مناطق عشوائية غير آمنة أو شديدة الخطورة، والتى قُدّرت بمائة وخمسين ألف وحدة سكنية. ووُضع للاستراتيجية جدول زمنى لا يزيد على العامين، هادفةً إلى مراعاة التنمية الاقتصادية والاجتماعية مع صياغة سياسات وقائية لمنع تكرار ظاهرة العشوائيات الخطرة.
ثم تأتى دُرّة تاج مشروعات تطوير العشوائيات. «حىُّ الأسمرات» المشرق البهىّ بألوانه المشمسة ومراحله الثلاث. بناياتٌ جميلة على طراز أنيق مريح، تنهلُ ألوانُه من ريشة الطبيعة، ومسافات فيما بينها تكفل الخصوصية. تضمُّ البناياتُ منازلَ مؤثثة بكل ما يحتاجُ إليه الساكن من أساسيات وأجهزة كهربائية. ونوافذُ تُطلُّ على حدائقَ تسرُّ الناظرين. يضمُّ «حىُّ الأسمرات» بمراحله الثلاث مبانى لجميع الأنشطة الطبية والتعليمية والدينية والترفيهية؛ من وحدات صحية، مدارس، مساجد وكنائس، ملاعب كرة قدم وتنس وحمامات سباحة أوليمبية وترفيهية، ومبانٍ اجتماعية وحدائق أطفال ومحال تجارية، وتصلُ كفاءته لإسكان ما يقاربُ العشرين ألف وحدة سكنية. وينهجُ مشروع الأسمرات فلسفةَ الإيجار التمليكى بإيجار شهرى رمزى قدره ٣٥٠ جنيهًا، لاحتواء سكّان العشوائيات الذين يستحقون الحياة الآمنة الكريمة التى تليق بكل مواطن مصرى. معجزة حقيقية كانت حلمًا شبه مستحيل يراود قلبَ مصر، وصارت اليوم حقيقة نلمسها ونراها لنزهو بها فى لحظة تاريخية حققتها قيادة سياسية محترمة ورئيس وطنى نبيل أحبَّ أبناءَ وطنه وقرر، بالفعل لا بالكلمات، تحقيق العدالة وحق الحياة الكريمة لكل من شقّت عليه فى عهود سابقة.
يشعرُ المرءُ بالزهو وهو يتجوّل فى حى الأسمرات الذى خلق بيئة اجتماعية صحية وحضارية لقاطنيه، فيما يعدُّ وثبة حضارية حقيقية وفريدة فى تاريخ مصر. كنّا نخجلُ من مشاهد العشوائيات التى تنقلُها الكاميراتُ للعالم من قلب مصر، فتَحوّل الخجلُ إلى فخر بما حققناه فى سنوات قليلة فى مجال تطوير العشوائيات وتحويلها إلى مدن سكنية متكاملة وأنيقة تليق بـ«أميرات مصر» من المصريات المكافحات ربّات الأسر البسيطة اللواتى كنّ راضيات بقدرهن فى السكنى فى عشوائيات المقابر وعرب المحمدى ومنشية ناصر والدويقة، وغيرها. والآن، تمنحهنّ مصرُ فى عهد قيادة سياسية راقية ما يستحققن من كرامة وحياة حضارية. تحيا مصر ويحيا رئيسُها العظيم.
«الدينُ لله.. والوطنُ لمن يرتقى بالوطن».
twitter:@fatimaNaoot