x

فاطمة ناعوت جانا نهار «وقدر» يدفع مهرها.. ثلاثةُ متاحفَ مصرية فاطمة ناعوت الخميس 05-11-2020 01:09


فى بدايات عهدِه قبل سنوات، قال لنا الرئيس السيسى: «إحنا مش عاوزين نمشى ولا نجرى، عاوزين نقفز حتى نعوِّضَ ما فاتنا». والقفزُ فى المعجم يعنى النهوضَ والقيامَ، ثُمّ الوثوبَ أفقيًا ورأسيًّا دون توقّف، والتحرّك من مكانٍ إلى مكان لاجتياز المراحل نحو الأمام ونحو الأعلى. وهذا بالضبط ما حدث فى الأمس القريب، ويحدث اليومَ وغدًا بإذن الله.

مصرُ الجميلةُ تعلوووو. وهذا المَدُّ فى حروف «الواو»، أعنى به عددَ وحجمَ الوثبات الجميلة والشاقّة التى قطعتها مصرُ فى سنوات قليلة؛ لتُبهجَ القلبَ الحزين. «الواو» حرفٌ عربى يُفيدُ العطفَ والإضافةَ والتراكم. وبالمصادفة هو نطقُ الكلمة الإنجليزية !WOW، التى نقولُها حين ننبهر. وأنا وجميع المُنصفين نعيشُ حالَ الانبهار بما يحدثُ على مدار اليوم والشهر والسنوات فى بلدنا العظيم مصر. «مصرُ»: اسمٌ هائلٌ مُخيفٌ ومُربك لحسابات الخصوم الحاقدين المحرومين من نعمة الفرح لمن يرتقى. لكنه اسمُ الأمن والرغد والحُبِّ لِمَن هو قادرٌ على الحُبِّ والفرح للناجحين. لم يحدثُ فى تاريخ العالم أن تفتتحَ دولةٌ ثلاثةَ متاحفَ فى يوم واحد، لاسيّما حين تكون المعروضاتُ فى تلك المتاحف من ثروات الدولة ذاتها، وليست ممتلكاتِ دول أخرى، مثلما تحتشدُ متاحفُ اللوڤر وبرلين ولندن بكنوز مصرية وصلت إليها بشكل أو بآخر. هكذا قال وزيرُ السياحة والآثار المثقف د. «خالد العنانى» فى افتتاح «متحف المركبات الملكية» فى حى بولاق العريق، يوم الأحد الماضى. هنا مال على كتفى الخالُ «عبدالرحمن الأبنودى» وهمست روحُه فى أذنى ببضع كلمات. فى أمسيةٍ جميلة فائقة العراقة تسبحُ فى أجواء الملكية الأسطورية، فى ساحة المتحف، كنّا نستمعُ إلى كلمة الوزير أمام حضور رفيع المستوى، وسفراءَ من تسعٍ وأربعين دولة أجنبية، جاءوا يشهدون متحفًا نوعيًّا فريدًا من كنوز مصرَ التى تُدوِّخُ الزمانَ وتُبهرُ العالم. متحفٌ يضمُّ مجموعة باذخة من ثروات مصر من العربات الملكية التى كانت تجرُّها الخيول لتحملَ ملوكَ مصرَ وملكاتِها وأميراتِها من أسرة «محمد على باشا» وذرّيته؛ للتنزّه فى الحدائق والتجوال على أرض المحروسة. كان الخديو إسماعيل، عاشقُ الفنون المثقفُ الذى أراد أن تتلوّنَ مصرُ بريشة أوروبا المزدانة بالفن والجمال والتحضّر آنذاك، أولَ من قرّر إنشاء بناية خاصة بالمركبات الخديوية والخيول الملكية، وأطلق عليه اسم «مصلحة الركائب الخديوية». ثم صار اسمه: «إدارة الاسطبلات الملكية» فى عهد الملك فؤاد الأول، ثم الملك فاروق، قبل أن يتحوّل إلى متحف تاريخى بعد ثورة ١٩٥٢. تعجزُ اللغةُ عن وصف معمار المتحف ومقتنياته الثرية من عربات هى قطعٌ فائقة من الفن الرفيع، والأوسمة والنياشين والبروشات والقلائد الذهبية التى كانت تُزيّنُ صدورَ ملوك مصر وملكاتها، عطفًا على مجموعة نادرة من كسوات الخيول الموشّاة بخيوط الذهب وسروج وكمامات ومقصّات شعر موسومة بالتيجان الملكية، وأزياء سائسى الخيول القائمين على سير العربات بعصواتهم المارشالية، وغيرها من النفائس التى لا تصفُها الكلماتُ. فلا بديل عن زيارة المتحف ومصافحة العيون؛ وشكرًا لأن التذاكر بسعر رمزى للغاية، للمصريين والعرب والطلاب.

إحدى فواكه الحفل كانت حضور المصرية الجميلة «غادة والى»، نائب الأمين العام للأمم المتحدة، التى هاتفت د. عنانى قائلة: «عندى زيارة قصيرة لمصر، عندك اكتشافات أثرية جديدة؟» فقال لها: «عندى افتتاح متحف عظيم». فجاءت لتشهدَ مع أبناء وطنها عظمة مصر وتاريخها الماضى، والمستقبلى بإذن الله. إحدى وثباتِ مصرَ الراهنة تجسّدتْ فى افتتاح ثلاثة متاحف فى يوم واحد فى «شرم الشيخ»، و«كفر الشيخ»، و«القاهرة». المتاحفُ ليست رفاهًا، بل هى من صُلب حضارة الدول التى تضربُ بجذورها فى عمق التاريخ. ويُقاسُ تحضُّرُ الدول بعدد وقيمة وفرادة ما تمتلك من متاحفَ لآثارها الخاصة التى صنعها سلفُها الصالح؛ لأنها تُشيرُ إلى موقعِها على دَرَج الحضارة. ومصرُ تقفُ على قمّة الدَرَج، لهذا نفخرُ بما لدينا من تراث نادر. وأما الشاعرُ العظيم «عبدالرحمن الأبنودى» فقد همسَ فى أذنى قائلا: اليومَ بوسعى أن أُعدّلَ قصيدتى وأقول: (وبلدنا ع الترعة بتغسل شعرها/ جانا نهار «وقدر» يدفع مهرها/ «طبعًا» بلدنا للنهار/ بتحبّ موّال النهار/ لما يعدّى فى الدروب ويغنى قدّام كل دار/ تحلم ببكرة واللى هيجيبه معاه/ تنده عليه فى الضلمة وبتسمع نداه/ تصحى له من قبل الأدان/ تروح تقابله فى الغيطان/ فى المتاجر فى المصانع فى المدارس والساحات/ طالعة صُحبة صفوف جنود/ طالعة له رجال أطفال بنات/ كل الدروب واخدة بلدنا للنهار/ واحنا بلدنا للنهار بتحبّ موال النهار...).

«الدينُ لله.. والوطنُ لمن يرتقى بالوطن».


twitter:@fatimaNaoot

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية