تعتبر الانتخابات الرئاسية الأمريكية حدثًا عالميًا غير عادي، ومن ثم ظل السؤال قائما منذ عقود حول الرئيس القادم، الذي يقود «البيت الأبيض»، وما له من تأثير مباشر على وضع الاقتصاد العالمي، وعالم السياسة المشوب بالاضطرابات في الدول الديمقراطية القريبة، كما له تأثيره على المجتمعات التي تبعد آلاف الأميال والتي تموج فيها الصراعات.
لا تعتبر انتخابات الولايات المتحدة شأنًا أمريكيًا خالصًا، فهناك كثير من القوى الدولية تنتظر نتائجها، فالبعض لا يرحب بعودة «ترامب» إلى السلطة في ولاية ثانية، نظرًا لما يرونه بـ«منهجه المدمر في الدبلوماسية، والذي ينطوى على تهديدات يبثه في تغريداته عبر تويتر، ومعاهداته الرثة، والتحالفات الأمريكية التقليدية القلقة»، بحسب وصف البعض.
وقالت صحيفة واشنطن بوست الأمريكية في تقرير تحليلي لها نشرته، الإثنين، إن «احتضان ترامب لسياسات اليمين المتطرف في الداخل وقيامه بشن حروب تجارية في الخارج جعل الكثيرين يتشككون في مستقبل النظام العالمي الليبرالي»، مشيرة إلى أن «الأعداء المزعومين خاصة الصين وروسيا يرون في انتخاب ترامب لفترة ثانية مزيدًا من تداعي تحالفات القرن العشرين وتعجيل محتمل لانحسار المكانة الأمريكية على المسرح العالمي».
وأوضحت الصحيفة الأمريكية أن «منافسه نائب الرئيس السابق، جو بايدن، وعد بنوع من»الترميم«للأوضاع، في حين أن معظم الحكومات لا تشعر بالقلق منه، فرئاسة بايدين قد تدعم تحركًا جماعيًا في وجه التحديات الدولية مثل التغير المناخي، ووباء كورونا، ولكنه لن يعيد الولايات المتحدة بشكل سحري إلى حقبة التفوق الأمريكي الذي لا يرقى إليه شك، والذي بدأ أنه يتضاءل عندما كان بايدن في منصبه»، مشيرة إلى أن «كثير من الأشخاص حول العالم يراقبون الانتخابات الأمريكية بدافع الفضول أو التأييد لصديق في مأزق، أكثر من قلقهم على مصير دولهم».
ورصد التقرير المنشور في الصحيفة الأمريكية ماذا تعني هذه الانتخابات لعدد من دول العالم الكبرى والمتقدمة في السطور التالية...
أوروبا
لا يؤيد الأوربيون ترامب، وفقًا لاستطلاعات الرأي التي أجريت مؤخرًا، حيث وضع كثير ممن شملتهم الاستطلاعات قليلًا من الأمل في قيامه بتحقيق الشئ المناسب فيما يتعلق بالشؤون الدولية مقارنة بالرئيس الصيني «شي»، وذلك وفقا لمركز «بيو» للأبحاث، بينما أكد مسح آخر لمؤسسة «يو جوف بول» أن الأغلبية عبر القارة أكدوا أنهم يفضلون فوز «بايدن».
ويعكس هذا على أحد المستويات شوق حقيقي لرئاسة بايدين بعد أربع سنوات من التقلبات «الترامبية»، ولكن على مستوى أكثر عمقًا، فإن نظرة أوروبا للولايات المتحدة تتغير أيضًا، فالاتجاهات الأوروبية نحو أمريكا تحولت من الحسد إلى الشفقة، حسبما كتب سيمون كوبر بالفاينانشال تايمز، مضيفا أن «هناك فرصة لأن تصبح مليارديرا في الدول الإسكندنافية أكثر مقارنة بالولايات المتحدة، مشيرًا إلى»اتساع فجوة التفاوت في المجتمع الأمريكي وذبول النظريات الرومانسية حول «الحلم الأمريكي».
الشرق الأوسط
فوز ترامب أو منافسه بايدين لا يهم كثيرًا المواطنين الذين يعيشون في مناطق الأزمات بالشرق الأوسط، فكل من إدارة ترامب والإدارة التي خدم فيها بايدن قبله شهدا الصراعات المعلقة في المنطقة، وكانا يتوقان إلى مخرج منها، ولكنهما لم يفلحا، فبدلًا من ذلك جرى تكثيف الحملات الجوية الأمريكية، وبقيت القوات الأمريكية منتشرة عبر كثير من الدول.
غير أن بايدن وترامب يمثلان مستقبلان مختلفان على نحو صارخ للنخب السياسية بالمنطقة، خاصة القيادة في إسرائيل وزمرة الممالك العربية النفطية، فقد شجعوا ترامب وهللوا له عندما واصل تقويض إنجاز سلفه الأكبر في المنطقة، حيث أوقف المشاركة الأمريكية في الاتفاق النووي الإيراني من خلال إعادة فرض العقوبات، وشن حملة «للحد الأقصى من الضغط» على النظام الحاكم في طهران.
كما اتبع ترامب منهجًا جديدًا في عملية السلام بين إسرائيل والفلسطينيين، وهو منهج يحابي شكل كامل مصالح اليمين الإسرائيلي، وعلى الرغم من أن هذه الجهود لاقت غضبًا عارمًا من الفلسطينيين، إلا أنها واجهت احتجاجا «صامتًا» من زعماء عرب في مكان آخر.
روسيا
كان حضور الشبح الروسي في السياسية الأمريكية، منذ نصف عقد يسكن الحياة السياسية الأمريكية، فـ«عمليات النفوذ» التي كانت تقوم بها موسكو لعبت دورًا مختلفًا عليه في فوز ترامب في انتخابات 2016، وبمجرد تولي ترامب السلطة انغمس في معارك قانونية بشأن تعاقدات حملته الانتخابية مع عملاء الكرملين، وهي اتهامات وصفها ترامب بـ«الكاذبة»، ولكنها شهدت اتهام زملائه السابقين جنائيًا.
«وما الذي جنته موسكو من جهودها في غرس بذور الفوضى في المشهد الداخلي الأمريكي».. يظل هذا سؤالًا مفتوحًا، فضلًا عن الأوضاع الداخلية في روسيا، والتي انتابها مزيد من الضعف في 2020 مقارنة بـ2016، حيث ترنح اقتصادها بسبب انهيار أسعار النفط، كما تصاعدت مشاعر الإحباط بين شعبها بسبب الرئيس فلاديمير بوتين، الذي حكمها أمدًا طويلًا، بحسب الصحيفة.
بينما تنخفض قيمة «الروبل الروسي»، بسبب مخاوف من التغيير في الإدارة الأمريكية، والتي قد تؤدي إلى مزيد من العقوبات أو حتى المزيد من التجميد في العلاقات الأمريكية الروسية.
الصين
هناك حرب باردة جديدة في الطريق في عهد ترامب على الأقل وفقًا للصقور في واشنطن، فمعظم سنوات ترامب الأربع في الحكم شهدت منحنى مرتفع من الرسوم الجمركية، وتغريدات تحمل تهديدات لبكين، وهو ما أدى إلى تفاقم الأخطاء الجيوسياسية ومهد المسرح لمنافسة من أجل مكانة «القوة العظمى» التي قد تحدد ملامح العقود القادمة، بحسب الصحيفة الأمريكية.
وفيما يتعلق بحزمة من القضايا الدولية، تعتبر الصين البلد «الشرير» المفضل لدى البيت الأبيض، حيث تتصف خططها التجارية بعدم النزاهة والازدواجية، كما يوصف طاقم حكومتها الغامض بأنه «مفرخة» الوباء «المشين»، أما شركات التكنولوجية فهي «حصان طروادة» إلى جانب قمعها للأقليات العرقية في شينجيانج، والمتظاهرين أنصار الديمقراطية في هونج كونج، وهو القمع الذي صار من شعارات عملاق القرن الحادي والعشرين المستبد.
بريطانيا
راهن رئيس الوزراء البريطاني، بوريس جونسون، بمستقبله المهني أمام الاتحاد الأوروبي، وكسب الرهان، وقد يبدو واضحًا معرفة المرشح الذي يميل إلى دعمه في الانتخابات الأمريكية، فترامب الذي دعم خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، يقارن طريقه إلى الفوز غير المتوقع في انتخابات 2016 بالموجة البريطانية التي ألقت ببوريس جونسون في 10 شارع دونينج ستريت (مقر الحكومة البريطانية).
أما بايدن، فهو ليس كذلك، فقد كان رئيسه القديم، الرئيس السابق باراك أوباما، ينتقد التصويت على «البريكست»، وردًا على ذلك كتب جونسون مقالا يزعم أن «كراهية أسلاف أوباما للبريطانيين كانت نتيجة لجزء من ميراثه الكيني، بينما قطع بايدين فترة طويلة من الصمت حول»البريكست«، الشهر الماضي، عندما قدم الدعم لأيرلندا واتفاق»الجمعة العظيمة«أو اتفاق»بلفاست«، والذي تم التوقيع عليه سنة 1998 بين بريطانيا وجمهورية إيرلندا وأحزاب إيرلندا الشمالية، ويدعو إلى تقاسم السلطة السياسية في إيرلندا الشمالية مع الأقلية الكاثوليكية، ولكن هذا لا يعني أن معظم أعضاء الحكومة البريطانية يرحبون بفوز ترامب، كما أن رئاسة بايدين قد لا تكون الخيار المناسب، بحسب الصحيفة الأمريكية.