بعدما فاز الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بمنصب الرئاسة في 2016 أخذ كبار الباحثين والجماهير يفكرون في محاولة لفهم الأمر برمته ولماذا حدث ما حدث، حيث حصل ترامب على عدد أكبر مما كان متوقعا من الأصوات الانتخابية، ولكن لماذا ؟
كان يقال، وعلي نتاج واسع، أن ذلك يرجع إلى القلق الاقتصادي، وفقدان الوظائف بسب التجارة بين الأمريكان البيض من أبناء الطبقة العاملة، من العوامل التي دفعت به إلى الفوز .
وقالت إخصائية الطب النفسي فينيتا ميهتا، في تحليلها لأسباب شعبية ترامب والذي نشره موقع سيكولوجي توداي اليوم، إن هذه الرواية الإعلامية ظلت سائدة طوال الأربع سنوات الماضية، مستدركة بأن هذه ليست القصة الكاملة .
وأضافت: البحث يوضح أن الرجال البيض ممن لا يتمتعون بدرجات جامعية يميلون إلى أن يكونوا أكثر أنصار ترامب تأييدا، صحيح أن بعض العمال عانوا من انتكاسات مالية، ويجب مساعدتهم، غير أن نظرة أعمق للبيانات تكشف عن صورة أكثر تعقيدا .
وتابعت: تبين أن أنصار ترامب لم يتأثروا في الحقيقة بالتجارة الخارجية أو الهجرة لدرجة أكبر مقارنة بغير المؤيدين له، ولم يعانوا من مصادر دخل منخفض وبطالة أكثر من الآخرين، وتذكر أن الأوضاع الاقتصادية بوجه عام شهدت تحسنا في 2016 .
وتساءلت: لماذا حشد ترامب أتباعا بعدد أكبر مما كان متوقعا، مستندة إلى الأسباب التي ساقها البروفسيور توماس بتجرؤ، الأستاذ بجامعة كاليفورنيا والتي نشرها في مجلة علم النفس الاجتماعي والسياسي، حيث حدد خمسة أسباب هي التي جعلت ترامب يتجاوز خط النهاية في انتخابات 2016، منبها إلى أن ترامب يتلمس هذه الظواهر النفسية في هذه الدورة الانتخابية، ولكن هل تساعده تلك العوامل في الفوز بانتخابات 2020؟ ربما حصلنا على الإجابة بعد أسبوعين بقليل من الآن .
وتتمثل الأسباب النفسية الخمسة في :
1- توجه السيطرة الاجتماعية
وهو صفة تعكس تفضيل الفرد لتنظيم الجماعات بشكل تراتبي ( يعتمد على التدرج من الأدنى إلى الأسفل )، والذي يتمتع فيه المسيطرون بالسلطة على مرؤوسيهم، وهو ما يعني أن من هم على قمة هذا النظام لا يؤمنون بالمساواة بين الجماعات، وهم أفراد يتميزون بصلابة الفكر، والغضب، والتعطش إلى السلطة، وتحركهم المصلحة الشخصية وتدليل الذات، فيما يعتبرونه عالما يأكل فيه الكلاب بعضهم البعض، كما أن هذا التوجه يظهر بسهولة من لغة ترامب المسيئة، مثلما شبه المهاجرين غير الموثقين بأنهم طبقة أرضية كاملة من مجتمعنا ووصفهم بـ الأشرار أو حتى الحيوانات، وكلها توصيفات تعكس نظرة ترامب بأن البيض هم على قمة المجتمع وأن الملونين في القاع .
2- الاستبداد
وهو منحى في الشخصية يتجذر في مرحلة مبكرة من العمر، ويتميز بنظرة لا تلين إلى التراتبية ( التدرج الطبقي ) في العالم، واحترام السلطة، والعدوان ضد الجماعات الخارجية، والنفور من الخبرات الجديدة، فالخوف والتهديد وانعدام اليقين عوامل تربي الاستبداد، فلغة ترامب الازدرائية التي يستعمل فيها كلمات مثل خاسرون وكوارث كاملة وسفاحون، من شأنها أن تجسد الروح الاستبدادية .
3- الفقر النسبي
في أعقاب انتخابات 2016، ذكرت تقارير على نطاق واسع أن أنصار ترامب كانوا يعانون من الفقر والبطالة إلى جانب ناخبي الطبقة العاملة من البيض ممن يفتقرون إلى شهادات جامعية، غير أن رواتبهم كانت تصل إلى نحو 82 ألف دولار سنويا أي أكبر قليلا من أولئك الذين صوتوا لصالح هيلاري كلنتون .
ومن ثم وحسب قول توماس بتجرؤ، فإن أنصار ترامب لم يكونوا فقراء، بل كانوا يشعرون بخيبة الأمل إزاء وضعهم الاقتصادي، فكانوا يعتقدون أنهم في هذه المرحلة من حياتهم كان عليهم أن يحققوا أكثر مما حققوا، وبالمقارنة مع الجماعات الأقل استحقاقا، وهو ما وصفه بتجرؤ بـ الفقر النسبي، والذي يجعلهم يشعرون بالقلق إزاء ارتفاع تكاليف السكن والدواء ومصروفات الجامعة وتناقص المدخرات والقلق بشأن مستقبل الأبناء، ومن ثم استغل ترامب مشاعر البيض بـ الفقر النسبي بدهاء، حيث جعل من وسائل الإعلام والمهاجرين والنخب عدوا مشتركا يجعلهم يلتفون حوله .
4- التحيز
يميل أنصار ترامب إلى المزيد من التحامل ضد المهاجرين ومن ينتمون إلى خلفيات عرقية مختلفة، والجماعات الخارجية بشكل كبير، فعلى سبيل المثال، دأب على وصف كوفيد -19 بـ الفيروس الصيني، كما أن عنصرية ترامب العلنية تنافى مع إيماءات الحزب الجمهوري (الصامتة ) الأكثر دهاء التي تقر الآراء المتعصبة، لكن ترامب يقول بصوت عال ومتباه في العلن، وهو ما جعل أنصاره يحتضنونه .
5- الاتصال بين الجماعات
يميل أنصار ترامب من البيض إلى الحد من الاتصال بشكل كبير مع الأقليات، مقارنة بغيرهم من الأمريكان، وهناك دليل كاسح يوضح أن هذا الموقف يدعم الانحياز ويكبح الخوف من تزايد التعاطف مع الأشخاص الذين يختلفون عنك .