x

د. ياسر عبد العزيز «السوشيال ميديا».. ديوان المظالم! د. ياسر عبد العزيز الأحد 20-09-2020 00:18


فى محاولة للسعى إلى إقرار العدالة وإنصاف المظلومين وتوفير حق الشكوى ضد المؤسسات النافذة والممارسات المُجحفة، تُرسى بعض الدول فى مناطق مختلفة من العالم أنظمة لتلقى الشكاوى والادعاءات وبحثها واتخاذ إجراءات بشأنها، اعترافًا منها بإمكانية أن يقع التقصير فى أداء سلطاتها التنفيذية والتشريعية والقضائية فى بعض الأحيان.

لا يمكن الحكم على مدى صدق نوايا معظم تلك الدول بخصوص سعيها لإقرار العدالة بطبيعة الحال، كما لا يمكن تصور أن تكون تلك الأنظمة كلها منصفة وقادرة على الفعل، خصوصًا إذا تقاطع عملها مع سلطات شرعية تستمد صلاحياتها من الدساتير والقوانين المستقرة، لكن الأكيد أن توفير آلية للشكوى والتحقيق، يمكن أن يحد بقدرٍ ملموس من حجم المظالم التى تقع فى كل عصر وفى كل مكان.

تتخذ تلك الأنظمة أشكالًا مختلفة، وتتنوع درجات صلاحياتها وأساليب عملها، وبينما يسميها البعض «ديوان المظالم» كما فى بعض الدول العربية، يطلق عليها البعض الآخر اسم «الأمبودسمان» (أمين المظالم)، خصوصًا فى الدول الإسكندنافية، فيما يسميها آخرون «حامى الحقوق» كما فى فرنسا.

عندما تصل الشكوى إلى أى من هذه الأنظمة، يبدأ التحقيق فيها عبر آليات قانونية، وفى معظم الأحيان تتمكن هذه الأنظمة من مخاطبة السلطات المنسوب إليها التقصير أو ارتكاب الخطأ، وفى بعض الأحيان سيجرى تصحيح الأوضاع وإنصاف المظلوم، وسيحدث هذا وفقًا لمدى وجاهة نظام المظالم وقدرته على العمل باستقلالية، ومدى احترام السلطات الدستورية لدوره وتقديرها لأهميته.

لدينا فى مصر تجربة غير مكتملة فى هذا الصدد؛ إذ لا يتوافر لها الأساس الدستورى والقانونى اللازم كما فى عديد الدول، لكنها على أى حال توفر قدرًا من الإمكانية لتلقى الشكاوى وبحثها وإخطار الجهات التنفيذية بها، والمتابعة والإلحاح لحلها؛ وهى آلية طورها المجلس القومى لحقوق الإنسان، الذى أنشأ مبكرًا مكتبًا متخصصًا لتلقى شكاوى المواطنين والمقيمين، وبحثها والعمل على حلها، وهو مكتب يتوسع عمله ويتطور بإطراد.

فى دولة مثل مصر، يفوق تعداد سكانها المائة مليون، وتتراكم فيها المشكلات الناجمة عن تضارب المصالح بين المواطنين بعضهم البعض من جانب وبين المواطنين والسلطات الدستورية من جانب آخر، يحتاج الأمر إلى تعزيز صيغة «الأمبودسمان» أو «حامى الحقوق» أو «ديوان المظالم»؛ وهو أمر قد يستلزم عملًا تشريعيًا، يبنى على تجربة المجلس القومى لحقوق الإنسان، ويمنحها فرص التطور عبر تعزيز صلاحياتها وآليات عملها.

ولأن استحقاقات السياسة وتسيير مصالح الناس ومعالجة انشغالاتهم لا تقبل الفراغ، فقد أفرزت الثورة الاتصالية والتكنولوجية الهائلة، التى أنتجت وضعًا فريدًا لوسائل التواصل الاجتماعى، «ديوان مظالم» مصريًا مكتمل الأركان، وقد بدا فى بعض الأحيان كامل الصلاحيات وبالغ التأثير والنفاذ.

إنها «السوشيال ميديا»، التى باتت مجالًا لبث الشكاوى، والتعبير عن المظلومية، وكشف الأخطاء، والمطالبة بالحقوق المفترضة، والضغط على السلطات لحملها على معالجة أوضاع معينة.

وبسبب اللجوء إلى «ديوان المظالم» المصرى، الذى اتخذ من «السوشيال ميديا» مقرًا له، تم اتخاذ قرارات، وإصدار تشريعات، وإزالة مظالم، وتعديل سياسات، ومكافأة مُجيدين، واقتياد متهمين مفترضين إلى النيابة.

فى بعض الحالات التى نجح فيها «ديوان مظالم السوشيال ميديا» المصرى تحققت العدالة بقدر ملموس، والأمثلة على ذلك كثيرة، لكن فى غضون ذلك ظهرت أنماط استخدام مسيئة، ومبالغات، واصطناع، وعمليات تزوير وابتزاز؛ وهو أمر يمكن فهمه فى إطار إدراكنا لطبيعة عمل تلك الوسائل التى تتسم بالحرية المطلقة أحيانًا، وقدرات التزييف الفائقة فى أحيان أخرى.

نحتاج إلى إرساء آلية ديوان المظالم أو حامى الحقوق على الأرض، لأن تركها لـ «السوشيال ميديا» وحدها يمكن أن يجلب عواقب وخيمة.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية