قبل 47 عاما، بالتحديد في ١١ سبتمبر ١٩٧٣، حاصر وزير الدفاع التشيلي الجنرال أوجستو بينوشيه، قصر الرئاسة بالدبابات، مطالباً الرئيس سلفادور الليندي بالاستسلام؛ قتل الليندي على أبواب القصر. وفي 23 من الشهر ذاته، سيموت «صديق الرئيس»، الشاعر الحائز على نوبل، بابلو نيرودا. عن تلك الأيام العصيبة في تاريخ البلد اللاتيني، ينسج الروائي أنطونيو سكارميتا، خيوط عمله الأكثر شهرة «ساعي بريد نيرودا»، المترجم إلى ثلاثين لغة.
الشاب «ماريو» يقرر أن يهجر مهنة الصيد، ليصبح ساعي بريد في بلدة ريفية لأنه يمتلك دراجة، فيما الوحيد الذي يتلقى رسائل بها هو الشاعر المقيم في أطرافها على البحر؛ نيرودا، وتنشأ بين الاثنين علاقة إنسانية خاصة، إذ يساعد الشاعر الكبير صديقه الشاب في التخلي عن خجله وأن يظفر بمحبوبته «بياتريث»، التي يتذكر بها الشاعر حبيبة «دانتي».
ساعي البريد عرف عن طريق صديقه الحب و«علمه استخدام لسانه في غير إلصاق طوابع البريد»، فيما تشيلي تعيش أوضاعا قلقة، وتقترب الأحداث في العاصمة من الانفجار.
يتعلم ماريو من نيرودا تفسير الظواهر المختلفة بشكل شاعري مرهف، يتساءل: «هل تعتقد أن العالم كله، بما في ذلك الرياح، البحار، الأشجار، الجبال، النار، الحيوانات، البيوت، الصحاري والأمطار، هل تعتقد حضرتك أن العالم كله هو استعارة لشيء آخر؟»
يرسم سكارميتا من خلال عمله قليل الصفحات، قصة غاية في الأصالة، صور مقتضبة ومكثفة لحقبة السبعينيات المؤثرة في تشيلي وأمريكا اللاتينية، ويعيد في الوقت ذاته بأسلوب شاعري حكاية حياة واحد من أهم وأشهر الشعراء في القرن العشرين.
يقول سكارميتا، في بداية روايته إن عمله الصحفي كان وراء إنجاز روايته التي تأخر في كتابتها كثيرا، ما يشعره بالخجل، ونقلها إلى العربية المترجم الفلسطيني الراحل صالح علماني، وصدرت عن دار ممدوح عدوان في دمشق.
في عام 1994، عرضت الرواية في شريط سينمائي من إخراج ميشيل رادفورد، ونال جائزة الأوسكار لأفضل فيلم أجنبي عام 1995 .
أنطونيو سكارميتا، المولود في 1940، يعد من أهم كتاب أمريكا اللاتينية، كتب «ساعي بريد نيرودا» إثناء إقامته في ألمانيا الغربية بمنحة من برنامج الفنون من الأكاديمية الألمانية للتبادل الأكاديمي، وصدرت بعنوان «صبر متأجج»، عام 1985، وبعد ذلك أعاد تسميتها إلى ساعي بريد نيرودا«، ومن أهم أعماله؛ «عرس الشاعر»، «فتاة الترومبون».
«نيرودا»، أحد أفضل الشعراء في القرن العشرين، حسب الروائي الكولومبي الأشهر، جابرييل جارسيا ماركيز، وقد نال شهرته العالمية عقب نشر ديوانه «عشرون قصيدة حب وأغنية يائسة»، واستحق جائزة نوبل للآداب عام 1971، قبل عامين من وفاته في 23 سبتمبر 1973.