كلما استرجعت ما حدث فى يناير 2011، وما بعدها مباشرة، ورد إلى خاطرى أربعة مشاهد لا أنساها حتى الآن، وأعتقد أن غيرى ما زال يتذكرها أيضاً، ولكننى أتمعن كثيراً فى مغزاها، وأجدها صادمة، ولها دلالات لا تخطئها العين.
المشهد الأول كان يتمثل فى تتابع وصول شخصيات مصرية مقيمة فى الخارج إلى مطار القاهرة فى توقيت متزامن خلال الأيام الأولى للثورة وعلى رأسهم البرادعى وحمزاوى وأبوالفتوح وغيرهم، وأتساءل فى مغزى رجوعهم وتوقيته، وعلاقتهم كلهم بما حدث وهل كانوا كلهم على تواصل مع بعضهم البعض، أم مع جهة أخرى تربطهم كلهم وتنسق بينهم، وكان نزولهم المتزامن بتعليمات من هذه الجهة المجهولة.
المشهد الثانى كان فى فبراير 2011، ويتمثل فى حضور القرضاوى المفاجئ إلى القاهرة، قادماً من قطر، واستقباله بحفاوة ووصوله إلى ميدان التحرير، وإلقائه خطبة الجمعة ومغادرته بعدها مباشرة بعدما مكث ساعات، من الذى نظم هذا اللقاء؟، ومن الذى وفر له الطيارة؟، ومن أعطى الإذن لطيارته بالهبوط؟، ومن أوصله إلى ميدان التحرير؟، ومن أعد له المنصة والميكروفونات؟، ومن نقله بعد ذلك إلى المطار؟ ومن الذى سمح له بمغادرة البلاد بعدما أهاج الناس وشجعهم على الفوضى؟.
المشهد الثالث كان يتمثل فى زيارة أردوغان إلى مصر فى 12 سبتمبر 2011، وكان رئيساً لوزراء تركيا وقتها (وتولى رئاسة الجمهورية فيما بعد) وهناك أسئلة عديدة حول كيفية وصوله هو وأطقم وحراسته إلى مقر مجلس الوزراء لمقابلة عصام شرف، وكيف حضر هؤلاء الحراس قبل وصوله وكيف تم السماح لهم بالسيطره على المكان، وكيف تعاملوا مع الأمن المصرى بهذه الغلظة فى تقديم تأمينهم الخاص لرئيس وزرائهم، وكيف قبل المسؤولون المصريون هذه التجاوزات، وهل ممكن تصور أن يحدث ذلك الآن مع أى رئيس وزراء أو رئيس جمهورية إذا زار مصر؟، من الذى سمح بالتجاوز فى حق الأمن المصرى بهذا الشكل المخيف؟.
أما المشهد الرابع والأخير فكان فى الأزهر الشريف، فقد حدث فى 24 فبراير 2012، وبعد انتهاء صلاة الجمعة مباشرة، أن دخل إسماعيل هنية، رئيس حكومة حركة حماس فى غزة، إلى المسجد الأزهر وسط طاقم حراسة كبير وتخطوا الصفوف وأزاحوا المصلين من الطريق، وتوجه مباشرة إلى المنبر وسط هياج كبير وتهليل غير مفهوم، وألقى خطبة عصماء، ثم هبط من فوق المنبر واختفى وسط حراسه وأنصاره، وتصادف أن كان الدكتور عبدالقوى خليفة، محافظ القاهرة وقتها موجوداً فى المسجد، وفوجئ تماماً بما حدث، واستفسر وعرف من اللواء محسن مراد، مدير أمن القاهرة، أن تحرك هنية من مقر إقامته أثناء زيارته للقاهرة قد تم بصورة مفاجئة، وأنه لم يكن لدى جهات الأمن معرفة عما ينتويه، وتنفسوا الصعداء بعدما عاد إلى مقر الإقامة مرة أخرى، والسؤال المتكرر هو، من أدخل هنية مصر؟، ومن سمح له بالتحرك إلى الأزهر؟، ومن سمح له باعتلاء المنبر وإلقاء خطبته؟.
يربط المشاهد الأربعة خيط وسؤال واحد، لماذا كانت البلاد مستباحة بهذا الشكل، ومن الذى سمح بما حدث فى المشاهد الأربعة، وهل لو استمرت حالة السيولة التى اشتهرت بها هذه المرحلة، كنا سنرى أحداثاً أخرى على هذه الشاكلة؟!.
تخيلوا هذه المشاهد وتأملوا فيها، هل يتصور أن يحدث أى منها الآن، ألم تكن هذه المشاهد دليلا على استهانة كل هؤلاء بنا، وتطلعهم إلى تقديم إهانات أكثر؟، ألم يتطلعوا إلى استمرار الأوضاع التى تمكنهم من ذلك؟ أليس فى الوضع الحالى وسيطرة الدولة على كل أمورها، ما يغضب هذه القوى التى اتحدت وتآمرت على البلاد وأرادتها مستباحة كما فى المشاهد الأربعة؟.