شهد الأسبوع الماضى حدثين لافتين على صعيد الانتخابات الأمريكية. فبينما دافع ترامب عن شاب ينتمى لإحدى جماعات الميليشيا المسلحة، فإنه روى واقعة غامضة رفض أن يفصح عن أى معلومات بخصوصها.
فبعدما تسبب رجال الشرطة البيض، بمدينة كينوشا، فى عاهة مستديمة لشاب أسود أطلق أحدهم عليه الرصاص، واندلعت الاحتجاجات على الواقعة، هبط على المدينة أعداد ضخمة من السيارات تحمل أعلاما مؤيدة لترامب، ومعها رجال بيض مسلحون من قوى اليمين المتطرف، ذهبوا للاشتباك مع المحتجين الداعين للمساواة العرقية. وقد حدثت الاشتباكات بالفعل، وقام خلالها شاب أبيض مسلح، ينتمى لإحدى المنظمات المتطرفة، بقتل شخصين. وقد احتفت مواقع اليمين المتطرف بالشاب وحولته لبطل وراحت تجمع الأموال من أجل تمويل الدفاع عنه أمام المحاكم. وبينما صدر عن حملة ترامب الانتخابية بيان مقتضب ينفى أى علاقة للشاب «بحملتنا الانتخابية»، فإن الرئيس نفسه رفض إدانة الشاب، بل وصفه فى مؤتمر صحفى بأنه كان فى حالة دفاع عن النفس. وبينما كانت التحقيقات مع الشاب قد انتهت وتم توجيه الاتهام له رسميا بارتكاب جريمتى القتل، قال ترامب فى ذلك المؤتمر الصحفى إن «التحقيقات لا تزال جارية. ولكنى أعتقد أنه كان يواجه مشكلة كبيرة وربما كان قد قتل» (لولا أن قتل الشخصين). والحقيقة أن الكاميرات التى سجلت الواقعة كانت توضح العكس تماما، إذ إن الشاب أطلق النار وقتل الشخصين أولا ثم هاجمه المحتجون وليس العكس.
وما هى إلا أيام قليلة حتى قال ترامب لفوكس نيوز فى تعليقه على الاحتجاجات التى تعم البلاد، إن «شخصا ركب طائرة من إحدى المدن فكانت ملأى بمجرمين يرتدون ملابس سوداء». وحين طلب الصحفيون لاحقا من ترامب أن يعطيهم تفاصيل أكثر عن تلك القصة، قال إن عليه أن يستأذن الشخص الذى رواها قبل أن يحيلهم إليه.
.. مضيفا أن المذكور «كان على متن طائرة وقال إنه كان هناك حوالى ستة أشخاص مثله. لكن ما حدث هو أن كل الطائرة كانت مليئة بالنهابين والفوضويين ومثيرى الشغب، أناس من الواضح أنهم يبحثون عن خلق المشكلات. وشعر ذلك الشخص بعدم الارتياح». اللافت فى الأمر هو أنه ليس من الواضح كيف عرف ذلك الشخص أو الرئيس أن من كانوا على متن الطائرة «نهابين وفوضويين ومثيرى شغب». لكن الأهم هو أن تلك الفكرة ذاتها كان اليمين المتطرف يروج لها على فيسبوك منذ ثلاثة أشهر، على الأقل، زاعمين أن وقائعها تحدث بإحدى مقاطعات ولاية أيداهو، مما اضطر شرطة المقاطعة إلى أن تنفى رسميا وجود تلك الطائرة من الأساس.
والحقيقة أن الواقعتين لا تمثلان سوى حلقة من حلقات سلسلة طويلة من المواقف التى يتخذها ترامب، وتتوجه برسائل معدة بعناية لقوى أقصى اليمين والتى شكلت قبل حملة ترامب 2016، تيارا هامشيا يقع على تخوم الحزب الجمهورى، ومدانا من رموز الحزب وقياداته. أما الدافع من وراء تلك الرسائل، فهو إدراك ترامب أن الانتخابات الرئاسية عادة لا يحسمها فقط حجم القوى التى تدعم مرشحا بعينه وإنما درجة حماس تلك القوى فى دعمه، أى ما إذا كانت على استعداد لبذل الوقت والجهد التطوعى لدعم حملته، ثم تحشد نفسها يوم الاقتراع العام للتصويت بكثافة له. وترامب يعرف تماما جيدا أن هذه القوى هو الأكثر حماسا له.