x

محمد إبراهيم بسيوني الشخصية المصرية محمد إبراهيم بسيوني السبت 05-09-2020 01:33


فى كتابه «الأعمدة السبعة للشخصية المصرية» يوضح الدكتور ميلاد حنا (٢٤ يونيو ١٩٢٤ - ٢٦ نوفمبر ٢٠١٢)، وهو كاتب ومفكر سياسى وأستاذ الهندسة الإنشائية، والذى يعد واحدا من أبرز الكتاب والمفكرين المصريين- مدى تأثر المصرى بالزمان والمكان، فعبر الزمان تراكمت لديه رقائق حضارات أربع متصلة وشفافة، فالمصرى متأثر تاريخيًا بالحقبتين الفرعونية ثم اليونانية- الرومانية، وهو يتفاعل حتى الآن بالحضارتين العلويتين؛ نعنى الحقبة «المسيحية القبطية»؛ أى المصرية، ثم رقائق مرحلة «الإسلام المصرى». وهذه هى الأعمدة الأربعة التاريخية.

ويتأثر المصرى كذلك بالمكان، فمصر «قلب الأمة العربية»، ويتكلم العربية منذ ألف عام ثم هو مطل على البحر المتوسط فتفاعل مع حضاراته عبر التاريخ والجغرافيا. وأخيرًا مصر جزء أساسى من إفريقيا وهو انتماء هام يخص أيضًا مستقبل مصر، وهذه هى الأعمدة الثلاثة جغرافيًا. والكتاب يشرح هذه الأعمدة السبعة التى تكون فى مجموعها «الشخصية المصرية».. وهذا هو سر تفردها «التنوع».

ويذكر الكاتب فى مقدمة الكتاب أنه من كثرة ترديده للمعانى الواردة فى الكتاب توهم أصدقاؤه أنه يعبر بالأعمدة السبعة عن نفسه أو ذاته، وحفزته هذه العبارة للتحليل والتأمل، فإذا به يسبح داخل نفسه، ليجد نفسه مثل كل المصريين، متأثرا بالحقبتين التاريخيتين اللتين غاصتا واختفتا ولم يعد ظاهرا منهما إلا الآثار والبرديات، أى الحقبة الفرعونية والتى يعود تسجيلها المكتوب والمدون إلى حكم الملك مينا، نحو عام ٣١٠٠ سنة قبل الميلاد، واستمر لعام ٣٢٢ ق.م، أى قبل غزو الإسكندر الأكبر لمصر. فبدأت الحقبة اليونانية رسميًا وإن كانت قد بدأت قبل ذلك بقرون ثقافيًا وتجاريًا، ثم تداخلت معها الحقبة الرومانية والتى بدأت رسميا عام ٣١ ق.م عقب موقعة أكتيوم عندما انتصر أوكتافيوس على أنطونيو، لذلك امتزجتا بحيث يطلق على هذه الحقبة التوصيف المشترك؛ أى الحقبة اليونانية-الرومانية.

ويستعرض الكاتب الرقيقتين الحضاريتين الأُخريين أو العلويتين، ويعنى بالرقيقتين القبطية والإسلامية، فهما من الرقائق الحية المعاصرة، واللتان قاومتا الزمن وظلتا تحملان البشر على أجنحتهما ويحملهما البشر فى صدورهم. وبحكم الميلاد والنشأة استطاع أن يهضم التراث القبطى دينًا وحضارةً وفنًا وقيمًا، ثم فى سنوات النضج ثم مع انتشار الإسلام وإحياء تراثه منذ ربع قرن أو ما يزيد تعرف على الإسلام دينًا واجتهادًا وربما فقهًا ونصوصًا من خلال القراءة والحوار والمناقشة وأخيرًا المعايشة، وأنه استطاع أن يدرك أصوله وخصائص نهجه الحضارى.

ويذكر عن الأعمدة الثلاثة الأخرى للشخصية المصرية والتى تكونت بحكم الموقع أنها متواجدة فى أعماق كل منا، فقد تفاعل وعاش الحقبة الناصرية بأكملها وتصادق على بعض قيادات فكر «القومية العربية»، ولم يجد تعارضًا بين «الانتماء العربى لمصر» وبين جذورها الفرعونية خلافًا لرأى كثيرين لعل أشهرهم وآخرهم الدكتور لويس عوض. ويضيف الكاتب أن إقامته بمدينة الإسكندرية فى سنوات شبابه الأولى، قد أكدت إحساسه بأهمية انتماء مصر، جغرافيًا وتاريخيًا، إلى مجموعة حضارات حوض البحر الأبيض المتوسط، وهذا هو العامود السادس، ولأن بشرته سمراء ولأنه تصادق مع سودانيين منذ أوائل الخمسينات أيام دراسته بإنجلترا فإنه تحمس للعامود السابع والأخير وهو انتماء مصر إلى إفريقيا. ولذلك، فإنه رغم وجود هذه التركيبة، فى كل منا، فإنها انتماءات أو أعمدة ليست متساوية فى الطول والمتانة، وأن اهتمام وتقدير كل منا لهذه الأعمدة داخل نفسه أو فى وجدان الشعب المصرى كله يختلف من إنسان لآخر حسب التركيبة الإنسانية والذاتية. بل لعلها تختلف فى الفرد والإنسان الواحد مع الزمن، ومن حقبة لأخرى.

ففى فترة الشباب يكون الحماس للوطن أو الدين أو القومية العربية وحدها دون غيرها، ومن ثم يكون الإنسان أحادى الانتماء فلديه الأشياء إما بيضاء أو سوداء، ومع تقدم السن والخبرة فى الحياة وتراكم الشعر الأبيض تنمو انتماءات أخرى، ويرى الإنسان كثيرًا من الأمور رمادية، وبدرجات متدرجة بين الأبيض والأسود.

على أن الأمر لا يقتصر على هذه الانتماءات السبعة أو غيرها لشخصية المواطن المصرى؛ لأننا فى النهاية لسنا قوالب أو أنماطا متكررة رغم هذه القاعدة والأرضية المشتركة لأمزجة من ينتمون إلى وطن واحد. فلكل منا ذاتيته وخصوصيته وتفرده، وهذا ما يوضحه الكاتب فى الفصل الأخير من الكتاب.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية