x

محمد كمال دعهم يأكلون «تغريدات» محمد كمال الإثنين 31-08-2020 00:54


لا تزال ظاهرة دونالد ترامب واستمرار شعبيته بين العديد من القطاعات تحير الباحثين وعلماء السياسة، وربما تكون أكثر الظواهر حيرة هى أن ترامب يحظى بتأييد ملموس بين ما يطلق عليهم أصحاب «الياقات الزرقاء»، أو الطبقات العاملة والفقيرة، علما بأن الحزب الجمهورى الذى ينتمى إليه هو الحزب الذى يمثل الأثرياء ويدافع عن مصالح قطاع الاعمال، وترامب نفسه هو أحد هؤلاء الأثرياء وأحد رجال الأعمال البارزين بالولايات المتحدة، وبالتالى ما الذى يجعل الطبقات العاملة والفقراء يصوتون على عكس مصالحهم؟

الإجابة عن هذا السؤال هى محور كتاب صدر حديثا بالولايات المتحدة وعنوانه «دعهم يأكلون تغريدات (تويتات): كيف يحكم اليمين فى عصر عدم المساواة الشديد» وقام بتأليفه جاكوب هاكر وبول بيرسون، وهما استاذان للعلوم السياسية، الأول بجامعة ييل، والثانى بجامعة كاليفورنيا.

عنوان الكتاب مقتبس من العبارة الشهيرة المنسوبه لمارى انطوانيت أثناء إحدى المجاعات التى حدثت فى فرنسا فى عهد زوجها لويس السادس عشر، عندما علمت أن الفلاحين ليس لديهم خبز فقالت «دعهم يأكلون الكحك».

ويعالج الكتاب قضية كيف استطاعت الأحزاب اليمينية الحفاظ على ولائها ودعمها للأثرياء ورجال الأعمال وفى نفس الوقت قامت بالسعى لكسب أصوات الطبقات العاملة والفقراء. والإجابة المباشرة هى أنها قامت بحشد الناخبين من الطبقات التى لا تستفيد من السياسات الاقتصادية الموجهة لمصلحة الأغنياء من خلال خلق حالة من الغضب لديها، حول قضايا غير اقتصادية، بعضها له أبعاد عنصرية، وأخرى لها علاقة بالهوية أو الدين، وتقوم بتأجيج حالة الغضب من خلال شعارات وتصريحات، ولكن دون تبنى سياسات ملموسة تحسن من أوضاعها الاقتصادية، لأن ذلك قد يتعارض مع مصالح الطبقات الثرية التى تسعى الأحزاب اليمينية للحفاظ عليها.

يمثل الحزب الجمهورى فى الولايات المتحدة ودونالد ترامب نموذجا لذلك. ووفقا للكتاب، أصبح القادة الجمهوريون يركزون على التخفيضات الضريبية للشركات والأثرياء، بغض النظر عن التأثيرات على عدم المساواة فى الولايات المتحدة، وحاولوا تجريد ملايين الأمريكيين من التأمين الصحى، وقاموا بتعيين القضاة الأكثر تأييدًا للأعمال التجارية ومعاداة العمال والمستهلكين.

ولكن الأمر المثير للدهشة هو أن قاعدة التصويت لهذا الحزب أصبحت تتكون بشكل متزايد من الناخبين البيض الأقل ثراءً الذين يعيشون فى مناطق من البلاد دمرتها هذه السياسات بالذات، وهم الناخبون الذين يفضلون المزيد من الإنفاق على البنية التحتية والتأمين الصحى الذى تقدمه الدولة، بدلاً من المزيد من التخفيضات الضريبية للشركات والأثرياء وخصخصة الضمان الاجتماعى.

أما كيف فعل ترامب والحزب الجمهورى ذلك، فكان عن طريق تأجيج المشاعر العنصرية والعرقية، والتركيز على التهديدات التى تتعرض لها الهوية البيضاء، بالإضافة للقضايا الثقافية والقيمية المرتبطة بالدين مثل حظر الإجهاض أو الصلوات فى المدارس، أو الحقوق الفردية مثل حق حمل السلاح، وتشجيع التطرف المناهض للمؤسسات الحكومية، حيث ركز الحزب الجمهورى على الانقسام والإلهاء بالقضايا السابقة بدلا من الاستجابة الحقيقية لاحتياجات الأمريكيين العاديين، وأحد نماذج ذلك هو التغريدات (التويتات) التى يكتبها دونالد ترامب على حسابه على تويتر.

باختصار، ما يمكن استخلاصه من الكتاب هو أن الدين، لم يعد وحده، وكما قال ماركس، هو أفيون الشعوب، بل انضم إليه القضايا المتعلقة بالعنصرية والهوية، والجديد أنها لا تستخدم فى تخدير الناخبين، بل فى تعبئتهم وتحفيزهم للتصويت.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية