x

جمال أبو الحسن كيف نقضي على فكرة فيروسية؟ جمال أبو الحسن الإثنين 31-08-2020 00:52


ليس المقصود هنا هو فيروس كورونا. ينصبُ الكلام على فيروس أشد خطورة هو «الإسلام السياسى» أو الإسلاموية. المعنى ليس مجازياً. الإسلام السياسى يحمل كل صفات الفيروس من حيث الخطورة الشديدة على السكان. هو أيضاً سريع العدوى، وله القدرة على التفشى عبر شبكات المجتمع. القضاء عليه يتطلب استراتيجية متواصلة وذكية. اليوم، ولأسباب كثيرة، تلوح فرصة نادرة لإضعافه إضعافاً شديداً. القبض على القائم بأعمال المُرشد العام للإخوان المسلمين «محمود عزت»- قبل أيام- يعطى إشارة إيجابية فى هذا الاتجاه، خاصة لجهة ضرب الكيان التنظيمى لهذه الجماعة ضربةً قاتلة. غير أن الطريق لايزال طويلاً.

الفيروسات، فى علم الأحياء، ليست كائنات حية. هى غير قادرة على القيام بعملية التمثيل الغذائى، ولا تستطيع القيام بالمهمة الأساسية للكائنات الحية وهى التكاثر. الفيروس ليس سوى «شفرة من الحمض النووى» مغلفة بالبروتينات، ولها هدف أوحد هو أن تصنع نسخاً أخرى من ذاتها. سبيلها الوحيد إلى ذلك هو السيطرة على خلية حية بالتسلل إليها، ثم خداع الخلية بإقناعها ببناء نسخ جديدة من الفيروس. لذلك، فإن الفيروس من دون خلية يسكنها يُمكن أن يظل كامناً لقرون فى صورةٍ بلورية بين الحياة والموت.

الأفكار مثل الفيروسات، لها هدفٌ وحيد هو التكاثر. هى تفعل ذلك عبر التسلل إلى الأدمغة. ليس للفكرة حياة خارج الأدمغة. إذا حدث وتمكنت الفكرة الفيروسية من دماغ شخص، فإنها قادرة على إقناعه بمساعدتها فى التكاثر، بنقلها إلى دماغٍ آخر. هكذا تنتشر الأفكار. كل الأفكار، وأى أفكار. من دماغٍ إلى دماغ. ومثلما يحدث فى حالة الوباء، تنتشر الأفكار الخبيثة فى المجتمع بصورة وبائية. تنفجر فى الشبكات التى تربط المجتمع بالعدوى بين أفراده. وكما أن هناك فيروسات شديدة العدوى، فإن هناك أفكاراً معدية أكثر من غيرها.

والحال أن انتشار العدوى فى المجتمع (سواء بالفيروسات أو الأفكار الفيروسية) يتوقف على عاملين رئيسيين: الأول هو مدى قوة الفكرة نفسها، ومدى قابليتها للانتقال بالعدوى. والحقيقة أن الفكرة الإِسلاموية تدخل فى الفئة شديدة العدوى. وبعكس فيروس كورونا الذى يستهدف كبار السن أكثر من غيرهم، فإن الفئات الأكثر عُرضة فى حالة فيروس الإسلاموية هم الشباب. الفيروس يصيب الشباب الباحث عن معنى لحياته وعن دور يقوم به فى المجتمع، والذى يصطدم بواقع مجتمعى لا يُلبى هذه الحاجات. وستظل الفكرة الإسلاموية- فى حد ذاتها- جاذبة بشدة. هى تُخاطب ميلاً فطرياً لدى المرء لكى يكون له دورٌ فاعل فى مجتمعه. وإذا لم تكن هناك قنوات أخرى تسمح للشاب بأن يُمارس هذا الدور بشكل بنّاء، فإن الإسلاموية ستظل بديلاً بسيطاً وجذاباً وقابلاً للانتشار عبر العدوى، حتى لو كمن لسنوات (مثل الفيروسات التى لا تجد عائلاً تُسيطر على خلاياه).

أما العامل الثانى فيتعلق بمناعة المجتمع الذى تنتقل خلاله العدوى. لو أن هناك فيروساً شديد الانتشار ضرب مجتمعاً لدى أفراده (أو حتى عدد كافٍ من أفراده) مناعة ضد هذا الفيروس، فإن احتمال انتشاره يكون ضعيفاً. هذا هو الجانب الذى يُمكن- بل ويتحتم- التفكير فيه، والعمل عليه. اللقاح- كما نلمس من تجربتنا الحية مع كورونا- هو الوسيلة الفعّالة الأكيدة لمواجهة أى فيروس. من الصعب استعادة الحياة الطبيعية فى المجتمع من دون لقاح فعّال. التباعد الاجتماعى قد يُقلل العدوى، ولكنه لا يقضى على الفيروس. بالمثل، فإن عزل الإسلاميين بعض الوقت عن المجتمع (بالملاحقة الأمنية والتضييق على النشاط) قد يُقلل من فرص إصابة السكان بفيروس الإسلاموية، ولكنه لا يقضى على هذا الفيروس قضاءً مبرماً.

اللقاح الوحيد الممكن مع فيروس الإسلاموية هو أن يكون لدى المرء فكرة أخرى فى دماغه تُساعده على مواجهة غزو فيروس الإسلاموية إذا تسلل إليها. وجود فكرة أخرى مقاوِمة للفيروس هو ما يمنع التعرض للمرض. هذه الفكرة المقاوِمة لا يُمكن أن تكون شيئاً سوى الوطنية المصرية. ذلك أن الإسلاموية هى فى الأساس فكرة «عاطفية»، وتُلبى حاجاتٍ عاطفية، بالذات لدى الشاب. هى تستند إلى مناط العاطفة الأقوى لدى أى شخص: الدين. وتقوم الإسلاموية على استغلال هذه العاطفة الدينية القوية، لتُنتج نسخة مُرعبة من التفسير الدينى المُشوه والمتطرف (تماماً كما تقوم الفيروسات بعملية التحور!). ثم تقوم بنشر هذه النسخة المتحورة شديدة الفتك بشكل وبائى فى المجتمع. وبدهى أنك لا تستطيع مواجهة فكرة عاطفية بأخرى عقلانية.

الوطنية أو القومية تُناجى العاطفة أيضاً، وإن كان لها أساس عقلانى بالطبع. وفى تاريخ بلادنا الحديث يُمكن بسهولة رصد علاقة عكسية بين الفكرتين: الإسلاموية والوطنية المصرية. كلما ضعفت الوطنية، نشطت الإسلاموية. والعكس بالعكس. مطلوب إحياء حقيقى لفكرة الوطنية بمعناها العميق والشامل. مطلوب إعادة إنتاجها، بتخليصها من الزوائد الشعاراتية الزاعقة، وتقديمها بصورة قادرة على مناجاة وجدان إنسان وعقله فى آن معاً. مهمة صعبة، وأصعب مما تبدو عليه فى الظاهر. الأمر أبعد من مجرد الترويج لأغان حماسية أو مسلسلات بطولية. إنه مشروع شامل لابد أن تنخرط فيه عقول قادرة ومتجردة. هذا- فى نظر كاتب السطور- هو الحل الوحيد لتوفير مناعة حقيقية من فيروس الإسلام السياسى.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية