x

اخبار الأب رفيق جريش يكتب: نريد «عالمًا مختلفًا» اخبار الجمعة 28-08-2020 01:15


خيرٌ ما تفعله الحكومة المصرية بأن توقع اتفاقيات مع شركات أدوية لدول صديقة متعددة أعلنت عن اكتشافها لقاحًا خاصًا بكورونا، وذلك لصالح الشعب المصرى، فقد أصبح الجميع متلهفًا لهذا اللقاح، لأن توفيره سيحل مشاكل كثيرة جدًا، منها تدوير عجلة الاقتصاد، حيث يستطيع مَن يعمل أن يكون مطمئنًا على صحته وعلى عدم إصابته بهذا المرض اللعين الذي أوقف الحياة في العالم ستة أشهر وأدى إلى خراب بيوت كثيرة، خاصة الذين يعملون باليومية أو دخل بسيط، وهم كُثر في بلادنا.. وعلينا أن نعمل جميعًا، دولة ومؤسسات وجمعيات وأصحاب الأعمال وغيرهم، على رفع مستوى هؤلاء البسطاء.

كم سيكون محزنًا لو على سبيل المثال سيتم توزيع لقاح فيروس كورونا على الأغنياء ويستثنى منه الفقراء أو من هم بأمسّ الحاجة إليه، فدور الدولة هنا مهم لتحقيق العدالة الاجتماعية والصحية، خاصة لغير القادرين.

فقد أصبحنا حساسين لفيروس خطير يؤثر في عالمنا الظلم الاجتماعى وانعدام تكافؤ الفرص وتهميش الفقراء وهم بأمس الحاجة. والمحبة منا أن نصغى إلى أصواتهم بعيدًا عن المساعدة الاجتماعية، وأن نعمل على التغلب على كل ما يعوق تقدمهم المادى والصحى والاجتماعى.

إن رغبتنا القوية في العودة إلى الحياة الطبيعية يجب ألا تكون عودة إلى التفاوت الاجتماعى أو تأجيل الإصلاحات التي طال انتظارها، فاليوم نملك فرصة إنشـاء «شىء مختلف»، واقتصاد سليم أخلاقيًا، متمحور حول الإنسان، بالأخص الفقير، تقديرًا لكرامته البشرية. فالإنسان أمن قومى، لم يعد الأمن القومى التنبؤ بالقدرات العسكرية، والجاهزية لحرب متطورة الأسلحة تحفظ للدول حدودها السياسية.. قد يكون من الضرورى الآن أن يعيد الإنسان حساباته وترتيب أولوياته.. قد يكون من الضرورى تطوير تقنيات جديدة لها القدرة على تحرى الأوضاع الصحية على الكرة الأرضية وتحديد التهديدات البيولوجية التي يتعرض لها البشر.

يواجه العالم فيروس كورونا، وأحدث كل تلك الخسائر التي إن وضعنا الإنسان في المقام الأول منها لكان إصابة مليون من البشر خسارة فادحة للحياة حتى الآن، فهل يؤدى ذلك إلى توحد المشاعر والاتجاه إلى التعاون بين البشر في تبادل المعلومات والخبرات العلمية التي قد ينتج عنها تعاون دولى إنسانى لإنتاج الأمصال واللقاحات لمواجهة نذر الخطر القادم دائما؟. هل يدرك الجميع الآن أن مفهوم تعبير الأمن القومى قد تغير، وأنه لم يعد هناك «أمن قومى» للدول إنما هو «أمن قومى» للإنسان في العالم، وأن على السياسيين أن يغادروا أماكن الصدارة ليجلس في أماكنهم رجال العلم والاقتصاد والأخلاق؟. أمن الإنسان القومى الآن في تأميم صناعة الدواء والمصل واللقاح لصالح الإنسان، بلا تمييز بين لون أو جنس أو قومية أو دين. أمن الإنسان القومى اليوم في عقد اتفاق صلح بين الإنسان والطبيعة ملزم للإنسان بألا يعاود اعتداءه المستمر على البيئة في السر والعلن.

إن فترة ما بعد وباء كوفيد- 19 المعروف بكورونا هي مناسبة لبناء شىء مختلف، وهو «شفاء العالم». هذا الوباء أزمة، فإما أن نخرج منه بأفضل الدروس أو بأسوأ التصرفات.. إنه الوقت المناسب للعمل لأجل عالم صحى وأكثر رخاءً.

إن تفشى الوباء كشف- للأسف- عن وضع الفقراء، وعن التفاوت والتمييز بين الناس، ليس في بلادنا فحسب، بل في كثير من دول العالم. والجواب على الأزمة الصحية مزدوج الحركة: الأول هو إيجاد العلاج لهذا الفيروس، والثانى تطبيب فيروس الظلم الاجتماعى وعدم المساواة بين الفرص، إضافة لفيروس التهميش وقلة الحماية. وفى هذا الشفاء المزدوج يكمن الخيار الأفضل للفقراء. فهذه المحبة هي رسالة كل إنسان تجاه أخيه الإنسان والتى تدفعنا إلى تبنى هذه القيم حيال الأكثر احتياجًا، لأن المشاركة مع الفقير تعنى الغنى المتبادل.

النتائج الاجتماعية للوباء تقلق الجميع، ونحن نعود إلى المسار الطبيعى علينا أن نأخذ بعين الاعتبار العدالة الاجتماعية وحماية البيئة. إنها مناسبة لبناء «شىء مختلف».. وخيار تفضيل الفقراء هو ضرورة أخلاقية اجتماعية تتأتى من محبة الله، وهو يعطينا الدفع لتصور اقتصاد يكون فيه الأشخاص، خاصة الفقراء، في الوسط وفى ثورة اهتمام الجميع. فقد حان الوقت للتصرف لأجل إنسان صحى أكثر.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية