أفصح ترامب عن رغبته فى تأجيل الانتخابات الرئاسية هذا العام، وهو تصريح خطير لم يقلل من خطورته تصريح البيت الأبيض، لا ترامب نفسه، بأن الانتخابات ستجرى فى موعدها. ومكمن الخطورة لا يتعلق بفكرة تأجيل الانتخابات وإنما يذهب لما هو أبعد من ذلك بكثير.
فبسبب تفشى كورونا بالولايات المتحدة، أعلنت أغلب الولايات أنها تنوى إجراء الاقتراع العام عبر البريد، لحماية مواطنيها من الاختلاط الواسع الذى قد يؤدى لإصابتهم. والتصويت بالبريد معناه أن ترسل الولاية للناخب المسجل فيها بطاقة الاقتراع، التى عليه أن يملأها ثم يرسلها عبر البريد. لكن الرئيس ترامب شكك فى نزاهة مثل تلك الانتخابات قائلا إنها تفتح الباب على مصراعيه للتزوير. والحقيقة أنه لا يوجد دليل على مثل ذلك التزوير. فولايات كثيرة، مثل كولورادو ويوتا وأوريجون وهاواى وواشنطن تستخدم الانتخابات بالبريد منذ سنوات دون مشكلات تذكر، هذا ناهيك عن عدد أكبر من الولايات أجرت انتخاباتها التمهيدية بالبريد العام الحالى.
والرئيس الأمريكى لا يملك دستوريا ولا قانونيا تأجيل الانتخابات. فالدستور الأمريكى منح الحق لكل ولاية عبر مجلسها التشريعى أن تحدد الطريقة التى يتم بها اختيار أعضائها بالمجمع الانتخابى. لكن هذا الدستور سكت عن تحديد موعد الانتخابات باليوم والشهر. وهى المهمة التى اضطلع بها الكونجرس عبر إصدار تشريع بهذا الخصوص فى عام 1845.
فإذا كان الرئيس الأمريكى يعرف أن تغيير موعد الانتخابات ليس من حقه، حيث لابد أن يصدر به قانون من المؤسسة التشريعية، فلماذا اقترح ترامب عبر تويتر مثل ذلك الخيار؟ الحقيقة أنه لا يمكن الإجابة عن ذلك السؤال دون النظر لأداء ترامب فى انتخابات 2016. فالتشكيك فى نزاهة التصويت عبر البريد هو مجرد تنويعة جديدة لخطاب ترامب أثناء انتخابات 2016. ففى ذلك العام، وطوال المنافسة ضد هيلارى كلينتون، بل وحتى اليوم الأخير قبل الاقتراع العام، كان ترامب يكرر أن الانتخابات المزمع انعقادها «انتخابات مزورة» وأنها ستزوّر لصالح هيلارى كلينتون. وكانت تصريحات ترامب تلك متفرقة وقليلة فى البداية ثم أصبحت أكثر تواترا وكثافة فى أكتوبر، أى قبل شهر واحد من إجراء الانتخابات، صارت عنوانا لكل تجمع انتخابى يحضره. وكان ترامب وقتها قد رفض، مثلما يرفض اليوم، أن يقول ما إذا كان سيقبل بنتيجة الانتخابات لو هزم فيها. ورغم أن نائبه فى 2016 بل وابنته إيفانكا أكدا للإعلام أن ترامب «سيعترف بالقطع» بالنتيجة حال هزيمته إلا أن ترامب نفسه ظل يقول العكس حتى تبين أنه فاز بالبيت الأبيض. المفارقة أنه بعد الانتخابات وصفها مرارا بأنها كانت سليمة ونزيهة.
وترامب لم يبدأ اللعب على وتر «التزوير» العام الحالى إلا بعد أن أظهرت استطلاعات الرأى تراجعه مقابل منافسه. بعبارة أخرى، فإن الهدف وقتها، كما هو اليوم، هو نزع الشرعية عن الانتخابات، لتكون سلاحه لرفض نتيجتها لو انهزم فيها. لكن وجه الخطورة فى كل ذلك هو أن قطاعا محددا من جمهوره يتلقى تلك التصريحات بجدية شديدة وعلى استعداد للتحرك فورا باستخدام العنف لو انهزم ترامب، بعدما أكد لهم كثيرا أنها ستكون مزورة. والدليل على ذلك هو تصريحات هؤلاء الموثقة عام 2016 والتى أكدوا فيها بوضوح أنها «ستكون حربا أهلية» لو انهزم ترامب. بعبارة أخرى، فإن نتيجة الانتخابات الرئاسية 2020 مفتوحة على كل الاحتمالات بما فى ذلك العنف اللامحدود.