كثيرون بالولايات المتحدة يرون أن هناك تناقضا بين موقف ترامب فى مواجهة كورونا وموقفه من التظاهرات التى اندلعت عقب مقتل جورج فلويد على يد رجال الشرطة البيض. فهو فى مواجهة الوباء العالمى رفض أن تكون الحكومة الفيدرالية هى اللاعب الرئيسى، بينما اختار أن تلعب تلك الحكومة نفسها دورا مهيمنا فى مواجهة التظاهرات. ففى الأولى أعلن ترامب أن مكافحة الوباء مهمة حكومات المدن والولايات، مؤكدا أن الحكومة الفيدرالية «ليست ساعى البريد» لهما تقوم بتوصيل المستلزمات الطبية والصحية. أما فى الموقف الثانى، فقد أمر بإرسال جنود من قوات فيدرالية عدة لمواجهة التظاهرات، وهو ما لاقى احتجاجا شديدا من حكومات الولايات والمدن، وزاد من حدة الاحتقان فيها، الأمر الذى أدى للإعلان مؤخرا عن سحب تلك القوات تدريجيا. ورغم الإعلان عن الانسحاب، يظل لموقف ترامب ذاك دلالته المهمة، وهو لا يعكس تناقضا على الإطلاق مع الموقف الأول. فالموقفان متسقان تماما لأن كليهما يتعلق باستهداف قاعدته الانتخابية الأساسية قبل شهور من الاقتراع العام.
فجمهور ترامب الرئيسى يمثل حوالى 38% من الناخبين، وهى بالمناسبة نسبة شعبية ترامب حاليا والتى تبرزها كل استطلاعات الرأى التى أجريت مؤخرا. فليس سرا أن هؤلاء هم الأكثر مقاومة لاتخاذ أية إجراءات احترازية لمواجهة كورونا، مثل ارتداء الكمامات، والأكثر ميلا للاستماع لترامب لا للعلماء المتخصصين، ولأسباب عدة. فهناك قطاع واسع من هؤلاء البيض لا يثقون إطلاقا فى الحكومة الفيدرالية بل ولا يعترفون بها أصلا. وترامب طالما قدم نفسه بأنه فى مواجهة مستمرة مع دولتها «العميقة». ومن هنا فهم يثقون فيما يقول إذا ما تناقض مع ما يقوله العلماء، أو أى مسؤول فيدرالى، بالمناسبة. أضف لذلك أن بعض تلك القوى لا تثق مطلقا بالمنظمات الدولية خصوصا الأمم المتحدة، التى تتبعها منظمة الصحة العالمية، ويؤمنون بأنها تعمل مع الحكومة الفيدرالية على إنشاء «حكومة عالمية» ستحرم الأمريكيين من حقوقهم. لذلك فإن الانتقادات الشرسة الموجهة لترامب لا تدفعه لتغيير موقفه من مواجهة الفيروس لأن قاعدته الانتخابية تدعم مواقفه.
وإرسال إدارة ترامب القوات الفيدرالية للمدن لا يختلف عن موقفه من كورونا. فالرئيس قال إنه يرسلها لحماية «القانون والنظام العام». وهو تعبير استخدمه، بالمناسبة ريتشارد نيكسون ومن قبله المرشح جورج والاس اللذان ناهضا حركة الحقوق المدنية، وكان جزءا من لغة شفرية موجهة بالأساس لقطاعات البيض الذين شعروا بأن حصول السود على حقوق متساوية ليس فقط غير مقبول وإنما يهدد مقدراتهم أيضا. وترامب، والمسؤولون بإدارته، يكررون فى تصريحاتهم أن تلك التظاهرات يقودها «التيار الفوضوى» أو «اليسار الراديكالى». وهى لغة أيضا موجهة لذلك القطاع من البيض تحديدا الذى يحتاجه ترامب للفوز بانتخابات الرئاسة. فترامب يهدف لاتهام بايدن بأنه «يدافع عن اليسار المتطرف، ويتبنى أهدافه السياسية» ومن ثم سيصبح توليه الرئاسة «جحيما» بالنسبة لأمريكا.
بعبارة أخرى، لا تناقض بين موقفى ترامب، إذا ما كان الهدف هو الانتخابات. فترامب على ما يبدو يسعى مرة أخرى للفوز بالرئاسة بأصوات المجمع الانتخابى لا أصوات الناخبين، تماما كما حدث عام 2016. فكل ما يحتاجه المرشح هو الفوز بهامش ضئيل للغاية فى عدد من الولايات الغنية بأصوات المجمع الانتخابى، فيحصل على الأخيرة كلها ويفوز بالرئاسة، دون أن يكون بالضرورة المرشح الذى فاز بالنسبة الأعلى من أصوات الناخبين الأمريكيين!