الجدل الذى أثارته إيفانكا ترامب الأسبوع الماضى يأتى فى إطار جدل صاخب أكثر عمقا مثار منذ فترة بالولايات المتحدة. فالمدير التنفيذى لإحدى شركات الأغذية وأحد ملاكها، كان قد أثنى على الرئيس ترامب وقال إن الله يبارك الولايات المتحدة حين حباها بترامب رئيسا. وهو ما أثار ردود فعل غاضبة لدى قوى مختلفة خصوصا من الأقليات التى دعت لحملة واسعة لمقاطعة منتجات شركة «جويا». وما إن توالت ردود الأفعال تلك حتى وضعت على صفحتها على تويتر صورة شخصية لها وهى تمسك بإحدى معلبات الشركة، ثم كتبت فوقها عبارة الدعاية نفسها التى تضعها الشركة على كل معلباتها، «إذا كانت جويا فلابد أنها جيدة». وقد تعرضت إيفانكا لانتقادات واسعة، كونها تشغل منصبا رسميا، مستشارة للرئيس، حيث أكدت جهات قانونية أن ما فعلته نجلة الرئيس يمثل انتهاكا لقاعدة فيدرالية تحظر على من يشغل منصبا تنفيذيا أن يقوم بأى ما قد يعطى انطباعا «بأن المؤسسة التنفيذية أو أحد مسؤوليها يدعم منظمة أو منتجا أو خدمة أو شخصا».
لكن المتحدثة باسم البيت الأبيض دافعت عن إيفانكا قائلة إن ابنة الرئيس «فخورة بالشركة الهسبانية القوية ذات الجذور العميقة بالولايات المتحدة وهى لها الحق فى أن تعبر عن دعمها الشخصى». وهاجمت المتحدثة الإعلام، وما صار يعرف «بثقافة النفى». واللافت للانتباه أن البيت الأبيض تحدث عن الشركة باعتبارها هسبانية أى أن ملاكها هاجروا من أمريكا اللاتينية، وهو مجاف للحقيقة. صحيح أنهم يتحدثون الإسبانية إلا أنهم هاجروا من إسبانيا بدايات القرن العشرين لا من أمريكا اللاتينية، وهى أسرة تملك المليارات وصارت تركز فى منتجاتها على مأكولات الأقليات خصوصا القادمين من أمريكا اللاتينية.
أما «ثقافة النفى» فذلك هو الجدل الأوسع الذى خاضت فيه المتحدثة بالبيت الأبيض حين أقحمت زورا قصة إيفانكا فى ذلك الجدل. و«ثقافة النفى» هو تعبير أطلقه اليمين الأمريكى على الهجوم الذى يتعرض له أصحاب بعض الآراء اليمينية خصوصا إذا ما تم التعبير عنها باستخدام تعبيرات وألفاظ عنصرية أو جارحة بالنسبة للأقليات. وهو هجوم يصل أحيانا للمطالبة بالاستقالة أو الإقالة أو الحرمان من مخاطبة قطاعات واسعة من الناس، سواء كان عبر الإعلام، أو الأكاديميا أو غيرها من الوسائل.
والحقيقة أن ذلك الجدل المثار بالولايات المتحدة منذ فترة ويتعلق بحرية التعبير والرأى، له أسس موضوعية. فهناك بالفعل شطط لدى قطاعات من اليسار صارت لا ترحب بالرأى الآخر حتى لو خلت أطروحاته من تلك الألفاظ العنصرية. وهو شطط مماثل لشطط قطاعات أخرى فى اليمين تضيق هى الأخرى ذرعا بحرية التعبير. والطرفان يشتركان فى الانتقائية فيما يعتبره كل منهما ضمن حرية الرأى والتعبير وفى ميلهما للحظر بدلا من مقارعة الحجة بالحجة.
المفارقة فى واقعة إيفانكا ترامب هى أنها لم تتعلق أصلا بحرية الرأى. فمالك لشركة عبر عن رأيه، فقام معارضوه بالدعوة لمقاطعة منتجاته، وهى إحدى وسائل المعارضة السلمية المعترف بها دوليا. والجدل الذى أثير حول ما وضعته إيفانكا على حسابها على تويتر لم يكن يتعلق بحريتها فى التعبير عن رأيها، وإنما تعلق بكونها تشغل منصبا تنفيذيا رسميا يخضع من يشغله لقواعد تحكم أداءه وتحظر عليه ما قد يثير شبهات التعارض فى المصالح. ومن هنا، كانت المفارقة، إذ انطوى تصريح متحدثة البيت الأبيض على «ثقافة النفى» بدرجة أكبر مما فعله منتقدو إيفانكا!.