ما هى الرسالة التى أراد الخطيب أن يصدرها وفى يده سيف؟
كيف يتلو ويعظ ويشرح وفى يده سيف؟ هل ليهدد به المصلين الذين أمامه فى المسجد، أم المشاهدين الذين يشاهدونه، أم الدول الأوروبية التى حوله، أم ماذا؟
للأسف هذا المشهد كان مشهداً سيئاً بكل المقاييس، بل تأكيداً أن السياسة الأردوغانية تستغل بل تتلاعب بالدين، وبالأحرى تتلاعب بمشاعر المؤمنين باسم الدين، فالمفترض أن الدين ينبذ العنف، بل يدعو إلى السلام والمحبة والتسامح. بينما السيف وظيفته التهديد والقتل وقطع الرقاب وسفك الدماء.
السيف فى يد خطيب الجمعة فى آغيا صوفيا هو شعار لمعتقداته، إذ كيف تتناسب الفضيلة مع التلويح بالسيف. السيف جعله هذا الشيخ رمزاً للتخلف ورمزاً لمنطق العنف والقتل بينما الخطبة هى دعوة للموعظة الحسنة. الصعود إلى منبر آغيا صوفيا بالسيف هو مؤشر لمزيد من الموت ومزيد من الدماء ومزيد من الانحطاط يذكرنا بداعش وما هم على شاكلتها.
فهى صورة تصور تاريخاً قديماً بأشخاص جدد. يريدون فى الربع الأول من القرن الحادى والعشرين إرجاعنا إلى القرون المظلمة، فبهذا السيف عينه احتلوا العثمانيون القسطنطينية سنة 1453وذبحوا الرجال وشردوا النساء والأطفال وزيفوا التاريخ. فلا نستغرب من تصرف ناس احتلوا أرضنا 500 سنة وارتكبوا كبرى المجازر فى التاريخ، بحق إخوتنا الأرمن والشوام والسريان وغيرهم.
الغريب أن بعض شيوخ التواصل الاجتماعى يرون بهذا التصرف غير الدينى وغير الحضارى والعنصرى وكأنه انتصار للعالم الإسلامى قام به أردوغان الداعم والممول للإرهاب ولتنظيم داعش فى وطننا العربى وخصوصاً فى سوريا والآن فى ليبيا. مقدماً نفسه كحام للدين وزعيم المسلمين والإسلام منه براء.
أتوجه إلى إخوتى المسلمين الذين نحبهم ونتشارك معهم فى وحدة المسار والمصير الذين نكن لهم كل احترام ومحبة، طالباً منكم ألا تسمحوا لأمثال أردوغان أو حامل السيف هذا أن يلعب على عواطفكم الدينية النزيهة وتذكروا دوماً أن لكم أخوة فى الوطن يعيشون بينكم يشعرون بالألم والحزن نتيجة هذا القرار المشين والعنصرى فى حقهم، فإن أهمية وقيمة هذه الكنيسة بالنسبة للمسيحيين لا تقلان عن أهمية وقيمة المسجد الأقصى بالنسبة للمسلمين.
علينا أن نكون على وعى كبير وكافٍ ودراية تامة وواسعة بالسياسات والفتن التى تحاك لنا من كل حدب وصوب لنصدها ونقف لها بالمرصاد لنحيا معاً ونخدم أبناءنا ونكون لهم مثالاً راقياً فى العيش المشترك وتقبل الآخر بدلاً من أن نكون دمى يحركها زعماء الشر.
عيد الأضحى يدعونا إلى التضحية فى سبيل الآخر والمحبة والتسامح والتكامل والتضامن، فى هذه الظروف المأساوية التى يعيشها العالم ونعيشها كلنا مسيحيين ومسلمين، فى ظل وباء الكورونا والظروف المعيشية الخانقة. فسيف آغيا صوفيا هو نكسة فى الحوار الإسلامى المسيحى الذى يعمل عليه رؤساء الأديان منذ عقود ولمزيد من التآخى والمسامحة. فنحن لا نحتاج إلى المزيد من أسباب الخلاف والنزاع والتوتر والكراهية والنعرات الطائفية بل إلى السلام والوئام.
لا مجال للمفاضلة بين أن تبقى الكنيسة متحفاً أو أن تصبح مسجداً، إنها أصبحت تراثاً عالمياً منذ 1934 عندما حولها أتاتورك إلى متحف كعلامة للطابع العلمانى التركى المنفتح.
التحدى الكبير هو كيف نحول أخطاء التاريخ وصراعاته إلى حوار حضارة محبة وإلى أمل ورجاء جديد لأجيالنا القادمة. دياننا حافلة بهذه القيم الروحية والإنسانية السامية أن يعملوا معا لأجل تجنب أى تصعيد بسبب هذا القرار. عيد الأضحى مناسبة جيدة لكى ننشر هذه الأفكار والمواقف الإيجابية التى يعمل العالم كله الآن من أجلها، وفى مقدمتهم الإمام الأكبر الشيخ أحمد الطيب وقداسة البابا فرنسيس، بابا روما، وقداسة البابا تواضروس، بطريرك الكنيسة القبطية الأرثوذكسية ومحافل أخرى.