x

المستشار الأسبق بـ«البيت الأبيض»: سد النهضة والتواجد التركى في ليبيا تهديد وجودي لمصر

خطة «ترامب» للسلام مقترح وليد خُلِق ميتًا.. وأردوغان المرشد الفعلي للإخوان على مستوى العالم
الأحد 26-07-2020 02:32 | كتب: منة خلف |
«هلال» يتحدث لـ«المصرى اليوم» عبر تطبيق «زووم» «هلال» يتحدث لـ«المصرى اليوم» عبر تطبيق «زووم» تصوير : آخرون

أكد جمال هلال، المترجم والدبلوماسى والمستشار الأسبق بالبيت الأبيض الأمريكى، أن أى تحرك عسكرى مصرى فى ليبيا ليس حربًا خارجية، وإنما دفاعٌ عن أمن مصر الوطنى، وأن العسكرية المصرية لديها من الحكمة ما يمكنها من إدارة الأزمة وعدم الانجرار لأى استفزازات، مشيرًا إلى أن الولايات المتحدة ترى أن ليبيا مشكلة أوروبية بالمقام الأول.

وأوضح «هلال»، الذى عاصر 5 رؤساء أمريكيين، أن الولايات المتحدة لم تتخل عن وساطتها فى «سد النهضة»، كاشفًا لـ«المصرى اليوم» حقيقة ما جرى فى الملف داخل الإدارة الأمريكية، كما طرح بعضًا من قراءاته للقضايا الإقليمية على الساحة الآن، مثل خطة السلام الأمريكية بحكم عمله بالبيت الأبيض منذ عهد الرئيس الأمريكى الأسبق «ريجان» فى الثمانينيات حتى العام الأول للرئيس السابق أوباما.

«هلال» ترجم اجتماعات الرؤساء والزعماء العرب ورؤساء أمريكا فى تلك الفترة، كما عمل أيضًا فى ملف عملية السلام، والمفاوضات بين الفلسطينيين والإسرائيليين فى كامب ديفيد، ويرى أنه حال فوز المرشح الديمقراطى «جو بايدن» فى الانتخابات الرئاسية الأمريكية المقبلة، فإنه سيعيد معظم سياسات «أوباما»، مطالبا مصر، مع اقتراب الانتخابات الرئاسية الأمريكية، بتغيير منظورها فى علاقتها بالولايات المتحدة، من علاقة رئيس برئيس إلى علاقة دولة بدولة، مشيرًا إلى توغل الإخوان فى الحزب الديمقراطى الذى يمثله «بايدن».

وإلى نص الحوار..

«هلال» يتحدث لـ«المصرى اليوم» عبر تطبيق «زووم»

■ البعض يصف الموقف الأمريكى من الأزمة الليبية بـ«المتأرجح».. كيف تقيّمه من
وجهة نظرك؟

- أمريكا بشكل عام سواء فى إدارة ترامب أو غيرها من الإدارات السابقة لم تنظر إلى ليبيا على أن هناك مصلحة استراتيجية أمريكية للدخول فيها. الولايات المتحدة تنظر إلى ليبيا وحوض

البحر المتوسط بشكل عام- باستثناء مصر وإسرائيل- باعتبارها مشاكل أوروبية ويجب أن تتعامل معها أوروبا، لأن التهديد الحقيقى يأتى لأوروبا من خلال الهجرة غير الشرعية، أو سفر

الإرهابيين إلى الدول الأوروبية، ولطالما نظر إليها أوباما بهذا المنظور ومن سبقوه، ولم تشتد العلاقات الليبية- الأمريكية إلا فى قضية لوكيربى، والبرنامج النووى الليبى، وما حدث فى الربيع

العربى.

والآن، إدارة ترامب كانت تنظر لها من بعيد ومازالت حتى العام الماضى أبريل 2019، كانت الولايات المتحدة تردد، مثلها مثل جميع الدول، أنها تعترف بحكومة الوفاق وتدعم اتفاق الصخيرات، حتى اتضح أن حكومة الوفاق لا تعمل للصالح الليبى وبدأ نوع من السيطرة التركية عليها.

«ترامب» و«نتنياهو» فى مؤتمر صحفى

ففى أبريل 2019، كانت هناك مكالمة هاتفية بين ترامب والمشير حفتر دامت قرابة الساعتين، فُهمت أنها بمثابة ضوء أخضر له بأنه إذا استطاع أن يحرر كل التراب الليبى بما فيه طرابلس أصبح هو الواقع على الأرض، إلا أنه لم يحرز هذا التقدم، وعادة عندما تعطى أمريكا ضوءًا أخضر أو موافقة ضمنية، يكون ذلك مربوطا بفترة زمنية معينة وليس إلى الأبد.. أعتقد أن الطرف الليبى لم يفهم هذه المسألة.

ويجب أن ندرك أنه من ضمن المبادئ التى ركز عليها ترامب وإدارته أنه يرفض رفضًا كليًا أن تلعب أمريكا دور شرطى العالم، وأن تُستخدم قواتها المسلحة إلا فى حالة وجود تهديد مباشر.

■ وماذا عن التقارير الإعلامية التى تحدثت عن إمكانية فرض الولايات المتحدة عقوبات على الأطراف المتنازعة فى ليبيا؟

- تستطيع أمريكا أن تفعل ذلك، وأن تفرض عقوبات.. وآلية فرض العقوبات تنتهجها واشنطن عندما لا تريد التدخل أكثر عسكريًا أو سياسيًا مع دولة.

■ ألا تعتقد أن الأمر يختلف بدخول عناصر مثل تركيا وروسيا فى المعادلة الليبية؟

«جوبايدن» فى مؤتمر انتخابى

- السبب وراء دخول عناصر فى المعادلة الليبية هو أن الدور الأوروبى ينتابه الشيخوخة.. ترامب أبدى دعمه الضمنى فى المحادثة الهاتفية للمشير حفتر، لكن لن يقدم أى نوع من أنواع الدعم العسكرى، الولايات المتحدة تركت الأمر لأصدقاء حفتر، وخلق ذلك فراغا، لذلك رأينا روسيا تلعب دورًا، وتركيا أيضًا، وكانت أمريكا تأمل فى أن الأوروبيين هم من يقومون بملء هذا الفراغ ويحسمون المعركة، لأنهم المهدَّدون من مخاطر سقوط ليبيا فى يد أردوغان.

لكن من الوارد أن تلعب أمريكا دورا سياسيا أكبر لأنها لا تريد مشاهدة اثنين من حلفائها فى حالة حرب، هما مصر وتركيا، وربما هناك مجال لـ«أفريكوم» أن يلعب دورًا، وهى القيادة العسكرية الأمريكية فى إفريقيا، إذا كانت هناك رغبة سياسية.. لكن حتى الآن، لا أعتقد وجود تهديد واضح أمريكى أو أوروبى لأردوغان بعدم التدخل أو التوغل فى ليبيا.

■ هل تعتقد أن مصر ستدخل حربًا فى ليبيا؟

- الحرب هى آخر خطوة تلجأ إليها الدول، لا توجد دولة تريد أن تبدأ بالحل العسكرى، ومصر لديها خبرة طويلة فى مجالات الحروب على مدار الخمسة عقود الماضية، والعسكرية المصرية تعرف تماما معنى أن تدخل الدولة فى حرب، وأن يحول اقتصادها إلى اقتصاد حرب طويلة.

وتاريخيًا وتقليديًا، الجيش المصرى لا يخوض حروبا خارج حدوده، رأينا فقط هذه المسألة فى حرب اليمن فى بداية الستينيات، وسببت عقدة لدى الجيش المصرى، مثلما سببت حرب فيتنام عقدة لدى الجيش الأمريكى، ولذلك هناك نوع من الحرص الشديد من العسكرية المصرية على ألا تغرق قواتها فى حرب أخرى، لكن الوضع فى ليبيا ليس حربا أخرى، إنما دفاعٌ عن الأمن الوطنى المصرى، فربما توضع فى منطقة «مجبر أخاك لا بطل».

لكن المؤسسة العسكرية المصرية تتمتع بحكمة غير عادية، ولا تنجر لأى استفزازات، وتتمتع بحكمة مستفزة حتى ولو كانت للشعب المصرى نفسه.

■ ننتقل إلى أزمة سد النهضة.. إلى أى مدى ستدعم أمريكا المفاوضات؟ وهل يمكن أن تنحاز أمريكا لإثيوبيا بضغط من إسرائيل؟

هلال يترجم للراحل الملك «عبدالله» و«بوش» الابن

- أمريكا لم تتخل عن الوساطة فى أزمة سد النهضة، وإنما وزير الخزانة الأمريكى، ستيفن منوتشين، هو الشخص الذى كان يقوم بدور الوساطة، وهو مقرب من ترامب، أصبح همه الأكبر منذ أزمة كورونا هو عملية التفاوض نيابة عن ترامب مع الكونجرس الأمريكى لإنقاذ الاقتصاد الأمريكى، كل تلك الأمور تقع على عاتق مينوتشين، فبالتالى أصبح كل جهده منصبا على إنقاذ الاقتصاد، والتفاوض من أجل إقرار صفقات جديدة، وجهده فى مفاوضات سد النهضة وصل تقريبا إلى «حد الصفر»، وصعب أن يتصور أى أحد أنه سيترك رئيسه والاقتصاد الأمريكى ويركز فى سد النهضة.

وأعتقد أن الموقف الأمريكى سيكون محايدا فى كلامه ولن يكون مؤيدا لأى طرف، لكن إذا نجحت الدبلوماسية المصرية فى أن تجعل وزارتى الخارجية والخزانة الأمريكية تتقدمان بتصريحات فى صالح مصر، فأعتقد أنها ستكون خطوة جيدة، حتى إن كان مينوتشين ليس لديه وقت للدخول فى مفاوضات.

كذلك إذا استطاعت الدبلوماسية المصرية أن تركز الانتباه بشكل أكبر على ما يتردد بأن هناك بعض العيوب الفنية فى السد التى قد تهدد السودان ومصر، وتم رفع هذه المخاوف إلى مستوى مجلس الأمن، ربما سيكون هناك تحرك أفضل.

أنا لا أفصل بين مخاطر سد النهضة ومخاطر التواجد التركى فى ليبيا، لأن كليهما تهديد وجودى لمصر، ليس هناك واحد أهم من الثانى.

■ هل تؤمن بالنظريات التى تقول إن محرك الملفين واحد؟

- التحليل المنطقى والعملى لا يقول ذلك، التآمر شماعة سهلة حتى إنْ صدقَ جزء منها، أنا عملت مع خمسة رؤساء أمريكيين، وعملت داخل المطبخ السياسى الأمريكى، وكنت أقرا عن نظريات المؤامرة وأنظر حولى لمن يعملون ولا أجد لها دليلا.

إثيوبيا تقوم ببناء السد لأسباب خاصة بها وهى لم تفاجئنا فى ليلة وضحاها بأنها ستبنى سدًا.. الآن، رئيس الوزراء الإثيوبى لديه أزمة داخلية، وجزء من انتصاره على معارضيه وعلى قبيلته نفسها هو إتمام بناء السد، وأن يثبت لهم أن إثيوبيا قادرة على تنفيذ ما وعدت به الشعب من تنمية وبناء للسد مهما كانت التهديدات الخارجية.

وهناك عبء داخلى على أبى أحمد، فهو لا يحتاج لأى طرف أن يحرك هذا الأمر، إنه يسعى لأطراف تدعم موقفه، مع العلم أن مصر لا تقف ضد التنمية الإثيوبية.

■ إلى أى مدى ترى أملا فى الحل السياسى لأزمة سد النهضة؟

«هلال» يتوسط «كلينتون» و«عرفات»

- لم أفقد الأمل فى الحل السياسى رغم التصريحات الإثيوبية، وهذه الرسائل يجب أن تكرر بشكل مستمر، ألا وهى أننا مع الحلول السياسية، لكن لا يمكن أن نقف مكتوفى الأيدى أمام أى تهديد وجودى للنصيب المصرى فى النيل.

هذه الرسائل لا يجب تكرارها للشعب المصرى، الشعب المصرى يعرفها جيدا، لكن يجب تكرارها لزعماء الدول الأخرى.

■ ننتقل إلى العلاقات المصرية الأمريكية المباشرة.. كيف تُقيِّم التعاون العسكرى فى عهد ترامب، وما أفق التعاون حال فوز «بايدن»؟

- العلاقات العسكرية بدأت مع الاتفاق العربى الإسرائيلى نظرًا لأنى كنت أعمل عن قرب مع الحكومة الأمريكية ومع اللجنة التى تأسست منذ اتفاق كامب ديفيد، وهى اللجنة العسكرية للتعاون المصرى الأمريكى، وهى لجنة تقوم بالتنسيق فى كل شىء يتعلق بتحديث الجيش المصرى والمعونة الأمريكية، وأين ستُنفق تلك الأموال وزيادة الروابط العسكرية بين الدولتين، تلك العلاقات علاقات قوية.

الدعم العسكرى لم يتأثر بمجىء ترامب، وإنما تأثر بالربيع العربى، فلم يكن آمنًا أن تُقام أى مناورات عسكرية فى المنطقة ككل وليست مصر على وجه التحديد، وعملية التخفيض تمت أثناء إدارة الرئيس أوباما، وستسير على خطاها إدارة «بايدن»، وسيعطى اهتمامًا لأشياء معينة، وهى مهمة فى السياسة الخارجية، مثل الحقوق السياسية وحقوق الإنسان، والمساجين السياسيين، والتمثيل السياسى لجميع الطوائف، تلك المسائل ثابتة فى المبادئ الأمريكية، حتى فى حكم ترامب، وكان يُلام عليه أنه لم يكن بالقسوة الكافية مع الصين فى التعامل مع هونج كونج.

■ كيف تقرأ تغريدة «بايدن»، التى أشار فيها إلى ملف حقوق الإنسان فى مصر؟

«هلال» يتوسط الراحل الملك «عبدالله» و«بوش» الأب

- «بايدن» سيعيد كل سياسات أوباما، أول خطوة سيفعلها ربما عودة الاتفاق النووى مع إيران، كما ستحكم علاقاته مع الدول العربية مسائل حقوق الإنسان والمسجونين السياسيين والشمولية السياسية، وأتوقع انه سيكون بينه وبين المؤسسة العسكرية الأمريكية شد وجذب، لكن لا أعتقد أنه سيغامر بالعلاقة العسكرية مع مصر لأنه مهما كان سيكون حوله بعض العقول الحكيمة. المشكلة ليست مع شخص «بايدن»، المشكلة فى أن الحزب الذى يمثله اتجه اتجاهًا كبيرًا نحو اليسار، وأصبح أشبه بحزب اشتراكى أكثر منه ديمقراطيًا أمريكيًا، وأصبحت الأصوات الليبرالية الاشتراكية أقوى داخل الحزب. كثير من تلك الأصوات ستكون فى إدارة «بايدن» لمساندته لأن «بايدن» متقدم فى السن، وقدراته فى إدارة شؤون البلاد بشكل منفرد صعبة، وسيكون واجهة أكثر منه رئيسًا فعليًا للولايات المتحدة، «بايدن» لا يستطيع أن يتحدث دون شىء مكتوب.

■ هل نفهم من ذلك أنه حال فوز «بايدن» يمكن أن يعطى قبلة الحياة لما يُعرف بـ«الإسلام السياسى»؟

- مائة بالمائة.. ليس لدىَّ أدنى شك فى أن إدارة «بايدن» ستعطى أكثر من قبلة الحياة للإسلام السياسى سواء ممثلًا فى الإخوان أو فى أى كيان، ومن هنا نعود إلى خطورة الأمر فى ليبيا لأن مَن سيتزعم عودة الإخوان المسلمين بكثافة فى جميع الدول العربية هو أردوغان لأن أردوغان هو المرشد الفعلى والأساسى والمخطط لجماعة الإخوان على مستوى العالم.

■ ما المُحدِّدات الأمريكية فى علاقتها مع الدول.. المؤسسات أم الرئيس؟

«أردوغان» فى «آيا صوفيا»

- كلاهما لأنه على الرغم من أن الولايات المتحدة دولة مؤسسات، وصحيح أنها تعمل على مصالحها، لكن لا نستطيع أن نقلل من دور وعقيدة كل رئيس يأتى.

الخوف من بايدن أن تتأثر عقيدته بالاتجاه اليسارى والاشتراكى، وتبدأ تلك التوجهات فى الظهور.

■ ما تأثير تلك العقيدة أو الاتجاهات على مصر؟

- عملية التحالف بين اليسار الأمريكى والإخوان المسلمين عملية قوية جدًا، لدينا أعضاء فى الكونجرس الأمريكى تابعون للإخوان المسلمين، مثل كيث أليسون، الذى كان عضوًا عن ولاية مينيسوتا، وهو من أكبر النشطاء مع الإخوان المسلمين، وينظم لهم يومًا كل عام ليأتوا ويتحدثوا مع أعضاء الكونجرس الأمريكى ليعبروا عن وجهة نظرهم بشكل واقعى للعقل الأمريكى، وإلهان عمر بالطبع هى أكبر الداعمين للإخوان المسلمين، وهناك 4 سيدات أخريات من المؤيدات للإخوان المسلمين، فالإخوان يسيطرون على الحزب الديمقراطى، كذلك تكشف التغريدة الأخيرة لـ«بايدن» أنه خصصها لأسماء مساجين من الإخوان المسلمين، فهذا التأثير يأتى من هؤلاء الأفراد فى الكونجرس مع فريق الحملة الانتخابية، الذى أشك أنه سيستطيع التخلص منهم حال الفوز.

هل تعتقد أن مصر لديها فريق جيد لهندسة العلاقات الأمريكية المصرية؟

«هلال» يتوسط «بوش» الابن و«صالح»

- هناك بعض الأمور التى يجب أن تدركها الحكومات العربية جميعًا، بما فيها مصر، فى علاقاتها مع أمريكا، وهى ألّا تكون مجرد متلقٍّ، ألّا تنتظر ما سيفعله الرئيس، لابد للحكومات أن تبلور استراتيجياتها وعلاقاتها الثنائية، وأن تقوم بشرح هذا بشكل وافٍ بين مؤسساتها والمؤسسات المصرية، وألّا تكون العلاقات فقط على مستوى الرؤساء، العلاقات بين الأفراد محدودة جدًا.

أبسط مثال أن ترامب كان مؤيدًا لـ«حفتر» فى إبريل 2019، لكن وزارتى الدفاع والخارجية الأمريكية لم تكونا مؤيدتين، فلم يحدث شىء، ليس لمعارضتهما الرئيس، ولكن لأنهما ليس لديهما من المعطيات ما يكفى.

أعتقد أن مصر بها الكثير من الكفاءات، لكن الأزمة فى المنظور والفهم الجيد لما تريده من تلك العلاقات وما تستطيع أن تقدمه لأنه لا توجد علاقات مبنية على الأخذ فقط وعدم تقديم مقابل. التصور المصرى للعلاقة مع أمريكا يجب أن يخرج من القاهرة لأن واشنطن لديها تصورها ولا يجب أن نكون مجرد متلقٍّ.

هناك بوادر فى هذا المنظور، مثلما قدمت مصر مساعدات طبية للولايات المتحدة أثناء «كورونا»، فكيف تُقيِّم ذلك؟

- لم أسمع بتلك المساعدات هنا فى أمريكا، لكنها وصلت لى من أصدقائى المصريين، لم يتطرق إليها الإعلام الأمريكى بشىء، ولو سألنا ترامب نفسه فسيقول إنه لا يعلم عنها شيئًا. مثل تلك المبادرات لا ترقى إلى خلق علاقات، هذا منظور مصرى فى التعامل مع الغرب، ولا يجب التعامل مع الغرب بمبدأ المجاملات.

ما الخطوات التى يجب أن تفعلها مصر لتطبيق هذا المنظور؟

- يجب ألّا يكون القرار السياسى فى مصر حكرًا على جهة معينة، فيجب انتهاج العصف الذهنى فى التفكير بين المؤسسات،

كما يجب التفريق بين بناء علاقات جيدة بين طرف عربى والرئيس الأمريكى وبين الطرف العربى والدولة الأمريكية، الرئيس الأمريكى هو رأس الدولة وليس كل الدولة.

العلاقات الطيبة بين الرئيس العربى والرئيس الأمريكى قيمتها 10%، إنما العواصم العربية تعطيها قيمة 99.9%، وهذا دليل على عدم فهم أمريكا لأنه بنفس قوة الرئيس يوجد الكونجرس.

مصر استقبلت عدة زيارات لعدد من أعضاء الكونجرس الأمريكى، فكيف قرأت تلك الزيارات؟

- العلاقات لا تؤسَّس بزيارة هنا وهناك.. يجب أن تكون متواصلة، هذا لا يكفى لبناء العلاقة، خاصة أن اللقاءات أغلبها يتم مع رؤساء اللجان، لكن لا تتم علاقات مع الشريحة الكبرى من الأعضاء، تلك الشريحة التى تصوت على أهم القرارات، ويجب الاهتمام بهذه الخطوة، فى ظل توغُّل الإخوان المسلمين فى الكونجرس الأمريكى.

كيف تقيّم خطة السلام الأمريكية فى فلسطين؟

- مشكلة عملية السلام الآن والحلول المقترحة هى مسألة أمريكية ومشكلة أمريكية، الولايات المتحدة كانت تسعى لأن تكون طرفا فى الحل وليست طرفًا فى الخلاف، الآن أصبحت هى طرف فى الخلاف لأن مقترحات ترامب لا تستند إلى أى شىء مرتبط بالصراع، لا تعتمد على القانون الدولى أو الواقع أو ما توصل إليه السابقون، هى عبارة عن تصور أمريكا، ولكنه ليس تصور الرئيس ترامب كما يعتقد البعض، ربما تصور جاريد كوشنر، ربما تصور السفير الأمريكى فى تل أبيب.. مجموعة ضيقة وضعت هذا التصور بالتواصل مع بنيامين نتنياهو واليمين الإسرائيلى.

عملية السلام فى نظرى ستكون آخر مسمار فى حل الدولتين، وستؤدى إجباريا ولو بشكل غير مقصود إلى حل الدولة الواحدة، وهو شىء ترفضه العقلية الجمعية الإسرائيلية، ولكن أطرافا فلسطينية لا تريد أن تبيح بهذا الشىء.. لأن ما يسمى «مقترحات ترامب للسلام» جزء كبير منها مبنى على بناء دولة فلسطينية، هذه الدولة لا يمكن أن تبنى بناء على الجغرافيا المقترحة نتيجة لانخفاض نسبة الأرض، ولا يمكن أن تبنى لأن القدس ليست طرفا فيها، فبالتالى خطة ترامب عبارة عن مقترح وليد خلق ميتا، على الأقل من وجهة النظر الفلسطينية ومعظم أوروبا.

كذلك ألوم على فترة أوباما أنها جعلت من نفسها جزءا من المشكلة، لأنها أصرت فى تعاملها مع حكومة نتنياهو على أشياء تخص المستوطنات، وهى تدرك أن إسرائيل لن تستطيع أن تنفذها، وأقصد هنا أنها جعلت وقف النشاط الاستيطانى فى المنطقة الفلسطينية شرطا لعودة المفاوضات، وبالتالى لم يستطع أبو مازن أو أى طرف فلسطينى أن يجعل أوباما أكثر فلسطينية من الفلسطينيين أنفسهم، باعتباره من أجبر الفلسطينيين على التمسك بإيقاف الاستيطان الذى لم تستطع الولايات المتحدة إيقافه، ولا توجد حكومة أمريكية فى السابق أو فى المستقبل تستطيع إيقاف الاستيطان.

جون بولتون ربط فى تصريحٍ بين نجاح الخطة وإعادة انتخاب ترامب.. كيف ترى مصير مقترح السلام؟

- إسرائيل لن تنفذ صفقة القرن لخاطر الطرف الأمريكى، إسرائيل إذا نفذت «جزءا» سيكون بسبب الوعود الانتخابية التى وعد بها نتنياهو الشعب الإسرائيلى، وأنا أعتقد أن أجنحة كثيرة من الكيانات الإسرائيلية والشعب الإسرائيلى غير مؤيدة لهذه المقترحات.

وجهتا النظر العسكرية والأمنية الإسرائيلية كلتاهما لا ترى عائدا إيجابيا أو فائدة من مقترحات ترامب للسلام، بالعكس تعارضانها، إنما القرار فى إسرائيل ليس للعسكريين.. ونتنياهو قام بكل هذه المساعى للنجاح فى الانتخابات.

وأقصد هنا بتنفيذ جزء من الخطة، أن ينتقى نتنياهو الجزء الخاص الذى يدعم إسرائيل وموقفها ويستغنى عن الجزء الخاص المنادى بدولة فلسطينية، بمعنى أنه قد يقوم بضم بعض الأراضى القريبة من المستوطنات، ويقول إنه تم الضم، لكنه لن يذهب إلى غور الأردن، لأن الموقف الأردنى كان بمنتهى الوضوح بأن هذا سيهدد اتفاقية السلام الأردنية- الإسرائيلية، واستقرار الأردن فى غاية الأهمية بالنسبة لإسرائيل، وهناك أصوات إسرائيلية كثيرة لا تريد أن تضر بعلاقة الأردن مع إسرائيل، تماما كما تريد تلك الأصوات الإسرائيلية عدم تضرر اتفاقية السلام مع مصر. اتفاقيات السلام فى منتهى الأهمية، على عكس انتقادات البعض.

هناك نوع من الإدراك حتى من بعض الدول العربية، بأن جزءا من التجمعات الاستيطانية سيضم لإسرائيل، هناك قناعة بذلك، ومقابل هذا الضم سيتم تعويض الطرف الفلسطينى من أرض فى إسرائيل جغرافيًا.

هل يوجد اختلاف فى الرؤى للقضية ما بين الحزبين الجمهورى والديمقراطى؟

- الديمقراطيون يميلون إلى اتفاقيات السلام وعدم أخذ خطوات أحادية الجانب، ولا يدعمون كثيرًا ما قاله ترامب، لسببين أولهما أن ترامب عدوهم اللدود، والسبب الثانى أن هناك تقليدًا أمريكيًا، أن عادة كل إدارة جديدة حتى إن كانت من نفس الحزب تريد أن تمحو أو تقلل ما أنجزه الرئيس الأسبق، هذا للأسف تقليد أمريكى، كل رئيس يريد أن يضع بصماته.

الوضع الحالى أن «بايدن» حال فوزه سيريد أن يتخذ اتجاهًا معاديًا لترامب، ولكن لا يعنى ذلك اتجاهًا معاديًا لإسرائيل، ولا معنى ذلك أنه يستطيع أن يوقف الخطوات التى يريد أن يأخذها الطرف الإسرائيلى.

كيف تُقيِّم موقف مصر تجاه صفقة القرن؟

- الموقف المصرى يعتمد بشكل جزئى على الدبلوماسية الهادئة، ويعتمد اعتمادًا كليًا على العلاقة المصرية الإسرائيلية الهادئة. مصر ليست من الدول التى تتحدث كثيرًا عن علاقاتها بإسرائيل، وأيضًا الطرف الإسرائيلى لا يتحدث عن علاقته بمصر والأردن، كلاهما ينتهج الدبلوماسية الهادئة لأن الدبلوماسية العلانية بداية طريق الشر أكثر منها بداية للبناء، كذلك هناك مآخذ على الأطراف الفلسطينية فى عدم التوحُّد وتشتيت القضية.

لكن أود أن أشير إلى أن الحديث مع إسرائيل فى غاية الأهمية، ولا يعنى الحديث مع طرف ما الاتفاق مع ما سيقول، هناك عقدة عربية تم خلقها فى العقل العربى، اسمها المقاطعة العربية الإسرائيلية، لكن ما لا يعرفه العرب أننا يمكن أن نشكل تفاصيل الخطة باللعب على الداخل الإسرائيلى، بمعنى أن إسرائيل تسمع لاستطلاعات الرأى الداخلية لديها أكثر ما تسمع لأمريكا فى خطة السلام، وهذا نهج تتبعه دائمًا، وعلى مر التاريخ، وفى كل القضايا، لأن الإطاحة بالزعماء الإسرائيليين فى الانتخابات أمر سهل، ويريد أى رئيس أو رئيس وزراء أن يُرْضِى شعبه، لذلك إذا أراد العقل الجمعى الإسرائيلى حل الدولتين فسيتم ذلك.

على سبيل المثال، جمعية «السلام الآن»، وهى جمعية إسرائيلية تخصصت فى رصد الانتهاكات الإسرائيلية فى بناء المستوطنات على أراضٍ فلسطينية، والحكومة الأمريكية كانت تعتمد اعتمادًا كبيرًا على بياناتهم ودراساتهم لأنها كانت صادقة، هذه المجموعة تعارض بناء المستوطنات أكثر من أى دولة عربية، والطرف الفلسطينى يعرف ذلك تمامًا، ويتعامل معها، وعلى الرغم من أحدًا لن يخوض الحرب بديلًا عنك، لم أرَ أى دولة تتعامل مع تلك الجمعية.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية