x

حنان مفيد فوزي بلادى حنان مفيد فوزي الجمعة 17-07-2020 01:58


مصر أغلى اسم فى الوجود، كُتب على جبين البرديات قبل أن يبدأ التاريخ، مصر الحضارة التى سبقت بعلومها وآدابها شعوب العالم، مصر الأيقونة المقدسة التى مشى على أرضها الأنبياء والرُسل، واحتمت تحت ظلها العذراء مريم كلية الطهارة، مصر القلعة الحصينة التى يلجأ إليها الجميع فى أزمنة الضيق، مصر الواحة الآمنة التى حباها الله بحدود طبيعية متينة من بحار وصحارى، مصر الجسر بين الشرق والغرب والشمال والجنوب، مصر همزة الوصل بين الماضى والمستقبل، ومن هنا هى أم الدنيا ولا مثيل لها فى الكون، كانت ولا تزال حاضنة ومضيافة للمهاجرين من كل حدب وصوب، أو لنكن أمناء، الفارين من جحيم بلادهم..

فعندما اجتاحت المجاعات بلاد المغرب والجزائر من 400 سنة هرب الآلاف خوفًا من الجوع ولم يجدوا ملاذًا سوى مصر، وعندما طرد الإسبان المسلمين المخلطين المعروفين باسم الموريسكيين لم يجدوا مكانًا إلا مصر وعاشوا فى محافظتى كفر الشيخ والإسكندرية، وعملوا فى التجارة وكسبوا الكثير من المال، وحتى بعد أن استقرت الأحوال فى بلادهم فضلوا البقاء فى مصر، وعندما قامت الحرب الأهلية من 150 سنة فى لبنان بين الدروز والموارنة فر الآلاف منهم إلى مصر قاصدين الحياة الكريمة، وفى بداية القرن العشرين لما حدثت مذابح للآرمن على يد الأتراك، هرب الأرمن من هلاك الأتراك إلى مصر الحنونة وإلى الآن لا يزال الأرمن وأحفادهم ينعمون بأمانها وخيرها.

وللأتراك أيضًا حكاوى مُرة مع المثقفين السوريين الذين كانوا أثناء احتلال تركيا لسوريا يضيقون الخناق عليهم، فلم يجدوا سبيلًا للعيش والإبداع سوى مصر التى أفسحت لهم الطريق فشيدوا جريدة الأهرام وابتكروا مئات الأفلام والفرق المسرحية، وكذلك اليونانيون الذين فروا هم أيضًا من بشاعة الحرب الأهلية وكوّنوا جالية عظيمة وأندية ومطاعم باسمهم فى القاهرة والإسكندرية. وحتى الإيطاليون أثناء الحرب العالمية الأولى والثانية قصدوا مصر للاحتماء بها ويكفى أن آخر ملوك إيطاليا اختار مصر ليموت بها.

والمقام بالمقام يذكر، آخر ملوك إيران الشاه محمد رضا بهلوى لم يجد سوى مصر تستقبله وترحب به ليقضى فيها آخر سنة فى حياته، وبالمثل بياتريس لومومبا أعظم ثائر كونغولى عندما قتلته بلجيكا بوحشية تم تهريب أبنائه إلى مصر ليعيشوا فى كنف الزعيم جمال عبد الناصر، ومرورًا من الملوك إلى المماليك سنجد أن أغلب الذين جاءوا من وسط بلاد روسيا وغيرها اختاروا مصر تحديدًا للإقامة بها، كما أننا لا نستطيع أن نغفل هجرة أهل البيت وعلى رأسهم السيدة زينب حفيدة الرسول الكريم عليه السلام وعائلتها الشريفة التى لم تجد أفضل من مصر لتقيم فيها، ولا يزال المصريون يحتفلون بقدومها كل عام فى مولدها الشهير. ومن قبل الميلاد حتى لا ننسى هروب عائلة سيدنا يوسف من قسوة المجاعة إلى مصر السخية، ناهيكم عن الهجرة السودانية والنوبية إلى مصر حتى وقتنا هذا.

والسؤال هو، ما الذى دفع المئات والآلاف عبر التاريخ من الجزائر والمغرب وليبيا وتونس والسودان والنوبة والعراق وسوريا ولبنان وفلسطين والجزيرة العربية واليونان وقبرص وأرمينيا وأوزبكستان وإيطاليا للجوء إلى مصر والاحتماء بها والإقامة فيها من دون كل بلاد الدنيا، هل لأنها جاذبة للسكن، آمنة للبقاء، شهية للعيش، سخية فى العطاء؟... ربما!.

أما الغرابة الحقة فتكمن فى أنه رغم كل ما صادف مصر وشعبها وأرضها من أهوال وصعاب وأوبئة ومجاعات وحروب واحتلال وثورات عبر الأزمنة، لم يشهد التاريخ أى هجرة جماعية خرجت منها، لم نفكر يومًا فى تركها ولا يمكن أن نتخلى يومًا عن ذرة من ترابها، هكذا مصر لنا ونحن المصريين لها، وستظل هى المبادرة فى التوصل إلى كل تسوية سلمية بين البلدان المتحاربة، والقادرة وحدها على مواجهة الأخطار والصامدة فى المحن والمنتصرة على الدوام، عاشت بلادى حرة مستقلة سالمة آمنة، وهى أهم وأكبر وأعظم من أن تختصر فى مقال ولا أملك أن أصل إلى مكانة العظيم جمال حمدان فى تشخيصه لمصر، ولكنى اجتهدت.. ويكفينى شرف المحاولة.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية