x

أيمن الجندي إسماعيل يس «2-3» أيمن الجندي السبت 19-01-2013 21:47


ثمة سيارة زرقاء اللون من طراز نصر 128 تقترب

لم يكن اهتزاز القطار هو سبب غثيانه الوحيد. انكفأ على نفسه يخمن السبب الذى يدعو المدير إلى استدعائه. الكارثة أنها شركة خاصة تتحكم فى موظفيها كيفما تشاء دون مراعاة لصالح المرؤوسين.

الأرجح أن الأمر يتصل بندبه إلى أحد فروع الشركة فى المناطق النائية، وما يترتب على ذلك من تشتيت شمل الأسرة وانقطاع الأطفال عن مدارسهم.. يا للخراب! لعل ذلك الرجل يخلع الآن سرواله المبتل ويدفع به إلى زوجته الكادحة التى راحت هى الأخرى تمطره باللعنات.

اصفح عنى يا سيدى إننى امرؤ مسكين

طفرت الدموع من عينيه ومضى يفكر، هل يتعلق الأمر بشكوى كيدية؟ هل يتم تخفيض راتبه بدعوى ضغط المصاريف؟

آه لو كان بمقدوره الاعتذار إلى ذلك الرجل المسكين؟

احترس، إن سائق هذه السيارة رجل فى منتصف العمر عيناه ذابلتان وأنفه كبير.. كبير جدا.

رحب به المدير فى كلمات مقتضبة وتشاغل بحديث جانبى مع أحد مرؤوسيه.. غاص قلبه حتى قدميه وتضاءل فى مقعده الوثير وأخجله أنه يوشك أن ينخرط فى البكاء وهو الرجل الناضج الذى يكاد يدلف إلى الشيخوخة.

ولاحت له للمرة الألف صورة ذلك الرجل الذى لوث ثيابه برعونته وكان الأحرى به أن يتمهل ولم يكن ذلك ليفضى إلى كارثة، بضع ثوان فحسب ولكنه كان أحمق متعجلا، ولعل الفجوة قد تسرب إليها ماء المجارى النجس.

قال المدير فى هدوء حاسم بعد كلمات المجاملة التقليدية:

نحن نقدر إخلاصك فى العمل وكفاءتك التى لا ريب فيها، ولكن ظروف الكساد تجبرنا - للأسف - على الاستغناء عن أكفأ موظفينا.

فغر الرجل فمه وهمس بصوت كالفحيح

ماذا؟

هو بالطبع إجراء مؤقت، وسوف نعاود بك الاتصال لدى تحسن الأحوال.

متى؟

هذا ما لا يمكننى أن أقطع به، هو أمر فى علم الغيب، ولكن تفاءل خيرا.

ولكن هل ثمة خطأ ما من جانبى

قاطعه المدير بسرعة

مطلقاً، وسوف نمنحك شهادة تفيد بإخلاصك وكفاءتك، مع السلامة.

وجد نفسه خارج المكتب ولم يكن قد استوعب تماما ما حدث. إن الفصل - دعك من الاستغناء والكلمات المهذبة - لم يخطر على باله قط، أشد مخاوفه تشاؤماً كان التوبيخ.. الندب إلى مكان ناء.. أما الفصل.. ‍‍ أما الفصل؟

وجرى ذهنه إلى شىء واحد.. أطفاله.. أطفاله الصغار، هذه الأفواه الجائعة التى صار عليها أن تبحث عن قوتها بنفسها كما يفعل الدجاج، ولا بأس من ذبح أحدهم عند الضرورة.

(نكمل غداً إن شاء الله).

[email protected]

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية