استطرد السائق: «أحيانا أقود السيارة بجوار الترعة فتحدثنى نفسى أن أميل قليلاً بالسيارة. ويلذ لى أن أتخيل زوجتى الساخطة وهى تسعى عبثا لإطعام الأفواه الجائعة وبالذات أمى. إنها لا معين لها فى الحياة ولن تدع زوجتى تفلت من براثنها. هاهاه».
- « أصارحك سراً يا أستاذ أننى لم أعد أعبأ كثيراً بأطفالى. يجوز أن عاطفة الأبوة لدى غير مكتملة أو شىء من هذا القبيل».
كان الرعب قد تملك منه فلم يبادله الحديث. تحشرج صوته. وتلعثم وأوشك على البكاء. إنه يهاب الموت. صحيح أنه لا يعبأ بالمرة بحياة هذا السائق المجنون أو بموته، فليمت فى ستين داهية ولكن فليمت وحده.
والآن ماذا يفعل؟ هل يعلو صراخه ويغادر السيارة قبل أن ينحرف بها إلى أقرب ترعة؟ أم يوقظ هؤلاء الحمقى الغافلين عن خطر جسيم يهدد حياتهم؟ ولكن تمهل. إنه مختل العقل فيما يبدو ويصعب التنبؤ برد فعله، ثم إن يأسه قد يدفعه للميل بالسيارة فى الترعة وإنهاء الموقف دراميا.
الأمثل أن يرفق به مثلما يحاول المرء إلهاء طفل عن لعبة خطرة. فيزعم له أن الدنيا حلوة.
- هون عليك يا أسطى أقصد يا باشمهندس فالحياة حلوة، انظر مثلاً، لديك أسرة وزوجة وأبناء. كثيرون يتمنون ما لديك. أليس كذلك؟ هب أن زوجتك تشاكسك قليلا. كل النساء يفعلن ذلك لكنهن والحق يقال كائنات رائعة. وأطفالك! إنك لا تعبأ بهم الآن ولكنك حتما ستفخر بهم ذات يوم. وأمك الطاهرة الغالية! لكم تدعو لك بالسلامة. فهل من العدل أن تفجعها بمصرعك؟ وأنا «وتهدج صوته» إن أولادى ينتظروننى فاستعذ بالله ولا تجعلهم أيتاما.
يا أسطى! أقصد يا باشا! دعك من هذه الوساوس الشيطانية، واذهب إلى بيتك وتناول العشاء بالهناء والشفاء، ثم لتخلد إلى نوم العافية، وثق بأنك فى الصباح سوف تصحو على خير حال.
ورمقه فى رجاء إلا أنه لم يبد عليه الاقتناع. ومن ثم فقد عاد يعتصر ذهنه باحثا عن حيلة جديدة.
«اسمع. عندى شقيقى يعمل بالكويت سيؤمن لك عقدا براتب خرافى».
رمقه السائق فى ارتياب: أنت تقول هذا لتنجو بحياتك؟
أنجو بحياتى، هذا معناه أنه ليس بواهم، إنه ينوى الانتحار بالفعل. فى تلك اللحظة فقد البقية الباقية من تعقله وصرخ مفزوعاً فأيقظ ركاب السيارة. وفى كلمات متعثرة بدأ يحكى حكايته مع هذا السائق الذى لاذ بالصمت التام. وقبل أن ينهى حديثه كانت السيارة قد بلغت المدينة بسلام.
وبينما هو يتأهب للنزول مرتجف الساقين غير مصدق بالنجاة ناداه السائق مقهقها: «وأخبار عقد الكويت إيه؟ هع هع هع …………
ركن السائق سيارته فى انتظار الدور القادم، ومضى ليحتسى كوب الشاى عند عم حسنين وهو يفكر: «إن حياة سائقى سيارات الأجرة مملة جداً لولا هذا المرح الذى يتفنن فى ابتكاره للتسلية على بعض الزبائن السذج.