فى اطار برنامج خاص بمتابعة الانتخابات الأمريكية سافرت للولايات المتحدة بدعوة من الخارجية الأمريكية لمتابعة الانتخابات وحضور يوم التصويت والتعرف على البيئة السياسية ونشاط المجتمع المدنى فى أمريكا، وأتاحت لى هذه الفرصة لقاء عدد من الأشقاء العرب من نواب البرلمان، وكذلك عدد من القيادات السياسية الشابة بعدد من دول العالم سواء من آسيا أو أفريقيا وكذلك أمريكا اللاتينية.
كل من يعرف أننى من مصر أجد لديه شغفاً كبيراً للحديث معى ومناقشتى فيما آلت اليه الثورة المصرية، وحرص الجميع على متابعة الحالة المصرية أكد لى حجم التأثير العميق الذى أحدثته الثورة المصرية فى نفوس الملايين من البشر، جميعهم يعرف ميدان التحرير جيدا ويتحدث بإجلال وتوقير لدماء الشهداء التى سالت من أجل الحرية، ويقولون «ستظل الثورة المصرية ملهمة لنا طوال حياتنا لأنها كانت ثورة إنسانية رسخت قيم الكرامة والتحدى والاباء والصبر والثبات حتى الوصول للهدف».
ولكنهم فى الوقت نفسه مصابون بخيبة أمل كبيرة من المشهد العام فى مصر الآن. تعجبت من معرفة هؤلاء بمشكلة صياغة الدستور حتى إننى وجدت ورقة مع أحدهم مترجمة إلى الإنجليزية وهو سياسى من أوزبكستان فيها اعتراضات القوى المدنية على النقاط المثيرة للجدل فى مسودة الدستور التى تم نشرها وأخذ يتناقش معى حول هذه الاعتراضات.
قال لى أحدهم: إننا نتابع التجربة المصرية بتركيز شديد لأن مصر هى مفتاح الشرق الأوسط والعالم الإسلامى، وإذا نجحت الثورة المصرية فى تغيير مصر ودفعها لمسار الدول العظيمة السائرة إلى النهضة فإن هذا سينعكس على كل العرب والمسلمين.
أما أحد القيادات الشبابية من إندونيسيا فقال لى «إننى أتفهم حالة الجدل الموجودة عندكم، فهى تشبه ما حدث فى بلادنا عقب الإطاحة بالنظام الديكتاتورى، حيث ظلت اشكالية الدينى والمدنى تأخذ من وقتنا الكثير وأرهقت بلادنا، وأثرت بالسلب على مجتمعنا إلى أن فهم الناس المعنى الدقيق لعلاقة الدين بالسياسة، وأدركوا فى الانتخابات الثانية أنهم لا يجب أن ينتخبوا من يرفعون شعارات دينية ويخاطبون عاطفتهم الدينية بلا برامج حقيقية، لذلك فى الانتخابات الثانية التى أعقبت التغيير فى إندونيسيا ذهب الناس يبحثون عن البرامج والخطط الواقعية العملية وتركوا من يقولون لهم «انتخبونا من أجل حماية الشريعة والدين».
تأملت كل هذه الكلمات ونظرت بأسى لما نحن فيه الآن بعد مرور عامين على الثورة وعدم حدوث تغيير إيجابى يمس قضايا العدالة الاجتماعية وينقذ الناس من براثن الفقر والجوع والحرمان، لأن نخبتنا مشغولة بإشكاليات بلا معنى لن تطعم المصريين أو تكسوهم ولن تنقذ اقتصادهم من الانهيار إذا استمر هذا العبث الحالى.
هناك ثورات تنجح وثورات تفشل بيد أبنائها، وعلى من بيدهم السلطة أن يدركوا أنه لا رفاهية لمزيد من العبث وتأجيل قضايا الوطن الحقيقية ومشاكل الناس بسبب خبل فكرى لدى البعض ومخاوف مرضية لدى البعض الآخر، شريعتنا وديننا ليس فى خطر، ولكن وطننا فى خطر بالغ إذا لم يبدأ خطواته فى الاتجاه الصحيح، اتقوا الله فى مصر.