ضلت الثورة المصرية طريقها بين الشرعية الثورية والشرعية الدستورية والقانونية، فلا هى حققت الأولى ولا التزمت بالثانية، وتخبط الجميع بين الشرعيتين لندخل فى إشكالية احترام القوانين القائمة - بما فيها من عوار - أم تحقيق أهداف الثورة وتجاوز العقبات القانونية الحالية.
تكررت هذه الأزمة واستغلتها بعض القوى السياسية فى المزايدات فيما بينهم، وكل يفسر احترامه للقانون حسب رأيه وهواه فى الأحكام التى تصدر باسم هذا القانون، أزمة النائب العام نموذج لهذه الإشكالية، ولكن الذى يسترعى الانتباه هو موقف بعض الثوريين الذين كانوا يطالبون دوما بتجاوز القوانين الموروثة من عهد النظام البائد والتعامل بالشرعية الثورية فى كل شىء، حيث أصبح القانون الذى كان معيبا قبل ذلك مثل قميص عثمان الذى يرفعونه ويتباكون حوله حتى إذا تم تجاوزه فى استثناء ثورى يمثل استجابة لمطالب الثورة والجماهير.
احترام القانون فى أى دولة هو دليل تحضرها ودليل سلامة المجتمع، ولا يصح الاجتزاء والانتقاء فيما نحترمه ونلتزم به. النضال من أجل تغيير منظومة التشريعات البائسة التى أغرقنا فيها النظام فرض عين لأن الثورة كُبِّلت يدها عن أشياء كثيرة بسبب هذه القوانين المعيبة، ولكن - مع عوارها - لا يستطيع رأس الدولة إلا احترامها وعدم تجاوزها لأنه أقسم على ذلك.
أخطأت مؤسسة الرئاسة فى إدارة أزمة النائب العام، وجعلت من شخص - يرى البعض ضرورة مساءلته ومحاكمته بسبب سوء أدائه - بطلا يتعاطف معه الناس، تغيير النائب العام كان مطلبا ثوريا محل اجماع، وكان ضمن المطالب الأساسية التى نزلت العديد من المليونيات من أجلها، وتأخر كثيرا ولم يعد للمشهد إلا بعد أحكام البراءة فى قضية موقعة الجمل رغم أن هذه القضية كانت تحت إشراف قاضى تحقيقات منتدب. يجب أن نلوم البرلمان السابق الذى لم يستطع أن يخرج للنور قانون السلطة القضائية الجديد الذى كان سيغير كثيرا من الأوضاع الحالية، ولكن على أية حال خلاصة الأمر هناك نقاط أساسية لا بد من التأكيد عليها بعد أحداث الجمعة.
أولاً: أخطأت جماعة الإخوان بحشد مؤيديها فى نفس المكان الذى أعلن معارضوها مسبقا التظاهر فيه ضدها، لذا كان الأولى ألا تدفع أعضاءها لمكان وتوقيت ينذر كل شىء فيه بحدوث مواجهات ومشادات.
ثانياً: رئيس الجمهورية مطالب بممارسة سلطاته للضغط على جهاز أمن الدولة والمخابرات ليخرجا ما لديهما من أدلة وتسجيلات لكل الأحداث ليمكن فتح باب التحقيق من جديد وتحقيق القصاص العادل.
ثالثاًَ: عداء بعض الرموز والقوى السياسية للإخوان يجب ألا يدفعهم لنسيان مطالب الثورة التى هتفوا بها كثيرا مشهد الجمعة المؤسف بقعة سوداء فى ثوب الثورة المضىء وكل يتحمل المسؤولية بقدر خطئه.