x

طارق الغزالي حرب كونوا أولاً أرقاماً حتى لا تُصبحوا جمع أصفار طارق الغزالي حرب الأحد 23-09-2012 21:28


الساحة السياسية هذه الأيام تشهد حِراكاً كبيرا فيما يبدو استعداداً لجولة انتخابات برلمانية قريبة، وربما تكون رئاسية أيضاً.. ومن أهم مظاهر هذا الحِراك هو الدعوات المتتالية من هنا وهناك لتجميع ما يسمونه «القوى المدنية» للوقوف أمام قوى الإسلام السياسى التى يخشى الكثيرون أنها فى طريقها إلى بسط هيمنتها على الدولة وتغيير هويتها، بمد نفوذها إلى أى مكان تستطيع أياديهم الوصول إليه وزرع كوادرها فى مفاصل الدولة الحيوية، للوصول بها فى النهاية إلى نموذج الدولة السلطوية المُستبدة التى تحكم باسم الدين وبما أنزل الله، كما يفهمونه هم، وليس أحد غيرهم. صرنا كل صباح نسمع ألفاظاً من قبيل التنسيق والتآلف والتحالف وصولا إلى الاندماج بين العديد من الأحزاب.. وأحزابنا كما أراها تنقسم إلى قسمين:

«1» تلك الدكاكين الحزبية التى أفسح لها نظام مبارك المستبد الفاسد المجال لتجميل صورته، حيث كانت تمثل دور المعارضة نظير بضعة امتيازات لقادة هذه الأحزاب الكرتونية، مع الامتثال لأوامر أمن الدولة بالتحرك فى الحدود المسموح لها بالتحرك داخلها، والقبول بما يلقيه إليهم الحزب الحاكم من فُتات فى صورة معونة مادية وبضعة مقاعد بالمجالس النيابية سواء بالانتخاب أو بالتعيين، وبالتالى فلم يكن لهذه الأحزاب الهشة مهما بلغ عمرها أى قيمة تُذكر على الأرض وبين جماهير الشعب، ولم يكن غريباً أن ينظر كثير من المراقبين إليها، باعتبارها جزءاً من النظام الساقط.. ومن أكثر الأمثلة فجاجة فى هذا الإطار حزب التجمع اليسارى وحزب الوفد الليبرالى وأحزاب أخرى نَكِرة مثل الجيل والسلام والخُضْر وغيرها كثير لا أعتقد أن أحداً يتذكر أسماءها.

«2» تلك الأحزاب التى نشأت بعد ثورة يناير العظيمة، وهذه تشمل نوعين: الأول تلك الأحزاب التى تتدثر بعباءة الدين، سواء منها من كان يعمل تحت الأرض وتعرض للمراقبة والتنكيل من النظام البائد أو هؤلاء الذين كانوا يبدون الاستعداد للتعاون مع أجهزة أمن الدولة للحفاظ على استمرار النظام مقابل السماح لهم بترويج أفكارهم الرجعية المتخلفة.. وكل هذه الأحزاب تعتمد بالأساس على انتشار الجهل والأمية والفقر للوصول إلى الناس بالرشاوى التى يسمونها صدقات وباستخدام العبارات الدينية المطاطة التى تخدع العوام مثل «بما لايخالف شرع الله» و"تطبيق الشريعة» وغيرها واختارت هذه الأحزاب أسماء موحية مثل «الحرية والعدالة» و«البناء والتنمية» و«النور»! وهى أحزاب حققت انتشاراً وقتياً بين أفراد شعب يتوق أبناؤه إلى الخبز والعدل.

النوع الثانى من الأحزاب التى ظهرت بعد الثورة تصف معظمها نفسها بكلمة فضفاضة لاتعنى شيئاً وهى أنها أحزاب مدنية، بعضها كان محاولات جادة لرجال وطنيين مخلصين لجمع الناس حول هدف تحقيق مطالب الثورة بدون المتاجرة بالمشاعر الدينية، باعتبار أن المجتمعات التى تفصل السياسة عن الدين تحقق لأبنائها مالا يتحقق نهائياً فى المجتمعات التى تتمسح فى الشعارات الدينية.. للأسف، فإن هذه النوعية من الأحزاب لم يُتح لها الوقت الكافى ولا التمويل ولا الخبرات اللازمة لبناء نفسها، وكان من أهم نقاط ضعفها هو الطموحات وأحياناً الأغراض الشخصية للداعين إليها والميل إلى الزعامة والظهور الإعلامى بديلا عن التركيز على وضوح الرؤية وتميز البرامج، مما أدى إلى ظهور الخلافات والانشقاقات داخلها بسرعة. خلاصة القول أن جُل هذه الأحزاب رصيدها الحقيقى على الأرض «صفر»، وبالتالى فإن حاصل جمع رصيدها مهما كان مُسماه «تحالف» أو «تآلف» أو «اندماج» هو «صفر كبير»!

إننى أتفق تماماً مع توجه الحزب الصاعد الواعد «الدستور» الذى دعا إلى تشكيله العديد من شباب الثورة المخلصين ومجموعة من خيرة رجال مصر الشرفاء الأوفياء الذين تصدوا بشجاعة وشرف للنظام الساقط فى عنفوانه، واختاروا رئيساً لحزبهم د.محمد البرادعى مُلهم الثورة المصرية والأب الروحى لها الذى لايسعى لمنصب أو زعامة، فأؤيد عدم رغبة الحزب أو سعيه لهذه التحالفات الصفرية، وأدعو شباب مصر الواعى المُستنير للانضمام إلى كتائب حزب الدستور بجميع محافظات الجمهورية بعد الاطلاع على وثيقة تأسيس الحزب وبرنامجه.. وهناك فرصة تاريخية الآن بعد أن ظهر الوجه الحقيقى لجماعات الإسلام السياسى وقدراتهم وسياساتهم التى تكاد تتطابق مع سياسات النظام الذى أودى بنا إلى الخراب..

نفس السياسات الرأسمالية العفنة التى همها الأول حماية طبقة رجال الأعمال، وعدم الرغبة فى الإقلال من الفوارق الشاسعة بين الطبقات، وعدم الاهتمام الجاد بمشاكل الشعب الفقير المطحون بين تعليم ردىء متخلف وصحة عليلة وخدمات منهارة. على حزب الدستور الإعلان بكل وضوح عن سياسات مُغايرة يتم توضيحها ومناقشتها مع أفراد الشعب العاديين فى كل مكان.. إن التحدى الحقيقى هو أن يكون الحزب رقماً كبيراً على أرض الواقع، بل من الفترض أن يكون الرقم الأهم فى الحياة السياسية المصرية بأفكاره الواضحة المتميزة وإبداعاته فى جميع المجالات.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية