محمد على باشا وجمال عبدالناصر وسامى شرف.. ثلاثة أسماء مفتاحية عند أى حديث عن «المؤسسة الإدارية للرئاسة»، البداية كانت عقب تولى الباشا ولاية مصر فى 1805، وشروعه فى تنفيذ مشروع تحديث جهاز الحكومة، وفى هذا السياق قام بتأسيس «الديوان العالى»، بمقر الحكم فى القلعة وعرف هذا الديوان فيما بعد بـ«الديوان الخديوى»، ثم تم تغيير مسمى الديوان فى عهد الملك فؤاد إلى «مجلس البلاط الملكى» وبقى حتى عهد الملك فاروق.
سنوات قليلة مرت بعد ثورة يوليو 1952، قبل أن يستدعى الرئيس جمال عبد الناصر أحد الضباط الصغار فى جهاز المخابرات الحربية، ليوكله مهمة تأسيس سكرتارية المعلومات التى تحولت بعد إدخال تعديلات عليها إلى الشكل الحالى لديوان رئيس الجمهورية، كان هذا الضابط هو سامى شرف سكرتير الرئيس للمعلومات وأخيراً وزير شؤون الرئاسة.
تتكون هذه «المؤسسة الإدارية» التى تختلف فى وظائفها عن «مؤسسة الرئاسة الفنية» من مستويات ثلاثة، هى ديوان الرئيس، الذى يتكون بدوره من سكرتير خاص وسكرتير معلومات يرأسهما رئيس الديوان، وإدارتا الياوران والأمناء وأفرادهما ينوبون عن الرئيس فى الشؤون البروتوكولية ويحتاج إليهم كمصدر مواز وغير رسمى للمعلومات.
الياوران: بحرى وجوى.. والمهمات: بروتوكولية وقناة معلومات موازية
فرع الياوران فى مؤسسة الرئاسة يتكون من ياور جوى وياور بحرى، يكون كل منهما مسؤولا عن إبلاغ الرئيس بكل ما يجرى فى سماء مصر وبحرها، سواء كان طيرانا مدنيا أو عسكريا أو قطع بحرية عسكرية تمر فى قناة السويس أو تقترب من المياه الإقليمية المصرية، إلى جانب النواحى البروتوكولية من ترتيبات وتجهيزات، وبالنسبة للياور الجوى تكون وظيفته متابعة وحل أى مشكلات خاصة بالطيارين أو الطائرات الرئاسية وإبلاغ الرئيس بالنتائج.
يقول اللواء طيار ساجى لاشين، الياور الجوى للرئيس المخلوع حسنى مبارك: «مهام عملى لها طبيعة بروتوكولية عسكرية، فمبارك كان رئيس الجمهورية والقائد الأعلى للقوات المسلحة، ولذا ارتبطت مهامى بالبروتوكولات الخاصة بالمقابلات العسكرية وما تشتمل عليه من استقبالات عسكرية وحرس شرف، كما أننى كنت مسؤولاً عن وضع خط السير وتنظيم مواعيد الزيارات بناء على تعليمات الرئيس، عموماً مهام الياوران معروفة وأنا كنت مسؤولاً عن كل ما له علاقة بهذه المهمة».
مهمة أخرى يقوم بها ياور الرئيس وهى نقل المعلومات من مصادر أخرى غير التقارير السيادية التى تصله، عن ذلك يقول الدكتور محمد الجوادى، المؤرخ السياسى: «كثيرا ما يستعين رئيس الجمهورية بالياوران لجمع معلومات قد تبدو هامشية لكنها تعطيه صورة أقرب عن الشارع المصرى وعن القضايا الآنية التى تشغل وقته وحديثه»، مضيفا: «يتم اختيار الياور من القوات المسلحة، وغالبا ما يكون معروفا للرئيس بصفة شخصية». وهو ما أكده اللواء ساجى لاشين فى حوار سابق لمجلة «آخر ساعة»، بالقول: «لم أعمل فى الرئاسة بناء على ترشيح ولكن تم ذلك بأمر مباشر من رئيس الجمهورية إلى قائد القوات الجوية، بعد عدة مواقف مباشرة معه، فاختارنى مبارك لمنصب الياور الجوى ونائباً لكبير الياوران وكان وقتها اللواء حسن الأخرس رحمه الله كبيرا للياوران».
عن وظيفة جمع المعلومات والتثبت منها من خلال الياوران وأمناء الرئاسة، يقول لاشين موضحا: «مبارك كان كثير الشك وكان من عادته أنه يحب استقاء المعلومة من أكثر من مصدر، حتى يتأكد من صحتها، وأذكر فى إحدى المرات أن مبارك طلب من محافظ البحر الأحمر بناء دورات مياه عمومية للسائحين فى الميادين العامة، وبعدها بفترة قام بزيارة مفاجئة نزل فيها إلى ميادين المحافظة للتأكد من إنشاء هذه الحمامات».
أمانة الرئاسة: موفدو الرئيس إلى عزاء وأفراح العائلات الكبرى
أمناء رئاسة الجمهورية واحدة من الوظائف البروتوكولية وثالث الإدارات فى مؤسسة الرئاسة، يقول عن وظيفة أمناء رئيس الجمهورية الكاتب الصحفى صلاح عيسى: «ينيبهم الرئيس لتقديم التعازى وحضور أفراح العائلات الكبيرة فى الدولة أو فى حالة زيارة مسؤول أجنبى للبلاد بشكل غير رسمى كقضاء إجازة أو أمور مشابهة، وقبل ثورة يوليو 1952 كانوا يلتحقون بالديوان الملكى من وزارة الخارجية، وكانت رتبهم الوظيفية مرتبطة بدرجاتهم فى السلك الدبلوماسى، فأحمد حسين باشا قدم إلى الديوان الملكى كأمين ثان وهى نفس درجته فى الخارجية كملحق ثان إلى أن انتهى به الحال فى عهد الملك فاروق إلى درجة رئيس الديوان الملكى وأحد مراكز القوى فى القصر».
الديوان: رئيس وسكرتيران.. معلوماتى وخصوصى
ديوان رئيس الجمهورية واحد من أهم الأجهزة الإدارية لمؤسسة الرئاسة، يتكون الديوان الرئاسى من ثلاث إدارات، الأولى رئيس الديوان أو أمين عام الرئاسة أو وزير شؤون الرئاسة، والإدارة الثانية السكرتارية الخاصة، والثالثة سكرتارية المعلومات.
عن اختصاصات الإدارات الثلاث يشرح الدكتور محمد الجوادى، المؤرخ السياسى قائلا: «الإدارة الأولى فى ديوان الرئيس هى رئيس الديوان، والذى كان يسمى وقت الرئيس جمال عبدالناصر أمين عام الرئاسة وأشهر من تولاه محمود عبدالناصر، قبل أن يتغير الاسم فى عهد السادات إلى وزير شؤون الرئاسة وأشهر من شغل هذا المنصب تحت هذا الاسم منصور حسن، قبل أن ينتهى بالمسمى الوظيفى إلى رئيس ديوان رئيس الجمهورية وصاحب هذا اللقب الأشهر هو زكريا عزمى المتهم فى قضايا فساد حاليا».
يحكى الجوادى تاريخ هذا المنصب: «بعد جلاء الحملة الفرنسية، أسس محمد على باشا الديوان العالى، قبل أن يتغير إلى «مجلس البلاط» فى عهد الملك فؤاد، وفى عهد عبدالناصر تعاقب على رئاسة الديوان عدة شخصيات منها قائد الجناح حسن إبراهيم وتم تعيينه وزير دولة لشؤون رئاسة الجمهورية، ثم أحمد حسام الدين وكان يعمل سكرتيرا عاما بجامعة القاهرة عٌين سكرتيرا عاما لديوان رئاسة الجمهورية ثم على بليغ صبرى، إلى أن جاء زكريا عزمى عام 1989».
يضيف الجوادى، الإدارة الثانية فى ديوان رئيس الجمهورية هى السكرتارية الخاصة، والتى تكون مسؤولة عن المساعدة فى ترتيب أجندة الرئيس وما يحتاجه من أمور عاجلة، ويتيح له اقترابه الشديد من الرئيس معرفة كثير من أسرار الدولة، مثل فوزى عبدالحافظ، السكرتير الخاص بالرئيس الأسبق أنور السادات وكان مشهورا بلقب «كاتم أسرار الرئيس»، كان للسادات سكرتير خاص قبله، وهو حسن نايل من ضباط الجيش، وعندما تم حل مجلس قيادة الثورة استغنى السادات عن خدماته وأرسله سفيراً إلى تونس.
وتأتى الإدارة الثالثة الخاصة بسكرتارية المعلومات، والتى يقول عنها الجوادى: «يشغل منصب سكرتير الرئيس للمعلومات أحد موظفى وزارة الخارجية عادة، ومن أشهر من تولى المنصب الدكتور مصطفى الفقى ورضا شحاتة وآخرهم السفير سليمان عواد، وتكون وظيفته كتابة تقارير سياسية يسترشد بها الرئيس فى مواضيع يطلبها ويحددها بنفسه من سكرتيره للمعلومات».