x

«المصري اليوم» تقضى يوماً داخل أقل قرى الجمهورية تصويتاً في «الرئاسة»

الأحد 17-06-2012 23:36 | كتب: ولاء نبيل |

هنا فى واحدة من بين أفقر محافظات مصر، حسب مؤشرات التنمية، استقبلت مراكز وقرى محافظة «قنا» جولة الإعادة للانتخابات الرئاسية بهدوء معتاد، لتؤكد المحافظة ما أعلنته نتائج اللجنة العليا للانتخابات فى المرحلة الأولى من أنها المحافظة الأقل مشاركة فى معدلات التصويت على مستوى الجمهورية بنسبة بلغت 25%. تضم المحافظة 10 مراكز، سجل من بينها مركز «أبوتشت» أقل معدلات للتصويت داخل المحافظة، بنسبة 12.63% من إجمالى عدد الناخبين.

هموم ومشاكل وأعباء حياة يومية اشترك فيها أهالى 36 قرية بالمركز كانت السبب الرئيسى، حسبما أكدوا، فى عزوف الناخبين عن الإدلاء بأصواتهم، فتجاهل الدولة أبسط حقوقهم ومطالبهم للعيش بحياة كريمة جعلهم فى المقابل يرفضون التضحية بـ«أجرة يوم»، من أجل الذهاب إلى اللجان للإدلاء بأصواتهم.

أجمع عدد من أبناء المركز ذى الطبيعة القبلية أن قرية «كوم جابر» تعد نموذجا صارخا لإحدى قرى المركز التى تتراجع فيها معدلات التصويت. «المصرى اليوم» أمضت يوماً بين أبناء القرية، للوقوف على أسباب تجاهل المشاركة فى واحدة من أهم انتخابات مصر.

بيوت من الطوب الأحمر وأخرى من اللبن، ارتفاعها لا يتجاوز الطابقين فى أغلب شوارع وحوارى وأزقة القرية، يغطى أسقف المنازل القش الجاف لمحاصيل الذرة والقمح والقصب، وهى المحاصيل الثلاثة الزراعية، التى يعيش أهالى القرية على خيرات زرعها وحصادها، فهى قرية زراعية، يعتمد أهلها فى المقام الأول والأخير على «الفلاحة»، لكسب قوت يومهم.

مع انطلاق صيحات مؤذن القرية، رافعاً أذان الفجر استيقظ ما يقرب من 6 آلاف مواطن من سكان القرية، ليستقبلوا الساعات الأولى من يوم سبت جديد، بدأت معه إجراءات جولة الإعادة بين مرشحى الرئاسة الفريق أحمد شفيق والدكتور محمد مرسى، فى انتخابات يعرف الأهالى أنها حاسمة، ليس فقط لمصير قريتهم، إنما لمصير مصر بأكملها.

استقبلنا فى مدخل القرية أحد أبنائها ويدعى عاطف فؤاد، مدير مدرسة «كوم جابر الابتدائية»، الذى بدأ حديثه بالتأكيد على أهمية المشاركة فى العملية الانتخابية، خاصة عندما تكون مصيرية سيتحدد بناء عليها مستقبل بلد بأكمله.

وقال: «رغم تكثيف وسائل الإعلام حملات الدعاية الانتخابية لمرشحى الرئاسة الحاليين فإن أهالى القرية لديهم من المشاغل اليومية ما هو أكثر أهمية وإلحاحاً من متابعة برامج هؤلاء المرشحين».

بدأ «عاطف» بالحديث عن أكثر مشاكل القرية من وجهة نظره، وهى الانقطاع المستمر لمياه الشرب، فقد تظل المياه مقطوعة عن القرية لمدة يومين متتاليين، الأمر الذى أجبر جميع الأهالى على تركيب طلمبات للمياه، يستخدمها الأهالى فقط فى قضاء احتياجات المنزل العادية، لأن مياهها تختلط بالمياه الجوفية والصرف الصحى، وترتفع بها نسبة الملوحة والشوائب، أما مياه الشرب وإعداد الطعام فيتم شراؤها من عربات تأتى خصيصا للقرية من مركز أبوتشت مرتين يوميا، لبيع جرادل المياه، بسعر جنيه للجردل، «ساعات الأسر بتضطر تشترى 10 جرادل فى اليوم، خصوصا فى الحر الشديد ده»، هكذا قال «عاطف».

وأوضح «عاطف» أن أحد أهم أسباب تراجع معدلات التصويت فى القرية فى كل انتخابات هو أن القرية تفقد وبشكل أساسى 1800 صوت من كتلتها الانتخابية، وهو عدد أصوات السيدات فى القرية، واللاتى لا تسمح لهن العادات والتقاليد بالخروج للإدلاء بأصواتهن، وتلك القاعدة -كما يشير- تسرى على كل السيدات بلا استثناء، فخروج وتعامل المرأة داخل القرية له حدود صارمة، كما أنها تلتزم بارتداء الجلباب الأسود الواسع، الذى يغطيها حتى أطراف أصابع قدميها.

وقال: «نادراً جداً ما نسمح لسيدات القرية بالخروج للتصويت، إلا إذا كان هناك مرشح من أبناء القرية ولدينا معه (قرابة عصب) فى الانتخابات التشريعية، دون ذلك غير متاح لهن الخروج للتصويت».

هجرة أبناء القرية للخارج، بسبب قلة فرص العمل المتاحة سبب آخر من أسباب تراجع التصويت فى اللجان، عن ذلك يقول: «العديد من أبناء القرية يعمل فى الفاعل فى دول الخليج وعلى رأسها الكويت والسعودية والإمارات، بعد أن فشلوا فى الحصول على فرصة عمل بالقرية، فكل من لا يجيد الفلاحة لا مجال لأن يجد فرصة عمل يأكل منها عيشاً سوى الهجرة من القرية».

واحدة من سيدات القرية رفضت الإفصاح عن اسمها أو تصوير اللقاء أكدت أنها لم تدل بصوتها مرة واحدة طيلة حياتها، بسبب عادات الأهل فى عدم السماح للسيدات بالانتخاب، وأن مصدر علمها الوحيد بالمرشحين هو جهاز التليفزيون، وقالت: «عرفت بالمرشحين فى الجولتين الأولى والتانية من التليفزيون، بس ما ركزتش فى أساميهم ولا برامجهم لإنى عارفة انى مش هقدر انتخب حد منهم، وكفاية زوجى ورجال القرية بيختاروا بدل منا الأصلح».

وعن محاولات أى من سيدات القرية المشاركة فى الانتخابات قالت: «المبادرة أصلا مرفوضة من قبل ما تفكر فيها، لأنها مش بس هتعمل مشكلة لنفسها لا كمان كل أهل البلد هيبصوا لزوجها نظرة مش كويسة لو سمح لها بالتصويت فى الانتخابات».

ثم تطرقت السيدة لوضع فتيات القرية فى التعليم، حيث لا تتخطى الفتيات مرحلة التعليم الأساسى فى أفضل الأحوال، وهى الأوضاع التى ارتضوا بها من عشرات السنين، ثم تجلس البنت فى بيت أبيها حتى زواجها.

بهموم الأم العائلة لأسرة أشارت إلى واحدة من أكثر مشاكل القرية التى تعانيها وهى نقص أسطوانات الغاز، الأمر الذى أجبرها والمئات من سيدات القرية على العودة من جديد، لإعداد الطعام والخبز فى «الكانون»، وهو فرن بلدى من الطين، يعمل بنيران القش والخشب، وقالت: «من أسبوعين وبعد ما وصل سعر الأنبوبة فى السوق السودا لـ 50 جنيه اضطريت أبنى فرن بلدى تانى على سطوح المنزل، جنب الفرن القديم اللى كنا بنعمل عليه من 30 سنة، علشان نوفر الغاز، وبدأنا نطبخ من جديد على الكانون ورجعنا لأيام زمان».

فى اللجنة النسائية رقم 10 بالقرية جلس أحد المشرفين على العملية الانتخابية ينتظر أن تطرق إحدى سيدات القرية باب اللجنة، كى يقوم بفتح محضر بدء التصويت، لكن الساعات مرت كما مرت فى الجولة الأولى، دون أن تطرق سيدة واحدة باب المدرسة، بالرغم من حضور جميع أعضاء اللجنة الانتخابية، ووصول أوراق الاقتراع، التى ظلت مغلفة بغلاف اللجنة العليا للانتخابات حتى انتهاء اليوم الانتخابى.

عمله باليومية كحداد يعرضه للكثير من المخاطر، التى لا يحمل لها «ناصر كيلانى - 37 سنة» هما سوى كيفية إسعافه عند الإصابة، فليس بالقرية سوى وحدة صحية، يعمل بها طبيب واحد على مدار 24 ساعة، لا يتأخر عن تقديم المساعدة للأهالى، لكن ضعف إمكانيات الوحدة الخالية من الأدوية والأجهزة الطبية يجعلهم يبادرون بالذهاب إلى أقرب مستشفى عام، وهو مستشفى مركز أبوتشت العام، خاصة فى حالات الإصابة أو المرض الشديد، حيث يبادر أهل المريض بتأجير سيارة خاصة بنحو 30 جنيهاً ثمنا لتوصيلة إلى المركز، وفى أغلب الأحوال يرفض المستشفى استقبال المرضى، لعدم توافر الإمكانيات الطبية لإسعافهم.

يقول «كيلانى»: «ظروف القرية كلها تحت الصفر، فأنا على سبيل المثال أب أعول 4 أبناء، جميعهم فى مراحل التعليم، ولم أحصل حتى على الشهادة الابتدائية، وليس لدى أى مصدر للدخل أو مجال للعمل سوى الحدادة، لذلك أخرج لرزقى من الساعة السادسة صباحاً ولا أعود للمنزل إلا بعد الغروب، وما عنديش استعداد أسيب شغلى وأضيع أجرة يوم علشان أروح أدلى بصوتى، إلا إذا وقتى سمح بعد ما اخلص آخر اليوم، لأنى ما أقدرش أضيع منى الشغلانة، خاصة أن أحوال القرية لا تسمح لأحد سوى بالعمل باليومية كنجار أو سباك أو حداد مثلى».

فى حين روى الحاج كساب أحمد واقعة تعرض حياة ابن أخته للموت، بعد أن أصابته جاموسة بضربة شديدة فى الرأس، ولم يجد وقتها من يسعفه، بعد رفض مستشفى مركز أبوتشت استقباله، وتم تحويله إلى مستشفى سوهاج العام.

وقال: «يخلو مستشفى أبوتشت من الأطباء بحلول الساعة الثالثة ظهرا، كما أن جميع الوحدات الصحية فى قرى المركز لا قيمة لها، حتى تحولت إلى مساكن للفئران، وكأنها منازل مهجورة».

فى جلبابه الواسع الذى غيرت من لونه بعض البقع الطينية المتناثرة فوقه من جراء عمله على مدار اليوم فى حقله وقف الحاج «أبوالمج» يشكو من ضعف مياه الرى التى لم تصل إلى القرية منذ 3 شهور، حتى جفت الترع تماما، الأمر الذى دمر للأهالى محصول البرسيم، فى حين لجأ آخرون إلى تركيب مواسير لرى الحقول بالمياه الجوفية، بتكلفة 10 آلاف جنيه لكل فدان، فى محاولة لاهثة منهم لإنقاذ مصدر رزقهم.

وقال: «المياه الجوفية مالحة، تتلف الأرض، لكننا لم نجد غيرها لإنقاذ المحاصيل، فى حين اضطر آخرون إلى هجرة الأرض، وتركها خالية دون زراعة، بعد أن عجزوا عن توفير الـ10 آلاف جنيه لتركيب مواسير الرى البديلة».

وبعد خروجه من اللجنة الانتخابية وقف عبدالفتاح إبراهيم، مدرس، ليشير إلى تجاهل أغلب المرشحين لرئاسة الجمهورية المناطق النائية، قائلاً: «كان (حمدين صباحى) فى الجولة الأولى هو المرشح الوحيد الذى وصل لأقرب مكان من قريتنا، حيث إنه وصل إلى قرية (سمهود)، ولم نر أو نسمع عن أى مرشح آخر».

عمل عبدالفتاح فى مجال التدريس جعله يذهب إلى اللجنة الانتخابية، لاختيار الرئيس القادم وكل حلمه هو النهوض بالعملية التعليمية، فالقرية بأكملها لا تضم سوى 3 مدارس اثنتان للمرحلة الابتدائية وواحدة للإعدادية «مشتركة»، ومدرسة ثانوية واحدة تم تشييدها العام الماضى، وكان طلبة الثانوية والتعليم الفنى يذهبون إلى مدارسهم فى مركز أبوتشت، الذى يبعد 10 كيلو مترات عن القرية، والكثير منهم كان يتراجع عن استكمال تعليمه، بسبب صعوبة الانتقال للمركز وارتفاع التكلفة، فوسيلة النقل الوحيدة المتاحة بالقرية هى عربات نصف نقل مغطاة بقطع القماش، وتكلفة أجرة الانتقال بين القرية والمركز جنيهان للفرد، كما أن أغلب معلمى القرية متعاقدون بنظام اليوم، فضلا عن أن إجمالى عدد الموظفين فى القرية لا يتجاوز 10% من عددهم.

من جانبه، أشار مصطفى أحمد، عمدة القرية، إلى أن التصويت فى انتخابات الرئاسة جاء فى وقت قاتل لأهالى القرية الذين يعانون من مشاكل فى الرى وتلف المحاصيل، خاصة أن الزراعة هى مهنة أغلب سكانها، الذين تراكمت عليهم فى الفترة الأخيرة العديد من المشكلات مثل نقص الأسمدة، وارتفاع سعرها والنقص الشديد فى المعدات الزراعية الثقيلة.

رغم تراجع الخدمات داخل القرية فإن أهلها يسددون من قوت يومهم مئات الجنيهات لفواتير استهلاك تلك الخدمات، ففواتير الكهرباء لا تقل عن 70 جنيها، على الرغم من ضعف الضغط الكهربائى، الذى يتسبب فى تعطيل الأجهزة الكهربائية، كذلك فواتير المياه التى تنقطع يوميا من الحادية عشرة مساء حتى الخامسة فجراً، ولا تقل عن 30 جنيهاً شهرياً.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية