أطفال الشوارع.. الدولة «خذلتهم».. والثورة «احتضنتهم»
منحتهم ثورة 25 يناير لأول مرة الإحساس بالأمان والكرامة والحب، عندما كانوا يبيتون فى ميدان التحرير وسط المتظاهرين لا يخشون أن ينقض عليهم بلطجى فى وسط الليل ليسرق منهم بضعة جنيهات أو أن تصرخ بطونهم من أنين الجوع أو يشتكون من عدم وجود من يضمد جراحهم. نحو 3 ملايين «طفل شارع» فى مصر وفقاً لتقديرات منظمات المجتمع المدنى، يبيتون ليلهم فى الحدائق وتحت الكبارى ووراء المنازل المهدمة، وثقوا فى حلم الثورة فى التغيير والحرية والعدالة الاجتماعية إلا أنهم صدموا بجملة من الانتهاكات والاعتداءات بعد الثورة تتخطى أعمارهم بمراحل..المزيد..
«الأسمر»: نفسى فى كشك «عمل ومبيت».. والشرطة تبطّل ظلم
«الله يسامحك يا زمن يا اللى ابتليتنا بالجراح» أغنية للمطرب حسن الأسمر، يلخص بها «كريم الأسمر» معاناته اليومية فى الشارع التى جعلته يلتصق بمطربه، لدرجة أنه اشتق منه اسمها بديلا عن اسم عائلته التى لم يعد يعرف عنها شيئا بعد 10 سنوات كاملة قضاها ما بين مؤسسة الرعاية الاجتماعية بأبوقتادة والشارع. يحكى «كريم الأسمر» أنه اضطر إلى العيش فى إحدى مؤسسات الرعاية الاجتماعية بعد أن عجز أهله عن تحمل مصاريفه حيث كان والده يتخذ من أحد الإسطبلات فى منطقة المدابغ مسكنا ومكانا للعمل: «أنا كنت شقى وباخد فلوس من أهلى وأصرفها على اللعب ولما اتنقلت للمؤسسة محدش كان بيزورنى من أهلى خالص ولما سبت المؤسسة رحت قعدت مع عيال فى أبوالريش، إحنا كتير قوى فى الشارع». «نظرات الناس» كانت تلك إجابة كريم على سؤال عن أكثر الأشياء التى تسيئه فى الشارع..المزيد..
«سيف»: عايز أحس إنى بنى آدم.. مش كلب جربان
مازال طفلا تطل منه ملامح البراءة التى لم تستطع حياة الشارع أن تمحوها تماما، يرتدى قميصا واسعا يفوق سنوات عمره الـ15، كما يفوق حجم جسده النحيل، يتجول فى إحدى الحدائق ممسكا فى يديه علبة «الكلة» يصب القليل منها فى إحدى العبوات المعدنية ويقرب أنفه منها بحرص خوفاً من استنشاق جرعة زائدة. ابتسم «سيف» ابتسامة خفيفة تحمل قدرا من السخرية رداً على سؤال عن أحلامه من الرئيس القادم، وقال: «أنا عاوز كل حاجة، بس مفيش حاجة من اللى حقولها حتتنفذ عشان أنا متشرد، مليش أصل ومليش كلمة، لكن نفسى الناس متمشيش تلطش فينا، والحكومة تبطل تبهدلنا وتقبض علينا كل ما تشوفنا. يحكى «سيف» عن 8 سنوات قضاها فى الشارع بعد أن شعر بأنه حمل ثقيل على والدته التى لم تستطع أن توفر له أدنى مقومات الحياة البسيطة: «أمى مش بتحبنى ومش عاوزانى أقعد معاها وكل شوية تطلب منى فلوس». «سيف» يؤكد أن الحياة فى الشارع تحرمه من أى حقوق «لما بجوع مش بلاقى أكل وبالليل مش بلاقى حد يغطينى، والناس بتضربنى وبتاخد الفلوس منى، مقدرش أشيل معايا أكتر من 3 جنيه ونص وإلا يتاخدوا منى..المزيد....
بالأرقام..أطفال الشوارع المقبوض عليهم خلال أحداث الثورة
التهم الموجهة إلى الأطفال: التجمهر والتعدى على منشآت حكومية وأفراد مكلفين بالخدمة العامة أو أفراد الشرطة وتعطيل المواصلات العامة، وإتلاف الممتلكات العامة والخاصة وحيازة أدوات تستخدم فى الاعتداء..المزيد..
«أحمد»: «مصر مابتحبنيش.. وحل مشكلتنا يبدأ من تغيير الاسم»
يُعرف أحمد جابر ذو السبعة عشر عاما نفسه كرجل قانون، ليس القانون الذى نعرفه جميعا ويدرسه الطلاب فى كلية الحقوق، إنما قانون أطفال الشوارع، ذلك العالم الذى أدرك قوانينه وتنظيماته حين كان عمره لا يتجاوز السابعة. غادر أحمد البيت فى عمر مبكر، فبعد انفصال والديه وزواج كل منهما بآخر لم يعد له مكان فى أى من المنزلين، مما دعاه إلى اصطحاب أخيه الذى يصغره بعامين والنزول إلى الشارع ليختبر الكثير من المواقف التى أثرت على نفسيته وأصابته بداء «التأتأة». بعد الثورة مباشرة، شعر أحمد بأن هناك أملاً كبيراً فى تغيير الأحوال وهو ما دفعه إلى العودة إلى البيت مرة أخرى ليتحمل المطالبات اليومية لوالده بإيجاد أى وسيلة للحصول على المال: «أنا قلت لازم أغير من نفسى وأرجع البيت واستحمل كلام أبويا وأشتغل أى حاجة عشان أجيبله فلوس»..المزيد...
يرصد أحمد المصيلحى، رئيس هيئة الدفاع عن أطفال الشوارع بالمنظمة المصرية للنهوض بأوضاع الطفولة، رحلة أطفال الشوارع منذ لحظة القبض عليهم، حتى إخلاء سبيلهم بما يتخلله من انتهاكات قانونية لحقوقهم، موضحاً أن عمليات القبض العشوائى على الأطفال بدأت بفض اعتصام ميدان التحرير فى 9 مارس 2011 حتى أحداث العباسية، مروراً بأحداث السفارة الإسرائيلية ومحمد محمود ومجلس الوزراء، وحمّل «المصيلحى» المجلس العسكرى مسؤولية الاستغلال السياسى لأطفال الشوارع، وإقحامهم فى الأحداث التى أعقبت الثورة، وإلى نص الحوار: ■ متى بدأ الزج بشكل رسمى بأطفال الشوارع وتحميلهم مسؤولية الأحداث السياسية التى تلت الثورة؟ - بدأ تحميل الأطفال مسؤولية الأحداث بشكل رسمى بعد أحداث مجلس الوزراء، حيث اعتبرهم المجلس العسكرى الطرف الثالث لعجزه عن توضيح ملابسات الأحداث التى كان يقودها النظام السابق، وجرى استغلال الأطفال سياسياً من قبل السلطة، حيث صدرت تصريحات بأن أطفال الشوارع هم الذين يتحملون مسؤولية حرق المجمع العلمى، وهو ما ثبت أنه عار تماماً عن الصحة، والدليل هو إخلاء سبيلهم فى أعقاب كل الأحداث..المزيد..