x

مؤرخ أمريكى يستعرض «أقوى» 5 كتب تحلل تأثير الأوبئة والطواعين فى العالم

الثلاثاء 07-04-2020 04:21 | كتب: محمد عبد الخالق مساهل |
كتب كتب تصوير : آخرون

قدم المؤرخ بجامعة فيرجينيا، كرستيان ماكميلين، اقتراحه بقراءة أفضل خمسة كتب عالمية تتناول الأزمات التى تقع فى الأوقات العصيبة التى تتفشى فيها الأوبئة، وكيفية التعامل معها، وذلك مع اجتياح فيروس كورونا التاجى العالم، ناشرًا معه مشاعر الذعر والهلع.

وقدم ماكميلين، مؤلف كتاب «الأوبئة.. مقدمة قصيرة جدا» التعريف الأساسى للوباء بأنه «مرض واسع الانتشار يؤثر على عدد كبير من الناس عبر نطاق زمنى ومكانى»، مؤكداً أن الأوبئة بصفة عامة تعبر الحدود الوطنية، وغالباً ما تكون الأنواع الحديثة منها عابرة للمحيطات.

وشرح ماكميلين- وهو عميد مشارك بجامعة فيرجينيا فى كتابه- كيف أن الأوبئة تنتشر عبر الزمان وكيف تتعامل معها المجتمعات، مع تخصيص فصول عن فيروس «إتش آى فى» المسبب لمرض الإيدز والكوليرا والملاريا والجدرى والسل، قائلا: «أستعرض فى الكتاب كيف أن النجاحات المتطورة فى الطب غيرت علاقاتنا بالأمراض».

وفرق الكاتب فى حديثه لموقع «فايف بوكس» البريطانى بين الأوبئة الحادة مثل الكوليرا، والأمراض المزمنة كالسل، موضحا أن الكوليرا يقضى على حياة الناس بشكل سريع نسبيا، بينما يعتبر السل وباء مزمنا طويل الأمد ولا يختفى على الإطلاق، فهو وباء يقع فى نطاقه، ولكنه ليس حدثا حادا له بداية واضحة ونهاية، مثل وباء الكوليرا، فعندما أصابت الكوليرا مكانا مثل هاييتى بعد الزلزال الذى ضربها فى 2010، فإنه يسرى بسرعة عبر الأبدان والمجتمعات ثم يتلاشى.

وأضاف: «بوسعك أن تعرف وباء الكوليرا فى نطاق زمنى، بينما يعتبر كل من السل والإيدز وباءين مستمرين ومزمنين».

وفيما يتعلق بنطاق الوباء، قال إن الأمر يتعلق بالمرض، موضحا أن «الموت الأسود»، وهو الطاعون الذى اجتاح أوروبا من 1348- 1351 قتل على الأرجح 60% من سكان القارة، بينما ضرب وباء الأنفلونزا فى 1919 كل جزء مأهول من أجزاء الكوكب، ربما أصاب مليون شخص على مدار فصل خريف واحد وبداية الشتاء، وينبغى فهم هذه الأرقام فيما يتعلق بالنطاق السكانى، والذى كان جزءا مما هو عليه اليوم.

وأكد أن معظم الأوبئة يتم احتواؤها فى الوقت المناسب، ولكن ما يعرف بـ«وباء الكوليرا العالمية السابعة» هو عبارة عن إحدى سلالات الكوليرا التى طوقت الكرة الأرضية منذ أواخر الستينيات، بينما ظل السل، وهو مرض معدٍ وبائى، منتشرًا لمدة طويلة وأثّر على كثير من الناس لمدة طويلة وربما قتل مزيدًا من الأشخاص مقارنة بأى وباء آخر.

وعلق «ماكميلين» على مدى تعلم منظمة الصحة العالمية أو الصين من دروس الأوبئة، قائلا: «لديهم أفضل الممارسات القائمة على تاريخ صحة عامة سابق، ولكن يبدو أنه يتم ارتكاب أخطاء مشابهة، إننى آسف أن أبدو ساخرًا للغاية، ولكن لا يبدو أن دروس الماضى تستقر فى أذهان من يتعاملون مع الوباء».

وأوضح أن المعيار الذى استند إليه فى ترشيح الكتب الخمسة يتمثل فى أن أساتذة جامعات هم من قاموا بتأليفها، فضلا عن أن القارئ العادى يستطيع أن يستوعبها بسهولة ويستمتع بها.

الإيمان والعقل والطاعون

هو كتاب استثنائى، ألّفه المؤرخ الإيطالى كارلو إم سيبولا، عن نوعين مختلفين لتفشى الطاعون فى مدينة توسكانيا الصغيرة فى غضون القرن السابع عشر، وهى الفترة التى كانت تتغير فيها الأفكار حول الدين.

وقال إن الاستجابة للطاعون فى هذه المدينة أصبح بؤرة للجدال حول ما إذا كان رجال الدين ينبغى أن يستمروا فى قيادة الحياة فيما وراء أبواب الكنيسة، لافتًا إلى أن طبقة الأطباء المهنية الناشئة والإداريين شرحوا مفاهيم مثل العدوى والإصابة بالمرض، وهى مفاهيم صارت واضحة لنا الآن، ولكنها كانت جديدة حقا آنذاك.

ويستخدم «سيبولا» سجلات قضائية، وغيرها من الأدلة الأساسية، لاستكشاف ما حدث عندما وصل الطاعون، بينما بدأ العلم يتحدى الأسلوب الذى شكّل به الدين على نحو تقليدى عقيدة الناس، وهو ما قدمه فى ثمانين صفحة من التاريخ «المذهل».

وأشار إلى أن هذه الطبقة من المهنيين الطبيين والإداريين كانت تحث السكان على ممارسة «الحجر الذاتى» كى يتجنبوا انتشار العدوى، بينما كان الكهنة الذين يسيطرون على الناس يقولون: «هذا فعل الله، ولكى نتجنب الطاعون نحتاج أن نتجمع سويا من أجل إقامة قداس».

وقال إنه فى القرن التاسع عشر، صارت التحفظات بين الفريقين من أسباب نمو الأمراض المعدية مثل السل، موضحا أن هاتين القوتين كانتا على خلاف كامل فيما بينهما، فإحداهما تقوم على الدليل التجريبى بأن الناس يحتاجون إلى عزل أنفسهم، فى حين أن الأخرى كانت تؤكد أنه كى نوقف الوباء يجب علينا أن نتجمع ونصلى لله.. ومن هنا يوضح «سيبولا» كيف أن مسائل الإيمان والعقل، مثلما يحددها، أدت إلى صراعات هائلة.

تطهير السهول

هذا الكتاب يحلل كيف غير الجدرى من تفاعل السكان، بدءا من الاتصال المبكر بين الشعوب الأصلية والأوروبيين فى كندا فى القرن السابع عشر وحتى نهاية القرن التاسع عشر.

ويركز المؤلف جيمس داشوك على الأسباب التى جعلت آليات الصيد الجديدة والتجارة فى فراء القندس، وجلد الثور الأمريكى، تنشر الأمراض بين السكان الأصليين، فهذه الأمراض غيرت جذريا من الشبكات الاجتماعية والهويات القبلية عبر نطاق هائل من الزمان والمكان.

إن الذين يدرسون تاريخ نصف الكرة الأمريكى قد يألفون الكيفية التى شكلت بها الأوبئة التاريخ بقوة، ولكن كثيرا لا يألفونها، هل تستطيع وضع رسم تخطيطى للنتائج الكاسحة التى خلفتها الأوبئة على الشؤون الدولية، على سبيل المثال، بالأسلوب الذى حرضوا به على تطهير السهول.

ويتناول المؤلف «داشوك» ثلاث آليات غريبة غيرت كندا فى الوقت الحاضر، والتى تتمثل فى ركوب الخيل والذى سمح للناس بالسفر على نحو أسرع وإلى مدى أبعد، ومن ثم ظهرت الأمراض الأوروبية، كما أدت التجارة فى جلود القندس والأسلحة إلى تفاقم العاملين السابقين، مؤكدا أن إدخال الأسلحة والجراثيم والخيول غير جذريا حياة السكان الأصليين، وكل هذه العوامل لعبت دورا «تعاونيا» مع بعضها البعض، فبدون الخيل وبدون دوافع التجارة، فإن الأمراض تميل إلى «العزل» بدلا من أن تتحول إلى أمراض وبائية، كما أنها تتسبب فى مظاهر دمار رهيبة تشمل الهجرات وانخفاض السكان الأصليين.

صناعة مرض مدارى

واستعرض المؤرخ كرستيان ماكميلين الكتاب الثالث وهو «صناعة المرض المدارى»، والذى ينفذ إلى أصول الملاريا فى إفريقيا، عندما بدأ السكان يستوطنون حول موارد المياه وعندما بدأ تنظيف الغابات، حيث يستعرض المؤلف راندال إم باكارد الطرق التى عززت بها الهجرة والزراعة انتشار الملاريا عن طريق البعوض، فهو يصحبنا على طول الطريق حتى نهاية القرن العشرين عندما أخذت مؤسسة «بيل وماليندا» على عاتقها بذل جهد مستمر لاجتثاث الملاريا من جذورها فى الدول النامية.

تم القضاء بنجاح على أمراض مثل الجدرى، لكن الملاريا، كالسل، مرض يستحيل التخلص منه بدون «معالجة بيئية على نطاق واسع» تشمل التخلص من البعوض، ومع الاحتباس الحرارى العالمى، فإن هناك احتمالاً فى أن يتفاقم وباء الملاريا ويصبح أكثر سوءًا.

ووصف ماكميلين الكتاب بأنه مقدمة لكل من يسعى لفهم أهمية الملاريا فى التاريخ العالمى.

«الجائحة الأمريكية: عوالم وباء أنفلونزا 1918 المفقودة»

تأليف نانسى برستو، وهو كتاب شيق حول جائحة تفشت منذ نحو مائة عام، والتى يقدر أنها تسببت فى وفاة نحو مائة مليون شخص فى جميع أنحاء العالم، ووفاة 700 ألف فى الولايات المتحدة.

وقال ماكميلين إن الجزء الأكثر تشويقا فى كتاب برستو هو أنها تستعرض بوضوح الأساليب التى تنم عن عدم دراية المسؤولين بمهنة الطب والإدارة البلدية بالوباء الذى يتعاملون معه، فشىء كهذا لم يحدث من قبل على هذا المستوى، وقليل هم من يفهمون كيف كانت تعمل الفيروسات فى ذلك الزمان، حيث ظن كثيرون أن الإنفلونزا هى مرض بكتيرى معد، ولكنها كانت فى الحقيقة فيروسًا.

وأوضحت الكاتبة نانسى برستو أن البلاد وقعت فى براثن الوباء دون دراية منها، وأصيب الناس بالذعر، بينما وضع الوباء فاعلية الطب الحديث فى دائرة الشك، بينما تستعرض الكاتبة كيف تعامل كثير من الأمريكيين مع مأساة فقد عدة أفراد من أسرهم، وهى فى الوقت نفسه توثق «الفقدان الجماعى للذاكرة» بعدما تراجع وباء الإنفلونزا.

وتحاول الكاتبة تقصى الأسباب وراء هذا الحدث الذى قتل جزءًا ضخما من السكان فى فترة زمنية وجيزة جدا، وأثر فى كل مكان فى البلاد، ولكنه علامة ضعيفة جدا فى الخيال والذاكرة الأمريكية، فقد مات عدد أقل بكثير من الأمريكيين فى الحرب العالمية الأولى، ومع ذلك نعتقد أن هذه الحرب بمثابة حدث أمريكى محورى.

إذن لماذا لا يحتفظ وباء الإنفلونزا بمكانة مشابهة فى الذاكرة الوطنية؟، إنه سؤال مهم.

غزوات وبائية

كان هناك ثمة اعتقاد ساد لقرون، بأن الحمى الصفراء هى وباء أمريكى حقيقى، وهى موضوع الكاتبة «ماريولا إسبينوزا» فى كتاب «غزوات وبائية» الذى رشحه المؤرخ كرستيان ماكميلين، والذى وصفه بأنه كتاب صغير رائع، وهو من النوع الذى يحبه الطلاب، «فعندما أستخدمه فى الفصل الدراسى أجد الطلاب دائما مقياسا جيدا لمدى تقبل الكتاب واستساغته».

يتناول الكتاب تأثير الحمى الصفراء على الولايات المتحدة فى منتصف إلى آخر القرن التاسع عشر وجذور تفشى الوباء، والتى يعود أصلها إلى كوبا، وهو يثير أسئلة كثيرة شائقة حول ما تستطيع دولة قوية أن تمليه على دولة أقل قوة فيما يتعلق بالواجبات التى يجب أن تؤديها كى تسيطر على المرض.

ووصف المؤرخ هذا الكتاب بأنه يكاد أن يكون تاريخا دبلوماسيا عبر عدسات المرض، موضحا أن الكاتبة إسبينوزا توضح كيف تؤثر الأوبئة على الأحداث الاقتصادية والسياسية، وهو موضوع له ارتباط وثيق كبير فى الوقت الذى يواصل فيه فيروس كورونا التاجى انتشاره من انتقاله إلى البشر فى الصين، فى حين أن كثيرين يظهرون رد فعل للوباء ليس كأزمة إنسانية فحسب، ولكن كحدث سياسى واقتصادى.

ويوضح الكتاب كيف تؤثر الأوبئة على التجارة والعلاقات الدبلوماسية بين الدول، فهناك أوجه تشابه مع العلاقة بين إنجلترا والهند فى القرن التاسع عشر فيما يتعلق بطاعون الكوليرا.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية