يرى كثيرون أن ما تشهده المنطقة العربية فى الوقت الراهن يتجاوز كونه مرحلة انتقالية تتسم ببعض الفوضى على خلفية ثورات الربيع العربى إلى مخاطر التفكك الجغرافى لبعض الدول، فى ظل مطالبات عدد من الأقاليم العربية بالحكم الذاتى وأن تصبح إقليماً فيدرالياً، حتى وصول الأمر إلى الحديث عن اتفاقية «سايكس بيكو» جديدة بين عدد من الدول الكبرى لتفتيت المنطقة.
ومع وصول رياح الربيع العربى للدول العربية بدأت بعض الأقاليم فى الدول العربية البحث عن حقها التاريخى فى الاستفادة من ثرواتها التى غالباً ما تذهب إلى خزائن الدولة، فى الوقت الذى يعانى فيه الإقليم أشد مظاهر التهميش والفقر، وأوجد انهيار الدولة المركزية فرصاً أوسع لحرية التعبير والرغبة فى تأكيد الخصوصية والهوية الفرعية
.
ويرى المؤيدون للفيدرالية أنها ستكفى البلاد شرور الصراعات والحروب الأهلية التى تؤدى إلى تقسيمها فعلياً، وتضع حداً للإهمال وتمنع تحول المركزية إلى عهد الديكتاتورية، كما أنها تضمن التوزيع العادل للثروات والصلاحيات بين الدولة الاتحادية والسلطات الفيدرالية، بينما يعتبرها المعارضون كارثة حقيقية تنبئ بتفكك الدول. وحينما أسفر استفتاء تقرير المصير فى السودان عن اختيار 99٪ من الجنوبيين الانفصال، وما ترتب على ذلك من إعلان جنوب السودان دولة مستقلة يونيو الماضى، أثار هذا الأمر مخاوف العديد من أن تصل عدوى الانفصال إلى غيرها من الأقطار العربية، الأمر الذى حذر منه وزير الدفاع السودانى عبدالرحيم محمد حسين قبل عامين، قائلاً: «انفصال جنوب السودان عن شماله سيفتح شهية الانفصاليين فى الدول العربية»، وعلى خطى الجنوب، يسعى إقليم دارفور إلى الاستقلال الذى جاء كأولى حلقات تفكيك السودان إلى دويلات، حيث اعتبر الباحث فى مجال الأمن والمخابرات حسن بيومى أن انفصال دارفور «مسألة وقت» بعد انفصال الجنوب، مشيراً إلى أن هذا الأمر سينعكس على شرق السودان،لاسيما بعد الكشف عن زيارات لمسؤولين إسرائيليين لدارفور
.
وإذا كان التهديد بانفصال «دارفور» جاء نتيجة سنوات من التهميش، فإن هذا هو السبب نفسه وراء إعلان «برقة» فيدرالية ليبية مستقلة، وتأسيس مجلس فيدرالى يرأسه ابن عم الملك الأسبق أحمد الزبير الشريف السنونسى، وذلك قبل أقل من عام على الثورة الليبية، إلا أن الفرق أن انفصال الأقاليم السودانية يأتى بدافع إثنى يفرق بين العرب والأفارقة فى السودان، وهذا العامل غير متوفر فى الحالة الليبية التى اعتمدت على قبلية سكانية كما ترجع الأزمة الليبية إلى طبيعة البلاد قبل انقلاب القائد الليبى المقتول معمر القذافى ورفاقه على الملك عام 1969، حيث كان هذا الإقليم واحداً من 3 أقاليم فيدرالية، وهى برقة وطرابلس والفزان، وبرر زعماء إقليم «برقة» ـ الغنى بالنفط ـ إعلان الفيدرالية بأنها إحدى المحافظات التى تعرضت للتهميش والتجاهل خلال عهد «القذافى»، وأنها ترغب فى تحمل مسؤولية نفسها سواء لوجيستياً أو عسكرياً
.
ومن جانبه، توقع رئيس المكتب السياسى والناطق باسم مجلس برقة أبوبكر بعيرة قيام أقاليم ليبية أخرى بتبنى النهج الفيدرالى، ويتخوف بعض المحللين من تحول برقة إلى دولة منفصلة، خاصة أن بعض قاطنى الإقليم لا يعترفون بالجمعية التأسيسية للدستور التى طالبوا بنسبة أكبر فيها ولم يحصلوا عليها.
وتعد الحالة الليبية أقرب إلى الوضع فى اليمن، مع تعاظم النزعة الفيدرالية للجنوبيين، والتى من شأنها أن تخفى رغبة فى استعادة قيام دولة مستقلة فى جنوب اليمن، تلك التى كانت سائدة قبل الوحدة عام 1990، ويستند اليمنيون فى مطالبتهم بالانفصال إلى التباين الثقافى بين الجنوب المنفتح عبر تاريخه العريق وتجربته اليسارية، والشمال ذى الطبيعة القبلية المنغلقة.
كما يعد نموذج إقليم «كردستان» العراقى دليلاً واضحاً على المخاوف التى تقضى بأن الفيدرالية هى أولى خطوات انفصال الإقليم عن الدولة الأم، خاصة فى ظل التصعيد الأخير الذى حدث بين الإقليم والعراق حول النفط، وما لوح به رئيس الإقليم مسعود البارازنى من أنه سيطلق استفتاء عاماً الشهر المقبل، يحدد من خلاله الكرد مصيرهم، فى خطوة أولى تنذر بتفكك وتقسيم العراق.
ولم تعد سوريا بعيدة عن هذه المخاطر فى ظل المعارك الطاحنة التى تشهدها البلاد بين نظام الرئيس بشار الأسد والمعارضة، والتى رأى المحللون أنها غالباً ما تنتهى إلى حرب أهلية أو تقسيم سوريا، ولعل الاضطرابات السياسية والأمنية التى تشهدها البلاد تجعل فكرة التقسيم مطروحة بصورة حادة، فضلاً عن عوامل خارجية إقليمية ودولى، وأعدت دراسة إسرائيلية بمركز أبحاث «سيكور ميموكاد» للباحثين «ألون لفين» و«يوفال بوستان»، مخططاً جديداً لتقسيم سوريا إلى دولتين الأولى عَلَوية والثانية سُنية للحيلولة دون صعود السُنة لسدة الحكم، مثلما صعد الإخوان المسلمون فى مصر.