نشر المصور البريطاني أليسدار هيكسون، عبر صفحته على موقع تبادل الصور «فليكر» قصة الاعتداء عليه واعتقاله لمدة 8 أسابيع في مصر، عندما كان يمارس عمله كمصور صحفي أثناء أحداث وزارة الداخلية، التي أعقبت مجزرة بورسعيد في فبراير الماضي.
وقال هيكسون (48 سنة)، الذي كان يعيش في مصر منذ 2007، إنه يجهز منذ فترة طويلة لكتاب موثق بالصور عن الثورة المصرية، ولكنه «وجد نفسه بين أيدي الشرطة التي لم تدخر جهدًا في إهانته وتعذيبه». وأضاف أنه بينما كان يقوم بالتصوير في محيط الاشتباكات يوم 5 فبراير الماضي، تقدمت مدرعة وعليها قوات مكافحة الشغب وهي تلقي قنابل الغاز بكثافة، وبدأ الناس يجرون بذعر وعشوائية، لكنه وجد نفسه في زقاق مسدود، ووجد عدة أفراد من الشرطة يضربونه فوق رأسه بشدة، ورغم أنه صرخ أكثر من مرة بأنه «إنجليزي»، استمروا في سحله حتى داخل وزارة الداخلية.
وأوضح المصور أنه بينما كان يتم الاعتداء عليه من قبل الشرطة، كان أحدهم يقول بصوت عال إن هيكسون «يهودي»، ورغم نفيه لهم أكثر من مرة، لكنهم استمروا في الاعتداء عليه، بالإضافة لاعتدائهم على المتظاهرين الذين كانوا يختبئون معه.
وشكك هيكسون في أن الغاز المسيل الذي كانت تلقيه الشرطة بكثافة على المتظاهرين «يحمل سمومًا ما»، مؤكدًا أنه رأى بعض الناس أمامه يعانون من «حالات قيء شديد وآخرين يرتجفون ويتشنجون بشكل لا يمكن السيطرة عليه».
وقال إنه فور وصول أفراد الشرطة للزقاق الذي دخل فيه هو وبعض المتظاهرين احتماء من الغاز ومدرعة الشرطة، قاموا بتجريده من ممتلكاته، حيث كان يحمل آلتين للتصوير، وجواز سفر ومحفظة، وأخذوا كل ما كان يحمله في جيوبه، مضيفًا أنه عندما دخل مبنى وزارة الداخلية، استجوبه كثير من الضباط، وكان منهم «ضباط يرتدون زي الجيش».
وأضاف أنه علم بعد فترة أن الشرطة ألقت القبض على 73 مصريا وسيدة كورية في الخمسين من عمرها في نفس الأحداث، ووجهت لهم جميعا نفس التهمة، «ارتكاب أعمال الشغب والعنف»، مشيرًا إلى أنهم خرجوا جميعًا بعد 8 أسابيع أو أقل من اعتقالهم.
وحكى هيكسون ما تعرض له بالتفصيل، حيث تم ترحيله في اليوم الأول لزنزانة صغيرة في سجن عابدين، و أمضى ليلته مع 30 سجينا آخر، في غرفة وصفها بأنها «ليس بها فراش أو مرحاض أو حتى مكان لقدم، تحتوي على ثلاث نوافذ صغيرة يدخل منها قليل من الضوء»، كما وصف السجناء بأنهم كانوا «مدمنين على المخدرات التي كانت موجودة بكثرة تحت أعين الضباط الذين كانوا يأخذون مبالغ من المال مقابل توصيل الطعام من الزوار للسجناء».
وأشار إلى أن الجلسة الأولى في المحكمة لم يستغرق فيها القاضي أكثر من دقيقة واحدة، لكي يصدر حكمًا بتجديد الحبس 15 يومًا أخرى، وبعدها تم ترحيله مع 25 طفلا تتراوح أعمارهم بين 13 و17 سنة في عربة ترحيلات إلى طرة.
وقال إن الأطفال السجناء حاولوا رغم قيود معاصمهم خلع معاطفهم من شدة الحر وتوسلوا للضباط والجنود للحصول على قليل من الماء، خاصة أن الهواء لم يكن يدخل لعربة الترحيلات إلا قليلا، «فما كان من الضباط سوى أن بدأوا بضرب الأطفال بسبب خلع معاطفهم، وبسبب عدم التزام الأوامر بالصمت»، موضحًا أن أحد الأطفال بعد أن صرخ فترة طويلة طلبا للماء لمدة ساعة ونصف، وقع مغشيا عليه، فجره الجنود من قدميه خارج العربة ولم يسمحوا له بالشرب سوى بعدها بفترة طويلة. وأكد المصور أنه رأى سجناء معه تعرضوا للتعذيب الشديد وظهرت عليهم آثاره ولكنهم كانوا يقولون إنهم «لا يستطيعون الإبلاغ عن ذلك».
وتابع هيكسون أنه بعد أيام نقل إلى طرة المزرعة، «التي توصف بأنها 5 نجوم بمعايير السجون المصرية»، مشيرًا إلى أنه رأى زنازين تضم أكثر من 100 سجين أحيانا، كما رأى سجناء ينتظرون نتائج التحقيق في قضاياهم منذ 5 أعوام على الأقل، رغم أن القانون يقول إن الحد الأقصى لسجنهم قبل إصدار حكم 24 شهرًا فقط، إلا أن قانون الطوارئ يمنح المحاكم القدرة على التأجيل كما تشاء، والاستمرار في سجن المتهمين دون أحكام.
وكشف أن السجناء لا يسمح لهم بممارسة أي نشاط رياضي رغم وجود ملعب لكرة السلة في السجن، إلا أن الإدارة سمحت لهم بذلك رسميًا عندما تردد أن هناك زيارة قريبة من منظمة حقوق الإنسان للسجن، ولكن لأن المنظمة ألغت الزيارة، ظلت أبواب الزنازين مغلقة، وألغيت الفكرة تمامًا.
وبعدها «تحت ضغوط من السفارات الأجنبية»، سمحت الإدارة لهيكسون وبريطاني آخر بالإضافة لأمريكي وألماني وأسترالي بالخروج أكثر من مرة خلال الأسبوع لمدة ساعة للتمشية في الطرقات بين الزنازين، «ولكن بقية السجناء لم يكن يسمح لهم بالخروج سوى مرة لتأدية صلاة الجمعة أو إذا كانت لديهم جلسة محكمة»، على حد قوله.
وأكد أن إدارة السجن «كانت تعاقب بشدة من يجدون معه هاتفا محمولا أو أي أموال، بالحبس الانفرادي في زنزانة صغيرة دون طعام أو بطانية أو أي ممتلكات لأيام».
وكشف المصور الصحفي أن السفارة البريطانية «لم تكن تبذل مجهودًا كافيا في بداية سجنه، لكن خلال الأسبوعين الأخيرين من سجنه، تغير الأمر تماما وبدأت الضغط على الحكومة المصرية وسلطات السجن»، مشيرًا إلى تضارب تقارير النيابة عنه، فتارة تقول إنه قبض عليه وحده، وتارة أخرى مع آخرين، ومرة تزعم أن الشاهد على إلقائه حجارة كان يقف بجانبه، ومرة أخرى كان الشاهد يقف على بعد أمتار، لكن كل التقارير قالت إنه «كان لديه جرح قديم في جبهته»، وهو المكان الذي تعرض فيه للضرب الشديد عند إلقاء القبض عليه.
وأضاف أنه تبين فيما بعد أن «شاهد الشرطة» هو أحد موظفي الضرائب الذي يدعي أنه كان موجودًا في المبنى المجاور لوزارة الداخلية وقت عمله، على الرغم من أن المبنى المحروق لم يعمل منذ أيام احتجاجات يناير 2011.
وقال إنه استدعي لجلسة محكمة مفاجئة قبل أيام من خروجه، ولم يتم إخطار محاميه بها، ولكن القاضي هذه المرة كان «متعاطفًا معه» فأمر بخروجه بكفالة ألف جنيه، ثم أعادوه مرة أخرى لمبنى أمن الدولة في وزارة الداخلية وانتظر لمدة 4 ساعات دون أن يعلم شيئًا وكان معه رجل فلسطيني سجين مثله، ثم أمر بعد ذلك بترحيلهما لبلادهما، على أن يمضيا الليلة في سجن عابدين، حيث رأى هيكسون سجينا يعاني من تخلف عقلي يتعرض للتعذيب على أيدي زملائه السجناء.
وأوضح أنه عندما تسلم تأشيرته من مكتب الجوازات، رأى أن ميعاد سفره قبل المحاكمة بيومين، وهو ما يؤكد أن السلطات المصرية «تريد أن يسافر قبل أن يستطيع الحصول على حقه في العدالة». واختتم بالقول إنه قبل اعتلائه متن الطائرة، كان معظم المرحلين معه من الفلسطينيين، وكان أحدهم قد تم القبض عليه وترحيله بسبب أنه «تجرأ وخرج من مطار القاهرة، رغم أنه يحمل تأشيرة دخول مصر لمدة ثلاثة أيام».