لم تغره عباءة مذهبة، ولا كرسي يحكم من فوقه العالم. لم تضحك عليه جموع تنتظر إشارة منه لتنفذ، ولا أنظمة حاكمة تنتظر كلمة من عقله ليحل عقد نسيج الوطن. كان يجلس ملكًا، يحكم شعبه، يأمر فيطاع، يعلن فيذاع، يسكن فتهدأ الجموع، يبتسم فيضحك الملكوت، لكنه كان يترك جسده فى حجرة «البطريرك»، وتسافر روحه إلى مغارته، إلى خلوته التى يجد نفسه فيها راهبًا بسيطًا «بساطة الحمامة»، ليعشش فى هدوء، مرسلاً حبل «الخشوع» إلى خالقه، ومحاطًا بخليلته الحقيقية «المحبة الإلهية»، يكتب شعر الناسك، ويجرع ماء العابد، ويضحك قلبه، مثل أشعاره أثناء الدراسة، بلقاء يغسل أفكاره بزيت اللاجئ إلى الرب.
كان يطير إلى خلوته فى «وادى النطرون» حيث رصدت عدسة الأستاذ «حسام دياب» علاقته بالمكان الذي تهفو إليه نفسه مع ظهور الشمس وغروبها، يحاكى الطبيعة القاسية ويصافح يدها، كى تمنحه القدرة، وتشحن صدره بنفحات الحياة النقية لتعينه على استكمال الطريق فى ظل الحياة.
حرمت الجبال
حُرِمْتُ البرارى وأجواءها
حُرمت الجبالَ، حرمت المغارةْ
وَعِشْتُ زِحَام الألوُف أُلَبِّى
نِداء الجميع بأدنى إشارة
وَصِرْتُ أزور وصرتُ أُزارُ
أُشّتِّتُ فِكرى بكل زيارة
■ ■ ■
وصرتُ أُجادِلُ فى الدّين غيرى
خلاص النفوسِ وقصر الدوبارة
وأشغل قلبى بالمشكلات
وأشغل فكرى بجوِّ الإدارة
■ ■ ■
فأين السكون وأين الهدوء؟
وأين الصلاةِ التى بِحَرارة؟
إذا قُلتُ إنى خَسِرْتُ أُلامُ
ويندهِشون لِهَذِى العبارة
فهم يعجبون وهم يسألون
أَجِبنا بحقك: أين الخِسارة؟
ألستَ تُنادى باسم المسيح؟
تُدافِعُ عن حَقّهِ بجدارة
ولكن ذِكْرَى حياة الجبال
تُدَغْدِغُ نفسى بأقصى مرارة
■ ■ ■
فأين فؤادى يقضى الليالى
بحبِّ الإله ويقضى نهاره؟
وما عاد ربى له كل فِكرى
تركت إلهى وأحببتُ دارهْ
وأسأل كيف تغيَّر حالى
وكيف تركت حياة المغارة
أخيراً خضعتُ لما صِرت فيه
خَضَعتُ لِربّي، قَبِلتُ قراره
(يوليو 2009)
******
يعملونى عميد
يا ما نفسى شهر واحد بس مش عايزه يزيد
يعملونى فيه عميد أو حتى نائب للعميد
كنت أعمل للسكاشن كلها ترتيب جديد
كنت أخلى الشخص يتخرج تقول زى الحديد
كنت أمشّى الشخص منكم ع العجين مايلخبطوش
كنت ألغى قسم جغرافيه ومش ناقصين مضايقه
متنا من كتر المذاكره ومش لاقيين ذاكراتنا حايقه
من غير الجغرافيه تبقى دراسة الكليه رايقه
مش ظريف الاقتراح ده يخليكم ما تسقطوش
بس أنا يا خسارة عايش وسط ناس مايعبروش
لو كانوا يعرفوا مقدارى كانوا مايسيبونيش
يعنى لو ما كنتش أعرف المناخ ده استوائى ابقى جاهل
يعنى لو ما كنتش اعرف الجبل ده التوائى ابقى جاهل
يعنى لو ما كنتش أعرف بيليزوى وكيتيزوى وميليزوى ابقى جاهل
ده كلام فارغ صحيح ده مقرر مش مريح
دى مضايقه دى سماجه بس لما ابقى عميد
و الأمل ده مش بعيد
ها ابقى الغى كل حاجه
(قالها وهو طالب فى السنة الثانية بكلية الآداب فى حفل تكريم عميد الكلية)
******
من تكون؟
يا شبيه الله تُدنيه لنا
أنت حسنٌ تتشهاه العيون
أنت رمزٌ كلما نُبصِرهُ
نزدرى الآمال والكون يهون
أنت رمز لحياةٍ طَهُرَت
اشتهى الخالق يوماً أن تكون
أنت لحنُ الروح يسرى هادئاً
يسكب النشوة فى القلب الأمين
(كتبت فى المغارة 1960)
******
كيف صرت؟
ما حياتى؟ كيف صرت
ماذا أحكى؟ لست أدرى
كنت طفلا صرت كهلا
كيف مد الله عمرى
كيف قاد الله خطوى
وتولى الله أمرى
منذ أن كنت صبيا
وإلى أن شاب شعرى
لست أدرى كيف صرت
كيف قاد الله سيرى
(قالها فى عيد جلوسه 36)
******
ماذا بعد هذا؟
سأسكن فى قصور شاهقات
وأحيا مثلما تشتاق نفسى
وأرقى مثلما أبغى وأعلو
وتشرق فى سماء المجد شمسى
أسير فتشخص الأبصار نحوى
وأحسب كل تاج فوق رأسى
وتحنى هامها الدنيا خضوعا
ويحتفل الوجود بيوم عرسى
وتهتف كل حنجرة باسمى
وأصبح وسط تمجيد وأمسى
وأملأ ساحة الدنيا غرورا
وأهمل كل ترتيل وقدس
وماذا بعد هذا ليت شعرى؟
سيجرى ضائعًا يومى كأمسى
وأفنى مثل صعلوك حقير
وأرقد مثله فى جوف رمس
ونسمة قبره ستهب حولى
ولا تفريق فى مجد وبؤس