x

الفقيه الدستوري إبراهيم درويش: الدستور لن يكتمل.. ونحن على أعتاب ثورة ثانية

الأحد 04-03-2012 23:48 | كتب: محمد رضوان |

كل شىء مرت به مصر منذ 11 فبراير انتهى، بالدم أحيانا وبالصمت أحياناً، وبما يسمى «توافق» أحيانا.. حتى جاءت اللحظة الفاصلة، لحظة رسم الهوية والمستقبل والحدود الافتراضية للوطن والمواطن والمستقبل بكل ما فيه.. لحظة المخاوف والتقسيمات والتوازنات والمقامرات.. إنها لحظة إعداد دستور ما بعد الثورة. فى الجزء الأول من حوارنا معه، رسم الفقيه الدستورى، إبراهيم درويش، صورة قاتمة لمصير الدستور، وتحدث عن أخطاء شديدة الفجاجة منذ بداية الفترة الانتقالية وحتى الآن. وفى الجزء الثانى يستكمل الحديث حول ما يجب أن يكون، يحدد مناطق الخلل ويحذر من أخطاء جديدة.. ربما لا تزال لدينا فرصة للإصلاح قبل البكاء على الوطن المسكوب.. وإلى نص الحوار:

 

 

ما الخطوة الأولى لإعداد دستور جديد وحقيقى معبر عن كل المصريين بناء على الخطوات والمواد التى تم إقرارها بالفعل؟

- لابد من تشكيل لجنة محايدة، وهذا ما قلته للمجلس العسكرى، فى حضور يحيى الجمل الذى كان مسؤولا عن هذا الملف فى ذلك الوقت، وبحضور عصام شرف، رئيس مجلس الوزراء السابق، وعدد كبير من المفكرين، ورشحت لهم بعض الأسماء.

فى رأيك كيف نحسم الجدل الذى يمكن أن ينشأ حول المادة الثانية من الدستور؟

- يوضع فى وثيقة إصدار الدستور أن مصر دولة إسلامية، لغتها الرسمية العربية والشريعة الإسلامية هى المصدر الرئيسى للتشريع، وللأقباط وأصحاب الديانات الأخرى الرجوع إلى شرائعهم. لابد أن تكون هناك معالجة لمسألة الأقباط فى مصر، ولابد أن تبقى مبادئ الشريعة الإسلامية، التى عرفتها المحكمة الدستورية العليا بأنها المبادئ التى تم الإجماع عليها، وهى قليلة جداً.

المشكلة الخطيرة التى صنعها النظام السياسى السابق هى مشكلة الأقباط، وهى صناعة سياسية بدءا من القديسين إلى نجع حمادى إلى آخره، كلها صناعة نظام، وكان هدفها إشغال الشعب، وهذا هو ما يحتم النص الذى ذكرته.

وماذا عن الحقوق والحريات؟

- الحقوق والحريات العامة سابقة على الدولة وليس صحيحا أن الدولة تكفلها، هى مكفولة بقوة الدستور، وفى الدساتير السابقة وحتى دستور 71 كان يوضع النص بالحق فى التعبير عن الرأى مثلاً، ثم يأتى فى آخره ويقال «طبقاً للقانون»، ويأتى القانون سيئ السمعة، فيسلب النص كل ما فيه، وما سمعناه عن أن هناك اتجاهات للاحتفاظ بالأبواب الأربعة الأولى فى دستور 71 لأن كلها حقائق كلام غير صحيح، لأن جميع الحقوق والحريات العامة فى تلك الأبواب مسلوبة بقوة القانون، وهنا يجب أن نفهم أولاً معنى الدستور، يعنى أن يكون هناك نص واحد يحدد الحقوق والحريات، ثم بعد ذلك تأتى السلطة التشريعية، لتوضح شروطه ومواصفاته فى القانون، لأن القانون يكون لاحقاً وربما متغيراً، أما الدستور فيجب أن يصمد ويتصف بالثبات والدوام، لأنك تصنع دستوراً لعشرات ومئات السنين، لكن قد تظهر توجهات أخرى تستلزم تغييراً فى اللائحة التنفيذية للدستور.

ما اختصاصات الرئيس فى الدستور الجديد من وجهة نظرك؟

- الرئيس يجب أن يكون محدود السلطات، محدوداً وليس منزوعاً، بمعنى أن يشترك مع السلطة التنفيذية فى وضع السياسات العامة للدولة، ويكون له حق نقد التشريع، لكن رأى الأغلبية للمجلس النيابى، وهو الذى يملك حق إصدار التشريع، لكن فوضى المجالس التى صنعها دستور 71 لا تنفع، رئيس الجمهورية السابق كان يرأس 49 مجلساً أعلى، ويتحكم فى كل شىء.

وتشكيل الوزارة؟

- التكوين الوزارى فى نظرى يجب أن يكون بإحدى طريقتين، إما من حزب الأغلبية، أو أن يكلف رئيس الحزب صاحب أكبر عدد أصوات بتشكيل وزارة ائتلافية، إذا لم يكن هناك حزب ذو أغلبية شعبية، وهذا النموذج قريب من النظام الفرنسى.

والقضاء؟

- القضاء كله مستقل بجميع هيئاته، وهناك 3 هيئات قضائية، القضاء العادى والقضاء الدستورى والقضاء الإدارى، كل هيئة منها تضع قانونا، اترك القضاء كليا، باستقلاله، لأنك لن تضع كل هذا فى نص المادة، كلما اختصرت وأوجزت أحسنت، وبهذا يكون عندك نص يبقى ليعيش، الدستور يجب أن يتضمن ما هو متعلق بسيادة الدولة والسلطتين التشريعية والتنفيذية، مع النص على استقلال القضاء، لكن ما فائدة أن تدخل فى تفاصيل المجالس القومية والمجلس الأعلى وأعمال السلطة التشريعية وهى موجودة فى موقعها فى اللوائح والقانون؟!

اجتمع السبت الماضى الأعضاء المنتخبون فى مجلسى الشعب والشورى للبدء فى اختيار لجنة إعداد الدستور.. ماذا تفترض فى تشكيل هذه اللجنة وتمثيلها للقوى السياسية؟

- أنا أقف ابتداء ضد طريقة وضع الدستور بهذا الشكل، وأعتقد أنه لن يكتمل، وإذا اكتمل فلن يبقى، والتاريخ بيننا، وسوف تكون هناك ثورة ثانية أو انقلاب عسكرى، وهذا كلام على مسؤوليتى.

لماذا تعتقد ذلك؟

- لأن العلوم الاجتماعية ومنها السياسية تقوم أساساً على الدراسات الإحصائية وليس على توقعات مبنية على أساس نظرية الاحتمالات. الانتخابات تمت بشكل غير صحى بحد أدنى، وما نتج عنها أيضاً وضع غير صحى، والمجتمع يتطور، وتم تهميش من قاموا بالثورة، ولم يتحقق أى هدف من أهداف الثورة، لمن تصنع دستورا إذن؟ هؤلاء القادمون يريدون دستورا لأنفسهم، ودعك من الكلام الإنشائى الذى يرددونه حول التوافق، لأنهم أحيانا لا يتوافقون مع بعضهم البعض، الكتاتنى قال ذات مرة إن أحمد أبوبركة لا يمثل إلا نفسه، بينما أبوبركة يعرف نفسه على أنه المستشار القانونى لحزب الحرية والعدالة، ثم تقرأ تصريحات آخرين من الحزب يقولون له «أنت لا تمثل إلا نفسك»، نحن الغلابة الذين نتلقى كل هذا.

وهل يؤدى هذا إلى انقلاب عسكرى كما قلت؟

- انقلاب عسكرى يصحح الأخطاء التى وقعت فيها التجربة من أولها، انقلاب عسكرى بقصد حماية الثورة، وليس انقلابا عسكريا على أحد، وإنما لفرض حماية صحية صحيحة قوية نظيفة آمنة للثورة، لأن الثورة لم يتحقق منها أى شىء.

لجنة دستور 71 تشكلت من 120 عضوا، 80 من مجلس الأمة، و40 من القضاة وأساتذة القانون الدستورى، اجتمعت مرتين، ثم انقسمت إلى 3 لجان، سلطة تنفيذية، وسلطة تشريعية وسلطة قضائية، هل من الضرورى أن تنقسم اللجنة التأسيسية الجديدة إلى ذات الأقسام الثلاثة أم أن الأمر مختلف؟

- عندما نجح أنور السادات فى التغلب على مراكز القوى استدعى شخصيات كثيرة، وكنت أحد الذين استدعاهم، وسألنى عن الوضع الداخلى للبلاد، وكنا وقتها تحت الاحتلال الإسرائيلى، قلت له إن أسوأ شىء أن ثورة 52 لم تقترب من المبدأ الثابت للثورة وهو إقامة حياة ديمقراطية، هذه هى شرعية الحكم، فانتقد الفكرة لكنه تحمس لتشكيل لجنة الدستور الجديد، واقترحت أسماء واقترح آخرون أسماء أخرى، وكانوا 120 عضوا، 40 منهم من أئمة القانون الدستورى والقانون الإدارى والمفكرين، واجتمعت اللجنة وأخذت صورة تذكارية، وذهب الأعضاء الثمانون من مجلس الأمة فى ذلك الوقت، ولم يعودوا، وكانت اللجنة كلها من هؤلاء الـ40 عضوا، ووضعوا دستورا، وكانت هناك لجنة للسلطة التشريعية ولجنة للسلطة التنفيدية، ولجنة للسلطة القضائية، إضافة إلى لجان فرعية للإدارة المحلية والمقومات إلى آخره.

وكيف بدأت اللجنة عملها؟

- كل عضو كان يختار اللجنة التى يريد الانضمام إليها، أنا اخترت اللجنة التشريعية، وكل لجنة كانت تختار مقررا لها، واختارونى مقرر اللجنة التشريعية، رغم أننى كنت أصغر أعضائها سناً، وهذا لم يكن يمنع الاشتراك فى لجنة أخرى، فاشتركت فى اللجنة القضائية، وكان مقرر لجنة السلطة التنفيذية أعظم أستاذ فى تاريخ مصر كلها، المرحوم عبدالحميد متولى، ووضعنا مشروعا رائعا عظيما، وسلمناه لرئيس الجمهورية، للاستفتاء عليه فى أول سبتمبر 1971، فى 3 أو 4 سبتمبر نشر دستور مختلف كليا، ولدى كتاب فيه توثيق هذا الكلام، ومن وثقه عبدالحميد متولى وكنت معه.

كم من الوقت يمكن أن يستغرقه إعداد الدستور؟

- بالطريقة السليمة والصحيحة لن يستغرق أكثر من شهر، إنما بالطبخ وكل واحد يريد عمل دستور على مزاجه ودستور مفصل على مقاسه، هذا شىء آخر وهذه حالة خطيرة جداً جداً.

كان التوجه العام لدستور 71 فى صياغته الأصلية قبل تزوير السادات له إقرار نظام مختلط بين البرلمانى والرئاسى، هل هذا صحيح؟

- نعم صحيح، وتحدث عنه بالتفصيل عبدالحميد متولى نفسه، أنا نقلت كلامه حرفيا. أنت لا تستطيع أن تأخذ دستورا يوافق مجتمعا معينا، لتضعه فى مجتمع مختلف كليا، النظام الرئاسى لا يصلح فى مصر، وهذا نتيجة الممارسة فى الولايات المتحدة الأمريكية، والنظام البرلمانى نشأ سنة 1228 فى إنجلترا أى أن عمره أكثر من 10 قرون، ولا يناسب مصر أيضاً، والتوازن بين سلطات رئيس الجمهورية ومجلس الشعب هو الأنسب لمصر، مع الاستقلال الكامل والفعلى للسلطة القضائية.

لكن المجلس العسكرى يرغب فى نظام رئاسى تكون لرئيس الجمهورية فيه سلطات قوية؟

- لن يتحقق للمجلس العسكرى ما يريد، وأنا أعتقد أن عليه أن ينشر وثائق من 25 يناير حتى خروجه من الحكم، لأنها خاصة بتاريخ مصر.

هل ترى مستقبلا لنسبة الـ50% «عمال وفلاحين» فى الدستور الجديد؟

- أعتقد أن الإخوان غير مقتنعين بها، لكن قد تبقى لفترة. وفى النهاية هى غير دستورية على المستوى العالمى، لأنك إذا منحت العمال والفلاحين 50%، واذا أخذت بكوتة المرأة، فما المانع أن تكون هناك كوتة أيضا للأقباط، وهذا يعنى أنك قسمت الشعب إلى طبقات وفئات.

ومجلس الشورى.. هل تعتقد أنه سيستمر فى الدستور المقبل؟

- أنا ضد مجلس الشورى كليا، وكثير ممن أعرفهم من حزب الحرية والعدالة غير مقتنعين به، لكن لا أعرف إذا كانوا سيغيرون رأيهم أم لا، خصوصا أن عندهم مجلس شورى الإخوان، فلماذا لا يكون عندهم مجلس شورى على مستوى الدولة؟

من ترشح للجنة التأسيسية التى ستعد الدستور؟

- أرشح فاروق جويدة وسيد حجاب، وعبدالغفار شكر وممدوح حمزة وعلاء الأسوانى، وجابر جاد نصار، الأستاذ فى جامعة القاهرة، ومحمد حسانين عبدالعال، أستاذ القانون الدستورى، الذى كان عضواً فى لجنة التعديلات الدستورية، وكان مغلوبا على أمره، وجميعهم كانوا مغلوبين على أمرهم، ومن سيطر عليهم كلهم صبحى صالح بمن فيهم طارق البشرى. وأرشح أنس جعفر، أستاذ القانون الدستورى فى بنى سويف.

ما شكل السلطة التنفيذية فى الدستور الذى تريده مصر؟

- أن تكون وزارة لا يتجاوز عدد أعضائها 15 وزيراً. التكوين الوزارى يجب إعادة النظر فيه، لتجميع الأنشطة المتماثلة فى وزارة واحدة، ثم تحديد رواتب الوزراء مقدما، خصوصا بعد أن قال حازم الببلاوى إن راتبه على الورق كان 2200 جنيه، وبعد 40 يوما وجده 40 ألف جنيه، وتفعيل مواد القانون الخاصة بتضارب المصالح. أنا ضد أن يكون هناك وزير من رجال الأعمال، وضد أن يكون رجال الأعمال وزراء، ويجب أن تكون السلطة التنفيذية قادرة ومبنية على الكفاءة وليس المحسوبية أو الواسطة.

كيف ترى السلطة التشريعية فى الدستور الجديد؟

- أرى أن ينص الدستور على مجلس واحد من 600 عضو، توفيرا للنفقات، أو حتى 500 عضو، وبعدها يأتى القانون ليشترط أن يكون المرشح حاصلا على الأقل على شهادة جامعية، وعمره 25 سنة، فى تركيا قال أردوجان إن من له حق الاختيار له حق الترشح، وهذا يعنى أنه يريد أن ينزل بالسن إلى 20 سنة، «عايز شباب».

ألا يعنى شرط الحصول على شهادة جامعية حرمان فئات مثل الفلاحين والعمال؟

- نحن نريد سلطة تشريع، والنائب مشرع، هل ستأتى بعامل أو فلاح، لكى يشرع لك، هذا يدفعك إذن إلى الأمية، هذا من وجهة نظرى، ومن الممكن أن نتفادى ذلك بشرط الحصول على شهادة متوسطة.

والسلطة القضائية؟

- السلطة القضائية يجب أن يعاد النظر فيها كليا، ويبدأ من البوابة التى تورد للسلطة القضائية «كليات الحقوق، دراسات متخرجة فى كليات الحقوق» إلى أبعد الحدود لمائة عام، خريج كلية الحقوق لا يستطيع أن يكتب حتى مجرد خطاب عادى، أنا مؤمن جدا بمشروع أحمد مكى فى هذا الصدد.

نتيجة انتخابات مجلس الشعب جاءت معبرة عن القوى السياسية الفعالة والمنظمة قبل الثورة، ولم يحظ شباب الثورة بنصيب فيها، هل ترى أنه يمكن أن يتكرر نفس الأمر فى الدستور، بمعنى أن يأتى الدستور معبرا عن الفائزين فى الانتخابات فقط ومستبعدا أفكار وآراء وطموحات شباب الثورة؟

- بالتأكيد، ولا سيما أنهم حسب تصريحاتهم أعدوا الدستور بالفعل، والثورة لم يتحقق منها شىء، هم قالوا اذهبوا إلى ميدان التحرير وإنهم لقاعدون، كانوا آخر من ذهب إلى ميدان التحرير وأول من انسحب من الميدان.

أين ترى موقع المجلس العسكرى فى معركة الدستور؟

- لا يستطيع أن يفعل شيئا، لأنه حاول من خلال الحوار والوفاق الوطنى، الذى تولاه كل من يحيى الجمل وعبدالعزيز حجازى، ثم وثيقة السلمى، فآخر اجتماع للسلمى قال فيه: «نحن نقدم توجهات ولن نقيد بها لجنة الـ100 الخاصة بالدستور».

لكن الإخوان تراجعوا فى الفترة الأخيرة عن تحفظاتهم؟

- هذا أعتبره تكتيكا، حتى يعملوا الدستور الذى يريدونه.

النوايا يعلمها الله، لكن الأمور والتصرفات والسياسات هى الظاهرة.. فى هذا الإطار، هل تكشف إدارة المجلس العسكرى فى الفترة الانتقالية نوايا معينة؟

- أنا أحلل وأحكم على سلوكيات منذ 11 فبراير إلى الآن، هناك تخبط، ولم يف المجلس العسكرى بما قاله عن حماية الثورة، واستجابته لما يسمى التخوين، العدوان على الثوار، تبنى اللهو الخفى أو ما يسمى الطرف الثالث، سواء من خلال بياناته أو بعض أعضائه، منذ 11 فبراير إلى الآن صفر من المائة، وهذا معناه ضعف، وناتج عن استشارة أهل السوء. الرئيس عبدالناصر كان يقرأ، والسادات كان يتخذ القرار، ثم يجد مبرراته، حسنى مبارك لا كده ولا كده.

البعض يرى سيناريوهات بشأن إجهاض الثورة؟

- من يوم تنحى مبارك وهى موجودة لإنهاكها والقضاء عليها، وعلى الأقل المجلس العسكرى لم يحمها من هؤلاء، انظر لمن كانوا فوق مجلس الشعب كيف دخلوا وأطلقوا النار على الثوار، كل هذا ما بعد نجاح الثورة هو مسؤوليته الأخلاقية والقانونية والسياسية وكل شىء على المجلس العسكرى، لم يحدث طبعا.

هل ترى أن هناك تناقضا بين المجلس العسكرى والثورة؟

- هناك تناقض كبير طبعا، المجلس العسكرى يفعل شيئا والثورة تطلب أشياء أخرى، ما الذى حققه المجلس العسكرى، لم يتخذ قرارا اقتصاديا واحدا، ما تحقق هو كل ما نعانى منه الآن، الإعلان الدستورى الأول، والإعلان الدستورى الثانى، ثم الاستفتاء، والتخوين، وقضية التمويل الأجنبى.. الوضع الآن خطير جداً.

ماذا تعنى بأن الوضع خطير؟

- المشهد الآن، هناك شباب قاموا بالثورة، هذا مشهد، ولم ينجح أى هدف من أهدافها، الضلع الأول فى المعادلة القائمة الآن شباب الثورة، أو الثوار، أو الثورة، أياً كانت تسميتهم، والمجلس العسكرى بما أصدره من إعلانات وبما وقع فيه من أخطاء وخطايا، والضلع الثالث أو الأهم هو الانتخابات التى تمت وصعود التيارات الدينية، والمناداة بدولة دينية أو بحد أدنى دولة ذات مرجعية دينية، والاثنان تلاعب بالألفاظ، فالدولة الدينية هى نفسها الدولة المسماة «ذات المرجعية الدينية»، ما الفرق، وماذا بعد اكتمال العملية الانتخابية وانعقاد المجلس يوم 23 يناير 2012 ومرور عام على الثورة التى لم يتحقق منها أى هدف على الإطلاق؟! ما بين هذه الأضلع الثلاثة لهذه المعادلة هناك أخطاء خطيرة جدا وأسرار أخطر وخطايا أشد خطورة فى إدارة شؤون الدولة سواء من المجلس العسكرى أو بعض أعضائه، أو أعضاء الحكومة.

تقول إن أهداف الثورة لم يتحقق منها شىء، لكن البعض يتحدث عن رموز نظام على رأسه مبارك وراء القفص، وانتخابات لم تتعرض للتزوير، وجدول معلن لتسليم السلطة ينتهى فى 30 يونيو، ما يعنى لدى هؤلاء أن مصر كلها تسير فى تنفيذ أهداف الثورة؟

- هذه رواية خاطئة كلها، أولاً الانتخابات لم تجر بنزاهة وشفافية، لأن الجو كان مسموما، فكل الاتجاهات وخطب المساجد وكل الدعاية كانت تقول فى استفتاء 19 مارس إن من يقول «نعم» يدخل الجنة ومن يقول «لا» يدخل النار، وفى الانتخابات من ينتخب الجهات الدينية أيا كان سلفيين أو «إخوان» يدخل الجنة. إضافة إلى تجاوزات كثيرة جدا، بسبب ضعف اللجنة العليا للانتخابات، فاللجان الانتخابية لم تكن منضبطة على الإطلاق، وعمليات الإملاء على الناخبين لم تكن خارج اللجان فقط، بل من داخلها أيضا، وكان رئيس اللجنة الانتخابية المنوط بضبط العملية الانتخابية بأكملها يقول «من عنده شكوى يروح النيابة، ويروح المحاكم»، ما وظيفته إذن؟ الأمر كله فى رأيى كان «شو إعلامى»، والقول بأن الانتخابات تمت تحت رقابة قضائية قول تافه، والظواهر كثيرة جدا بل القواعد بل المشاهد بل الوقائع، وسوف يظهر ذلك بعد فترة وجيزة، فالانتخابات لم تكن شفافة ولا نزيهة، ولا تقل أبدا إنها تمت تحت رقابة قضائية.

كيف تصف هذه الأمور؟

- أضعها فى إطار ما تم من أخطاء وخطايا منذ 11 فبراير، هناك مسائل خطيرة جدا جرت فى الفترة من 24 يناير إلى 11 فبراير، على المجلس العسكرى أن يعلنها، لأنها ملك تاريخ مصر، خطاب عمر سليمان المكون من بضعة أسطر فيه خفايا كثيرة جدا، وما حدث يوم 10 فبراير أن الرئيس سافر إلى شرم الشيخ، بعد أن عين نائبا لرئيس الجمهورية وترك الأمور، دعنا نعد إلى الوراء بضعة أيام فى يوم 26 يناير الرئيس أصدر قرارا جمهوريا بتكوين لجنة، لتعديل بعض المواد من الدستور، خصوصا المادة 76 وما بعدها والتى تمت سنة 2005 وتعديلات 2007 وكلها كانت لإحكام عملية التوريث، أنا حدث اتصال معى من عمر سليمان ومن فتحى سرور بأن الرئيس يريد تعديل بعض المواد فى الدستور، فقلت «لا.. الدستور لا يصلح للتعديل ولا للترقيع»، وأنا قلت هذا الكلام مليون مرة، وقلت إن الدستور لا يصلح إطلاقا، لأن كل السلطات فى الدستور مبرمجة ومخصصة فى يد رئيس الجمهورية وقلت «لابد من تغيير الدستور بأكمله»، اللجنة جلست تتشاور وتروح وتيجى، فقالوا «هنحط كلمة وغيرها فى القرار الجمهورى»، القرار الجمهورى صدر يومى 26 و27، وكنت عضوا فى اللجنة التى اجتمعت مرة واحدة، لأن أحداث الجمعة 28 كانت النهاية، ولم تجتمع بعد ذلك، وقلت للجنة إنه لابد من تغيير الدستور وأنا سأواصل العملية.

هل لديك معلومات عما دار فى اللحظات الأخيرة للنظام السابق بشأن التنحى؟

- هناك بعض المعلومات التى سربت، مفادها أنه عندما زحفت الجماهير إلى القصر الرئاسى، اتصلوا بمبارك فى شرم الشيخ ليلة 11، قالوله لازم التنحى، وعبروا بكلمة التنحى، وده غلط، كان يجب أن يقال الاستقالة، قال لهم طيب خلاص اكتبوا جواب وابعتوه لشرم الشيخ علشان اذيعه من شرم، فقالوا له الوقت لا يسمح، وجاءوا بأحد الأشخاص من المحكمة الدستورية العليا وأعتقد أنه رئيسها حسب التسريبات اللى طلعت، فصاغ هذا الخطاب بغير دستورية وغير قانونية وغير واقعية، وأخذه أحد اللواءات واتجه به إلى التليفزيون المصرى.

الكثير من الناس يرى أن الواقع تجاوز هذا الأمر وأن المجلس العسكرى ليس موجودا بشرعية هذا القرار، وإنما بشرعية الثورة؟

- فى 13 فبراير أصدر المجلس العسكرى مرسوما أو إعلانا دستوريا مكونا من 9 مواد، كله أو معظم بنوده خاطئة، لأنه مثلا على سبيل المثال ينص على تعطيل العمل بأحكام الدستور، وهذا خطأ، لأن الثورة تسقط الدستور وفى خلال يومين شكل لجنة لتعديل بعض مواد الدستور المعطل، وكان المسرح الذى تم فيه الاستفتاء خطيراً جدا، وفى 30 مارس أصدر المجلس الأعلى إعلانا دستوريا ثانيا تضمنت 62 مادة منه المواد المعدلة والباقى 49 مادة منقولة حرفيا من الدستور السابق بأخطائها اللغوية والإملائية، يبقى احنا عملنا إيه؟!

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية