x

إبراهيم درويش: الإخوان والسلفيون يأخذون مصر إلى «دستور الدولة الدينية» (حوار)

الأربعاء 29-02-2012 18:11 | كتب: محمد رضوان |

فجر الدكتور إبراهيم درويش، الفقيه الدستورى، العديد من المفاجآت حول دستور 1971، أهمها طريقة اختيار الرئيس الراحل أنور السادات للجنة، وأكد «درويش» أن «السادات» لم يعط مجلس الشورى أى اختصاص تشريعى على الإطلاق، وبالتالى يجب توضيح حجم المصيبة التى وضعتنا فيها التعديلات الدستورية، عندما أشارت إلى أن السلطة ممثلة فى مجلسى الشعب والشورى، رغم أن المجلس الأخير الذى أنشىء فى 1980 لم يكن موجوداً فى النظام السياسى المصرى.

وقال «درويش» إنه لا يجوز للمجلس التشريعى أن يخلق الدستور، بمعنى أن الدستور هو الذى يشيد ويرسم حدود السلطات الثلاث، لأنه البناء السياسى للنظام، وأكد أن المجلس العسكرى ليست له خبرة بالمسائل الدستورية، والمسؤولون عن الخطايا والأخطاء التى شابت الإعلان الدستورى هم من صاغوا مواده بهذا الشكل، مشيراً إلى أن بداية وضع الدستور خاطئة، ما يعنى أننا نبنى دستوراً على منهج خاطئ بالكلية، وبدأ المجلس العسكرى ينتبه إلى أن الاتجاه يسير ناحية الدولة الدينية أو الدستور الدينى.

المادة 60 من الإعلان الدستورى المؤقت التى تنص على اختيار اللجنة التأسيسية لوضع الدستور افتقدت التفاصيل التى تحدد كيفية الاختيار وأسسه، هل تعتبر هذا قصوراً فى المادة أم أن الأمر يتطلب قانوناً خاصاً؟

- المادة 60 أحد الأخطاء التى ارتكبها من صاغ الإعلان الدستورى، أو من أشار على المجلس العسكرى بوضعها، وهذا الكلام سبق أن قلته لأعضاء المجلس العسكرى فى اجتماعات عدة، فتلك المادة تنص على أن يجتمع الأعضاء غير المعينين فى أول اجتماع مشترك لمجلسى الشعب والشورى بدعوة من المجلس الأعلى للقوات المسلحة خلال 6 أشهر من انتخابهم، لاختيار جمعية تأسيسية من 100 عضو تتولى إعداد مشروع الدستور الجديد للبلاد فى موعد غايته 6 أشهر من تاريخ تشكيلها، ويعرض هذا المشروع على الشعب للاستفتاء عليه.

فى البداية يجب أن نوضح أن المصيبة التى وضعتنا فيها التعديلات الدستورية التى تم الاستفتاء عليها فى 19 مارس، هى حتمية قيام السلطة التشريعية ممثلة فى مجلسى الشعب والشورى، رغم أن مجلس الشورى الذى أنشئ عام 1980، لم يكن موجوداً فى النظام السياسى المصرى، بل أنشأه الرئيس السادات، وكنت حاضراً فى هذا الوقت عندما قال السادات «إحنا عاوزين نعمل مجلس العائلة زى المصطبة كده نقعد عليه ونحل مشاكلنا».

أنت ترى أنه لم يكن هناك داع لاستمرار مجلس الشورى؟ وكان من الواجب إلغاؤه فى الإعلان الدستورى؟

- لم يعط السادات مجلس الشورى أى اختصاص تشريعى على الإطلاق، وما زال الوضع هكذا حتى الآن، حتى بعد تعديلات 2007، لا يملك الشورى أى اختصاص تشريعى، وإنما يبدى رأيه فيما يحيله رئيس الجمهورية إليه، لذلك تجد النظام السياسى وفق دستور 71 ووفق هذا الإعلان الدستورى، الذى نحكم به الآن، متمسكاً بأن تكون السلطة كلها فى يد رئيس الجمهورية، وهو من يعين رئيس مجلس الشورى، ولا أحد يفهم ما هو الداعى من هذا التمسك والإصرار. الدول المركبة فقط التى تتكون من ولايات مختلفة ومتنوعة فى الكم والحجم، هى التى تتكون فيها السلطة التشريعية من مجلسين، فينتخب المجلس الأول على أساس معيار عدد السكان، والمجلس الثانى يكون بالتساوى بين المحافظات، وأول تجربة كانت فى الولايات المتحدة الأمريكية، حين وضع دستورها سنة 1779، واستمر نظامها السياسى حتى الآن، بأن يمثل مجلس الشيوخ كل ولاية بشيخين، ومجلس النواب منذ قرنين وربع 455 نائباً، أما فى مصر ما شاء الله وصل عدد نواب الشعب إلى 500 نائب، وكان فى المجلس السابق 518، نحن نعيش فى دولة موحدة، دولة بسيطة لا تحتاج إلى مجلسين.

لكن مجلس الشورى لم يكن الخطأ الوحيد فى الإعلان الدستورى؟

- نعم والإصرار أيضا على نسبة 50% عمال وفلاحين، والتى وضعتنا فى مأزق، فهذه النسبة لم تكن فى الدساتير المصرية السابقة أيضا، وإنما تم وضعها سنة 1964، ولم يحدث فى تاريخ مجلس الأمة ومن بعده مجلس الشعب حتى يومنا هذا، أن دخل المجلس عامل أو فلاح، كلهم كانوا أصحاب أموال ورجال شرطة سابقين، إذن حين تنص المادة 60 على أن يجتمعوا ويختاروا اللجنة التأسيسية، وفق الصياغة الحرفية والتفسير الحرفى للمادة 60 من القانون القائم أن أعضاء مجلسى الشعب والشورى المنتخبين هم الذين يختارون، لكن فى تفسير آخر أنهم ممكن يختاروا من أنفسهم أو من غيرهم، إنما أساس الاختيار من داخل الأعضاء.

المادة 60 لم تكن واضحة فى أن عملية الاختيار تتم من داخل مجلس الشعب أو الشورى أو من خارجهما؟

- المادة تحتمل التفسيرين، فإذا أراد التيار الإسلامى كله أن يختار اللجنة من داخل المجلس، فهو وشأنه، وإذا أراد أن يختار جزءاً من داخل المجلس أو من خارجه فمضمون المادة يحتمل.

هل نفهم من مضمون هذه المادة أن الاختيار بالانتخاب؟

- كلمة الاختيار عندما تنتقل من النص إلى الواقع العملى، تعنى أن الأمر متروك للحزب أو التيار الغالب، وبعيداً عن الناحية النظرية، نحن نسمع عن أن الإخوان المسلمين وضعوا الدستور فعلاً خلاص، وانتهوا من اختيار اللجنة.

الخطورة تكمن فى الأمر منذ بدايته، لأن هناك مبدأ جوهرياً جداً لا يمكن إغفاله، وهو أن الدستور هو الذى يخلق المجلس التشريعى أياً كان اسمه، مجلس أمة، أو مجلس شعب، أو مجلس شورى، أو مجلسين معاً، ولا يجوز للمجلس أن يخلق الدستور، بمعنى أن الدستور هو الذى يخلق ويشيد ويرسم السلطات الثلاث، لأنه البناء السياسى للنظام، ومن ثم الدستور أولاً، الدستور أولا، الدستور أولاً.

وأنا أؤيد رأيى بحكم المحكمة الدستورية العليا الصادر بتاريخ 17 ديسمبر 1994، عندما قالت فى القضية رقم 13 لسنة 15 قضائية دستورية، وذكرت حرفياً إن «الوثيقة الدستورية» تخلق سلطات الدولة بما فيها السلطة التشريعية وتقرر مسؤوليتها والقواعد التى تحكمها، وبالتالى يكون المقرر فى قضاء المحكمة الدستورية أنه يجب أن تعلو الجهة التأسيسية على ما عداها وهى التى تضع الدستور.

كيف ترى إذن الطريقة الأنسب لوضع الدستور؟

- أحدث طريقتين لوضع الدستور، إما باختيار جمعية تأسيسية منتخبة لغرض واحد فقط، هو وضع الدستور، وهذه الطريقة مع ارتفاع رقعة مصر ونسبة الأمية، قد تكون فيها مخاطر.

الطريقة الثانية وهى ما طبقتها تركيا، وعاصرت تجربتها نظرياً وعملياً، واشتركت فى وضع الإطار العام للدستور فى تركيا فى مايو 2011، عن طريق لجنة محايدة، لأن الدستور يجب أن يوضع باعتبار أنه وثيقة تستمر لمئات السنين، وأنا بدأت دراسة دستور تركيا عندما وجهوا لى الدعوة للمشاركة فى تعديله، ووجدت أن الأوضاع فى تركيا خلال عام 2002، تتشابه مع أوضاعنا الآن إلى حد كبير.

أما أحوال تركيا الحالية فهى مختلفة، فهى من الناحية الاقتصادية متقدمة جداً، وأردوجان الذى كان يظنه البعض قائداً للتيار الدينى، أثبت اعتناقه التيار الليبرالى الذى يركز على التنمية الاقتصادية.

وكيف تشكلت اللجنة التى وضعت الدستور فى تركيا؟

- اللجنة كانت تضم حوالى 16 شخصاً، رشحهم ما يقرب من 15 حزباً، كل حزب رشح شخصاً واحداً محايداً، وهناك أحزاب رشحت شخصين أو ثلاثة، المهم أن اللجنة كانت محايدة، وضمت عدداً من المفكرين والشعراء والأدباء.

ما الآلية التى اتبعتها اللجنة لوضع الدستور الجديد؟

- بدأت بدراسة تاريخ الحكم فى تركيا منذ الدولة العثمانية، بالأوراق والمستندات، واستعرضت التجارب الدستورية التى مرت بها، منذ دستور 23 وحتى الآن، وعقدت لجان استماع محترمة، عرضت فيها كل الأحزاب والأقليات والنقابات وجهات نظرها برقى رفيع المستوى، وقدموا أوراقاً واستمعنا إليهم بروح طيبة ودون أدنى خلاف على الإطلاق، وتم تجميع كل الآراء ونقاط التوافق، ونقاط الخلاف، وأوجه التشابه فى الرؤى التى طرحت، ثم تمت مناقشتها، وبدأت اللجنة فى الصياغة، وقررت طرحه أولاً لإبداء رأى الشعب فيه، وتوجهات المجتمع، ثم يعاد ضبط صياغته، ثم يطرح على الشعب مرة أخرى للاستفتاء، وهذا أرقى منهج لوضع الدستور، أعتقد أننا يجب أن ننظر له بتفحص.

هل كان يتحتم على من صاغ تلك المادة أن يحدد شروط ومعايير اختيار أعضاء اللجنة وكل التفاصيل المتعلقة بعملها؟

- هى بداية خاطئة بكل المقاييس، وستسجل باعتبارها أكبر خطيئة فى تاريخ الحركة الدستورية فى مصر، وأعتقد أن الأمر لم يلتبس على من وضعوها، خصوصاً أن من بينهم عدداً كبيراً من أعضاء المحكمة الدستورية العليا، وهم بالتأكيد يعلمون حكم المحكمة الدستورية العليا الذى أشرت إليه، لكن ما حدث أن التوجهات الإسلامية غلبت على الجميع، ولا أقصد هنا المرجعية الدينية لكن أقصد أن هناك توجهات دينية للقفز على السلطة هى التى تحكمت فى أذهانهم، كان هناك هدف واحد هو لابد أن نصل إلى السلطة بجميع الطرق.

لاحظ أن المجلس العسكرى، ليست له خبرة أو علاقة بالمسائل الدستورية أو القانونية، وإنما الذين أصدروا وقاموا بصياغة هذا الإعلان الدستورى، هم المسؤولون عن هذه الخطايا والأخطاء، الدستور لا يوضع بهذا الشكل، بداية وضع الدستور خاطئة، وهذا يعنى أننا نبنى دستوراً على منهج خاطئ كلية.

لكن المحسوبين على التيار الدينى كانا رئيس اللجنة وأحد أعضائها، أى عضوين فقط، كيف غلب التيار الدينى إذن؟

- لا أود أن أتعرض للأسماء، لكن رئيس اللجنة هو الذى يتولى توجيه باقى الأعضاء، وصبحى صالح أصبح فقيهاً دستورياً، كما أصبح نصف الشعب خبراء استراتيجيين، لكن رئيس اللجنة بالتأكيد كان يعرف أن هذا ليس أسلوباً مطلقاً لوضع الدستور.

لماذا لا تفترض أن الجميع اعتقد أن هناك قانوناً سيصدر لينظم تلك العملية ويحدد المعايير؟

- لا أعلم ما كان فى ذهنهم، إنما وضعها بهذا الشكل أصلاً خطأ وخطيئة، وأعتقد أنها كانت مقصودة.

هل نحن فى حاجة الآن إلى صدور قانون للمعايير وطريقة الاختيار، أم أن المادة بنصها الحالى كافية، وتعنى أن يتم الاختيار بالانتخاب، وبحرية كاملة من الأعضاء المنتخبين؟

- لا تنظر إلى الناحية النظرية البحتة، ما يحدث هو أن الإخوان والسلفيين انتهوا فعلا من اختيار اللجنة، وحزب الحرية والعدالة هو من سيقود العملية كلها، والمشيئة ستكون لهم، واترك كلام الإنشاء الذى يقولونه فى الصحف كل يوم عن التوافق هذا كلام لا يصدق، خصوصا بعد عملية الإقصاء التى تمت فى لجان مجلس الشعب.

أنت تعتقد إذن أن التوجهات الدينية ستغلب على الدستور أيضا؟

- نعم، وسيخلق هذا الدستور الدولة الدينية.

يتردد الآن أن هناك مساعى من بعض القوى السياسية بأن يصدر المجلس العسكرى قانوناً للمعايير؟

- المجلس العسكرى وقع فى فخ، ومنذ مايو الماضى انتبه إلى هذا الفخ، واتصل بى أحد أعضاء المجلس، واجتمعت معهم يوم 16 مايو، وكانوا قد بدأوا ينتبهون إلى أن الاتجاه يسير ناحية الدولة الدينية أو الدستور الدينى، وأنا رفضت حضور الاجتماع فى البداية، لكن اللواء ممدوح شاهين اتصل بى بعدها وألح على حضورى، رفضت، وبعد ساعتين اتصل بى ثانية، وقال سأرسل لك سيارة شرطة عسكرية لأخذك، قلت له الطيب أحسن وذهبت، وقلت كل ما أريد، قلت إن الدولة فى خطر، وإن المصير سيكون أسوأ مما كان، وإن الثورة لم تحقق أى شىء، وشرحت لهم أساليب وضع الدستور، ونبهتهم أن المادة 60 أكبر خطأ وقعت فيه لجنة تعديل الدستور، وقدمت مشروع دستور مصغراً من 20 مادة.

وماذا فعلوا به؟

- الساعة السادسة من هذا اليوم تلقيت مكالمة تليفونية دون رقم، ووجدت المتصل يقول أنا عصام شرف، فى الحقيقة لم أنتبه أنه رئيس الوزراء، ولما شعر بذلك قال أنا عصام شرف كنت أستاذاً عندك فى جامعة القاهرة، والآن أنا رئيس وزراء مصر، قلت له أهلاً وسهلاً، وكنت قد قلت فى الاجتماع إن الوزراء فى الحكومة لا يصلحون لإدارة كشك سجاير، وقال لى «شرف» فى اتصاله كل كلامك صح، وطلب الاستعانة بى، وأن أرسل له كل مقترحاتى مكتوبة، ثم ذهب ولم يعد، ولا أعرف فى ماذا كان يريد أن يستعين بى.

لماذا لم يتم اختيارك ضمن أعضاء المجلس الاستشارى؟

- المجلس الاستشارى خطيئة أيضاً، يدعو إلى حوار وطنى جديد، نخرج من حوار لندخل فى حوار، هذا المجلس مثل مجموعة من الناس قابلوا أثناء سيرهم مجموعة أخرى تصلى صلاة جنازة على ميت، فانضموا للصلاة عليه فى التكبيرة الأخيرة، وقالوا علشان ربنا يرحمنا، وصلوا دون وضوء، هذا هو المجلس الاستشارى الحالى، مجلس ليس له دور، ولا يقدم أى جديد، والمجلس العسكرى ما زال عنده مستشارون من المحكمة الدستورية العليا.

هناك اتجاه أكيد نحو الدولة الدينية، وهناك اتجاه من السلفيين لتسمية مصر فى أقصى سرعة دولة إسلامية دينية، تقوم بتطبيق كل الحدود، وكذلك الأمر بالنسبة للإخوان المسلمين، ذراعهم السياسية الممثلة فى حزب الحرية والعدالة تتفق مع هذا الاتجاه، وذراعهم الثانية التى لا أعرفها، لكن يمكن أن نستنتج من قول المرشد الدكتور بديع عندما قال منصب المرشد العام للإخوان المسلمين أكبر من منصب رئيس الجمهورية، وأيضا الأستاذ مهدى عاكف منذ شهر أو اثنين قال: «اللى مش عاجبه حكم الدين يمشى».

كيف تقرأ مواقفهم بخصوص هذا الموضوع؟

- هؤلاء لم يقرأوا ابن خلدون مثلا أو الجبرتى أو الإمام محمد عبده أو جمال حمدان ولا حتى نجيب محفوظ، لم يقرأوا تاريخ الدولة العثمانية كيف انهارت رغم أنها كانت قائمة على أساس دولة الخلافة، وأقول لهم إن التيار الدينى فى مصر منذ نشأته قبل 80 عاماً كان يسير فى ركب السلطة، وإن لم يكن يسير فى ركب السلطة، فإنه يسير فى طريق يبتغى به الوصول إلى السلطة، لكنهم الآن يسيرون فى طريق واحد نحو السلطة.

وهنا أتذكر واقعة حدثت عندما ألغى إسماعيل صدقى دستور 23، رغم أنه كان دستوراً قيماً جداً ومتقدماً فى النصوص، حتى عن دستورى 56 و71، وقتها قامت مظاهرات كثيرة جداً، والمنتمون للتيار الدينى قالوا للمتظاهرين فى ذلك الوقت لماذا تتظاهرون، وعندها استشهد زعيمهم بآية قرآنية لتهدئتهم قال: «واذكر فى الكتاب إسماعيل إنه كان صادق الوعد، وكان صديقا نبياً».

كتابات نجيب محفوظ أيضا توضح كيفية صعود التيارات الدينية وكونها تجربة وطموحاً، وجمال حمدان فى وصف مصر حين تعرض لوصف الدولة العثمانية وكيفية قيامها، قال حرفيا إنها استعمار دينى، من نوع البطش، والتستر بمفهوم الخلافة ثم استنزاف دماء المصريين وحقوقهم وحرياتهم، ذلك الاستعمار الذى كان يسلم للخليفة بالحكم المطلق بالأمر والنهى والطاعة العمياء، ووصف جمال حمدان حال الأمة فى ذلك العهد بحال الراعى الذى يفصل بين أنواع القطعان، ويعتنق مبدأ «فرق تسد»، وقال: «كما يسوس الراعى قطعانه بالكلاب»، وكانت الانكشارية هى كلاب الصيد فى الدولة العثمانية، أيضا الإمام محمد عبده قال إن الحكم المهلك المستند إلى مرجعية دينية زائفة إنما يتبرأ منه الإسلام، وهو الذى تسبب فى خراب مصر، ابن خلدون قال نفس الشىء، إن النفس التى تتخفى وراء قناع الدين تجارة رابحة فى عصور التراجع الفكرى والتقهقر والأمية، ثم قال: «إنما الذين يستغلون الدعوة الدينية ليطلبوا بها الرئاسة التى امتلأت بها جوانحهم، بجانب التوصل إليها بصور أخرى، اعتنقوا وآمنوا بأن ثوب الدين هو السبيل المباشر إلى ما يأملون».

يمكن الرد على هذا الكلام بأنه من التاريخ، والإخوان يؤكدون فى كل تصريحاتهم أنهم يطالبون بدولة مدنية، تلتزم بأخلاق وقيم ومبادئ الإسلام؟

- حرفيا يقولون «دولة مدنية بمرجعية إسلامية»، ولو كان منهجهم دولة مدنية بمبادئ الإسلام أنا أول من يوافق عليهم، لكن هناك تلاعباً بالألفاظ.

ربما يقصدون الأخلاق والمبادئ والقيم وليس بالضرورة الحدود والمظاهر الدينية؟

- عندما تستعرض تصريحات عصام العريان وصبحى صالح وكل هؤلاء الذين يعبرون عن الذراع السياسية للإخوان، تجد أن كلامهم غير ذلك، يتكلمون عن الحدود وإقامة الخلافة الإسلامية، وانظر إلى حزب النور السلفى، يطالبون مقدما بتطبيق الحدود، ويجب أن نفرق بين الإخوان والسلفيين، هما مختلفان لكنهما سيجتمعان فى نهاية المطاف.

الدولة الدينية بدأت فى القرون الوسطى، وقبل القرون الوسطى أول دولة دينية أقامتها الكنيسة، واندثرت بفعل المفكرين، الدولة الآن دولة شعب وأرض أو إقليم ونظام سياسى وسيادة، ويجب أن يبقى الدين علاقة بين الفرد وربه، أما الحكم بالحدود وبتحريم الفنون وأشياء أخرى، فهذا لا يصلح الآن، وللأسف الشديد بعض المثقفين الآن والمذيعين والفنانين باعوا أنفسهم للتيارات الدينية.

ولكن الإخوان ينفون سعيهم إلى دولة دينية، بل يؤكدون رفضهم وضع المجتمع والدولة فى قالب دينى.

- هذا مجرد كلام، لكن ما إن تقل لهم نريد دولة ديمقراطية حتى يتهموك بالعلمانية، والعلمانية أصلا أسىء استعمالها، العلمانية جاءت من العالم، وهى تعنى أن تساير الفكر العالمى، اترك كلمة علمانية، نحن نريد دولة مدنية، ولنترك الدولة المدنية أيضا، نريد دولة ديمقراطية بمعنى الكلمة، كلنا متدينون وكلنا مسلمون، قل عليهم الإخوان فحسب، إنما كلنا مسلمون، لكن تتبع وحلل كلماتهم وآراءهم وخطبهم، البلد يتجه نحو مصير خطير جداً جداً.

إذا سعى البعض لإصدار قانون متعلق بمعايير اختيار لجنة تأسيسية، هل تعتقد أنه سيكون سبباً للخلاف أو الصراع بين الإخوان المسلمين والمجلس العسكرى؟

- المجلس العسكرى الآن بمنتهى الأمانة فى موقف ضعف، وهو الذى أدى بنفسه وسلم نفسه إلى هذا الموقف، إنما لن يكون هناك توافق إطلاقا، حزب الحرية والعدالة ومعه السلفيون أجمعوا على أنهم هم من سيختارون القول الفصل.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية