x

«وسط سيناء».. قبضة أمنية خانقة.. ومخاوف من حملات اعتقال عشوائية جديدة

الأحد 12-08-2012 00:44 | كتب: وائل ممدوح |
تصوير : رويترز

طائرات القوات المسلحة التى حلقت فى سماء منطقة وسط سيناء للمرة الأولى منذ سنوات عديدة، مصحوبة بتعزيزات أرضية فى مقدمتها المجنزرات والمدرعات، أدهشت محمد سالم، أحد سكان المنطقة المجاورة لجبل الحلال، الذى لم يعاين طوال سنوات عمره التى لم تتجاوز خمسة عشر عاماً، إلا الطائرات الحربية الإسرائيلية تحلق فى سماء سيناء، مخترقة المجال الجوى المصرى لتمشط المنطقة الحدودية بحثا عن مسلحين نفذوا عمليات داخل حدودها، أو أثناء استعدادها لشن غارات جوية على غزة ضمن مسلسل عملياتها الذى لا ينتهى على القطاع الفلسطينى، لكن دهشة «محمد» ما لبثت أن تضاعفت عندما فوجئ بالطائرات الحربية المصرية تقصف مناطق عدة فى وسط سيناء، من بينها المنطقة التى يسكن بها، بالقرب من قرية «الجورة»، التابعة لمدينة الشيخ زويد الحدودية، دون سبب واضح، ودون أن يفهم العلاقة بين سور منزله البسيط الذى هدمته إحدى هذه القذائف، وبين حادث الحدود الذى استهدفت خلاله جماعة مسلحة إحدى النقاط التابعة لقوات حرس الحدود بمدينة الماسورة، قرب معبر كرم أبو سالم.

دهشة محمد سالم لم تنتقل إلى والده وأشقائه الأكبر سنا الذين عاصروا أحداثا سابقة دفعت فيها منطقة الوسط ثمن عمليات إرهابية استهدفت منشآت سياحية بـ«طابا» و«شرم الشيخ» و«دهب»، وجميعها تقع داخل محافظة جنوب سيناء، لكن من دفع فاتورتها هم «سكان الوسط»، وهو الوصف الذى يطلق على سكان منطقة وسط سيناء والشريط الحدودى، حيث تعرض سكان هذه المنطقة لحملات أمنية انتهت باعتقال أكثر من 5 آلاف شاب دفعة واحدة فى الفترة التى تبعت تفجيرات طابا، وهى الفترة التى شهدت سيناء خلالها أعنف حملة أمنية فى تاريخها، بين اعتقالات وانتهاك لحرمة البيوت، واعتقال للنساء والأطفال، وهو ما تسبب فى تفجر الأوضاع، مع ما يمثله البيت والعرض من قيمة فى المجتمع البدوى، فحمل أبناء سيناء السلاح للمرة الأولى فى وجه قوات الشرطة، وشهدت منطقة الوسط على خلفية ذلك معاركا عنيفة بين الأمن وبعض أبناء المنطقة.

«الحل الأمنى الذى لجأت له وزارة الداخلية آنذاك تحت قيادة حبيب العادلى، الوزير الأسبق، تسبب فى شرخ العلاقة بين الداخلية وأبناء سيناء، قبل أن يتحول الأمر إلى ثأر مازال أفراد ومجندو الشرطة بسيناء يدفعون ثمنه حتى الآن» هذا ما قاله عبدالقادر سويلم، أحد معتقلى أحداث طابا بمنطقة الوسط، تعليقا على حملة القوات المسلحة الأخيرة على خلفية حادث الماسورة.

وأضاف «سويلم»: «ما تفعله القوات المسلحة الآن لا يختلف كثيراً عما فعلته الشرطة فى أعقاب أحداث طابا 2005، دون أن يفلح ذلك فى ضبط الجناة، أو فى منع تفجيرات دهب وشرم الشيخ التى تبعت تفجيرات طابا، على العكس، يرى الكثيرون أن تفجيرات دهب وشرم الشيخ حدثت كنوع من الانتقام من التعامل الأمنى المبالغ فيه مع أبناء سيناء».

يتفق مع الرأى السابق سعيد عتيق، الناشط السيناوى أحد أبناء منطقة الشريط الحدودى، مؤكداً «أن التعامل الأمنى مع ملف سيناء أثبت فشله على مدار سنوات عديدة، وبالتالى فليس من المنطقى أن تكرر القوات المسلحة نفس سيناريو الشرطة وأمن الدولة دون أن تبحث عن الجناة الحقيقيين، بدلاً من أسلوب العقاب الجماعى الذى يبدو أنه سيكون عنوان المرحلة المقبلة»، وحذر عتيق من رد الفعل على تلك التصرفات التى وصفها بـ«غير المسؤولة» من أبناء منطقة الوسط والشريط الحدودى، مؤكداً أن السبب الرئيسى فى انتشار الجماعات التكفيرية هو التعامل الأمنى الذى يراه أبناء هذه الجماعات «كفرا بينا» من قوات الأمن، مادامت تستحل دماءهم وأعراضهم دون دليل.

وقال: «استمرار مثل هذه المداهمات لن يوقف العمليات التى تستهدف جنود الشرطة والقوات المسلحة من قبل قلة متطرفة، على العكس سيتضاعف الاحتقان بين أبناء سيناء والأجهزة الأمنية، وقد يتحول الأمر إلى حرب يدفع ثمنها الجميع».

من جانبه، قال محمد سلمان، خطيب وإمام متطوع بمنطقة الوسط، إن معاناة وسط سيناء طوال السنوات الماضية بسبب ملف المطلوبين والمحكومين قد تعود من جديد بسبب الأحداث الأخيرة، لافتا إلى أن القوات المسلحة تكرر نفس أسلوب العقاب الجماعى مع أبناء منطقة الوسط، بالرغم من أنه لم يستدل على الجناة المسؤولين عن الاعتداء الذى تعرض له جنود القوات المسلحة بنقطة الماسورة حتى الآن، وحذر «سلمان» من عودة منطقة الوسط إلى بؤرة للمطلوبين أمنياً، بعد أن تمت تسوية الملف مع وزارة الداخلية التى أدركت أنها اخطأت فى حملات الاعتقال العشوائى والمداهمات المتكررة لمنازل بدو المنطقة، وطالب قيادات القوات المسلحة بتقدير الموقف والتصرف بالحكمة التى تقتضيها الظروف الحالية.

كانت القوات المسلحة قد قامت بحملة تمشيط واسعة لمنطقة وسط سيناء، مساء الثلاثاء الماضى، بحثا عن المجموعات المسلحة المتورطة فى استهداف النقاط التابعة للقوات المسلحة بالمنطقة الحدودية، وأكد شهود عيان من سكان منطقة الشريط الحدودى والوسط أنهم لم يشاهدوا أى آثار للاشتباكات التى دارت، أمس، جنوب مدينة الشيخ زويد والتى تناقلت وكالات الأنباء عن مصدر عسكرى قتل 20 إرهابيا بها. واشتكى بعضهم من أن القصف كان عشوائيا، مما تسبب فى أضرار لمنازلهم، فيما تخوف آخرون من تكرار الأحداث التى شهدتها سيناء فى أعقاب تفجيرات طابا من مداهمات واعتقالات عشوائية، وحذروا من تفجر الأوضاع حال لجوء القوات المسلحة إلى مثل هذه الإجراءات.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية