حصلت «المصرى اليوم» على نص تحقيقات قاضيى التحقيق فى قضية «التمويل الأجنبى للمنظمات الأهلية» التى أحيلت إلى محكمة جنايات القاهرة قبل يومين والمتهم فيها خمس منظمات أجنبية.
كشفت التحقيقات عن عدة مفاجآت وتبين أن 95% من الأموال التى أنفقتها المنظمات المتهمة فى القضية هى أموال المعونة الأمريكية، التى أثيرت بشأنها شائعات خلال الأيام الماضية.
كما تبين أن المخابرات العامة المصرية أرسلت إلى جهات التحقيق، تقارير تؤكد أن تلك المنظمات كانت تنفق قبل الثورة فى العام الواحد مليون دولار فى مصر، وكثفت أعمالها بعد الثورة، لتنفق قرابة 18 مليون دولار فى العام الواحد.
كشفت التحقيقات التى أجراها المستشاران سامح أبوزيد وأشرف العشماوى عن تفاصيل الخرائط الخمس التى تم ضبطها فى تلك المقار، حيث تبين أن تلك الخرائط لمصر، واستبعدت من حدود مصر مناطق «حلايب وشلاتين والنوبة»، وأنكر المتهمون فى التحقيقات صلتهم بها.
وأفادت التحقيقات بأن عدداً كبيراً من الموظفين المصريين العاملين فى تلك المنظمات تقدموا باستقالاتهم بعد أن ثبت لهم أن تلك المنظمات ترتكب أعمالاً تعد انتهاكاً للسيادة المصرية، واستمع قاضيا التحقيق إلى عدد من هؤلاء الموظفين كما استمعا إلى شهادة فايزة أبوالنجا، وزيرة التعاون الدولى، و3 سفراء فى وزارة الخارجية.
وقال قاضيا التحقيقات إنه لا توجد اتهامات أخرى موجهة للمتهمين غير التى تم إعلانها فى المؤتمر الصحفى.
ونفيا وجود اتهامات تتعلق بالتخابر أو التجسس أمام جهات التحقيق التى توصلت إلى وجود مئات من منظمات المجتمع المدنى فى مصر، تعمل بشكل مشروع وتلعب دوراً مهماً فى العمل الأهلى، وتمارس أنشطتها بشكل قانونى وتخضع لرقابة الجهات الحكومية المصرية.
ضمت التحقيقات، التى أرسلها قاضيا التحقيق إلى النائب العام ومحكمة الاستئناف، لتحديد جلسة لبدء محاكمة المتهمين، محاضر استجواب المتهمين وجاءت فى 1200 ورقة، بالإضافة إلى أقوال الشهود وعددهم 13، وأقوال خبراء وزارات العدل والخارجية والتعاون الدولى، وكذلك تحريات الجهات الرقابية وتضم «المخابرات العامة والأمن العام والأموال العامة والخارجية والأمن الوطنى».
كما ضمت القضية محاضر الإثبات، وكذلك الأحراز التى تضم «كعوب الشيكات والتحويلات» التى تسلمتها المنظمات الخمس والخرائط الخاصة بمصر، ومبالغ مالية تم العثور عليها فى المقار وتقارير برامج التدريب وكتب وأجهزة كمبيوتر تحوى تلك المستندات والميزانية المالية لكل منظمة وإيجارات المقار.
وشملت التحقيقات خطاباً أرسلته السفيرة الأمريكية فى القاهرة «آن باترسون» إلى قاضيى التحقيقات المستشارين «سامح أبوزيد وأشرف العشماوى»، قالت فيه: «لقد تم إبلاغنا بوضع بعض القيود على الموظفين الأمريكيين الذين يعملون فى المنظمات غير الحكومية الأمريكية، التى هى جزء من تحقيق يجرى تحت إشرافكما، وقد تعاونت هذه المنظمات والأفراد بشكل كامل مع التحقيق وبناء على ذلك فإننى أطلب رفع أى قيود على سفرهم».
وتضمن الخطاب أسماء 21 أمريكياً على الرغم من أن قرار الإحالة شمل 19 متهماً أمريكياً فقط، ووقعت السفيرة باسمها فى نهاية الخطاب الذى تم إرفاقه بملف القضية، وحصلت «المصرى اليوم» على نسخة منه.
ورد قاضيا التحقيق على هذا الخطاب عن طريق وزارة الخارجية: «إنه بمناسبة التحقيقات الجارية فى القضية 173 لسنة 2012 حصر قضاة التحقيق بشأن موضوع التمويل الأجنبى لبعض المؤسسات والجمعيات الأهلية والكيانات الأخرى، يرجى الإحاطه بأنه ورد إلينا بتاريخ 23 يناير 2012 كتاب سفيرة الولايات المتحدة الأمريكية بالقاهرة باللغة الإنجليزية مرفقاً به ترجمة باللغة العربية، والمتضمن طلب رفع أى قيود على سفر عدد من الموظفين الأمريكيين الذين يعملون فى بعض المنظمات غير الحكومية الأمريكية، وتم رفضه من جانب قاضيى التحقيق المختصين قانونياً».
وأضاف: «لما كان قيام سفير دولة أجنبية لدى مصر بمخاطبة محكمة أو قاضى تحقيق بمناسبة قضية يختص بالنظر أو التحقيق فيها هو أمر غير جائز قانوناً غير مقبول لما للقضاء من استقلال تجاه جميع السلطات الأخرى بالدولة، فضلاً عن توافر ذلك الاستقلال - بطبيعة الحال - تجاه سلطات الدول الأجنبية، أيا كانت طبيعتها، ومن ثمة نرسل لوزارة الخارجية المصرية صورة الطلب المقدم من السفيرة الأمريكية بالقاهرة للتتخذ الوزارة ما تراه من إجراءات قانونية ودبلوماسية مناسبة فى هذا الشأن، على ضوء ما سبق بيانه.
وتابعا: «على ضوء أن السفيرة المذكورة ليست لها صفة فى التحقيقات الجارية فى القضية المبينة، يرجى الإحاطة أيضاً بأن السفارة الأمريكية بالقاهرة، أرسلت مندوباً من السفارة إلى مقر قضاة التحقيق فى القضية، المنوه عنها، حيث طلب حضور إجراءات التحقيق مع المتهمين الأمريكيين من العاملين ببعض المنظمات الأمريكية غير الحكومية، محل الطلب المقدم من السفيرة، ومحل التحقيقات الجارية».
وأوضح : سمح له المستشار قاضى التحقيق بحضور التحقيقات برفقة مترجم، فضلاً عن محام أو أكثر عن كل متهم، بالإضافة إلى موافقة قاضى التحقيق أيضاً على حضور مندوبى سفارات دول ألمانيا الاتحادية والنرويج والبوسنة مع متهمين بذات القضية من الجنسيات الأجنبية المذكورة.
وقال القاضيان: «تم إرفاق صورة من إثبات شخصية مندوبى السفارات الأجنبية بالقاهرة الذين حضروا التحقيقات، وقد رأينا أن يكون هذا الأمر تحت بصر وزارة الخارجية المصرية، لاتخاذ ما يلزم نحو إعمال مبدأ المعاملة بالمثل، فيما يتم من إجراءات قضائية تجاه رعايا مصريين بالولايات المتحدة الأمريكية وغيرها من الدول الأجنبية الأخرى، ولاتخاذ ما ترونه مناسباً فى هذا الشأن».
وخارج التحقيقات، قال قضايا التحقيق إنهما يرفضان أى تدخل سياسى فى تلك القضية، وإنهما اتخذا جميع الإجراءات القانونية فى القضية طبقاً لقانون العقوبات ولم يخضعا لأى ضغوط سياسية فى القضية التى استمر التحقيق فيها نحو 3 أشهر.
وكشفت التحقيقات من خلال اعترافات المتهمين وبعض المخاطبات التى أرسلتها السفارة الأمريكية والوكالة الدولية للتنمية، أن الأموال التى صرفها وأنفقها المتهمون من خلال تلك المنظمات، تم استقطاعها من المعونة الأمريكية التى تقدمها أمريكا إلى مصر.
وأفادت التحقيقات بأنه ورد خطابات من السفارة الأمريكية والوكالة الدولية للتنمية، إلى قضاة التحقيق، تضمنت أنه طبقاً لمشروع المعونة الأمريكية التى تم توقيعها عام 1978، والتى كانت تنص على اتفاقية التعاون الدولى والاقتصادى بين مصر والولايات المتحدة الأمريكية، فإن الجانبين المصرى والأمريكى يتم الاتفاق بينهما سنوياً على تحديد قدر المبالغ التى يتم إمداد مصر بها لتنفيذ مشروعات تنموية وبنية أساسية فى مصر، وتحديد الجهات الرسمية التى تتلقى تلك الأموال.
وتبين من التحقيقات أنه من خلال تلك المخاطبات ثبت أن أموال المعونة هذا العام تم إرسالها إلى تلك المنظمات، وأن المنظمات أنفقت 95٪ من تلك الأموال على دعم الأحزاب التى نشأت بعد الثورة.
وتسلم قضاة التحقيقات تحريات من المخابرات العامة والأمن الوطنى والأموال العامة، وتم فصل الجزء الخاص بالمنظمات الأجنبية الخمس «المعهد الجمهورى الحر والديمقراطى وفريدوم هاوس والمركز الدولى للصحفيين وكونراد الألمانية»، عن التحريات التى أجرتها تلك الجهات فى وقائع أخرى مازالت التحقيقات جارية بشأنها.
وأفادت مصادر مطلعة بأن هناك متهمين جدداً سوف تتم إحالتهم إلى المحاكمة خلال أيام، فى قضية أخرى مرتبطة بقضية التمويل الأجنبى.
وذكرت التحريات أن تلك الجهات اتفقت على أن تلك المنظمات المتهمة لم تمارس أى أعمال أهلية أو مدنية، وأنها أنفقت تلك الأموال التى تلقتها بعد الثورة فى العمل السياسى، حيث أفاد تقرير المخابرات العامة بأن تلك المنظمات كان هدفها الأول جمع المعلومات، وأن عملها خرج عن نطاق العمل المدنى والأهلى.
وأضافت أن تلك المنظمات تلقت تحويلات من جهات أجنبية بلغت قيمتها 58 مليون دولار، بالإضافة إلى 1.6 مليون يورو.
وجاء فى تحريات جهاز الأمن الوطنى بوزارة الداخلية أنه بالنسبة لنشاط فرع منظمة كونراد الألمانية فى مصر، فقد ثبت أنها تقوم بنشاطين، الأول يمثل تعاوناً معلناً مع جهات حكومية رسمية مثل جامعة القاهرة ومركز اتخاذ القرار ودعم المعلومات التابع لمجلس الوزراء، والثانى يمثل نشاطاً غير معلن تم تكثيفه بعد 3 أشهر على ثورة 25 يناير.
وتبين أن فرع هذه المنظمة فى مصر كان يستغل منظمات المجتمع المدنى المصرى فى جمع المعلومات والبيانات حول قضايا سياسية واجتماعية دون تدخل مباشر من البعثة الدبلوماسية الألمانية فى مصر، لتجنب تعرضها لحرج دبلوماسى، وقامت تلك المنظمة بتمويل مباشر لنحو 80 منظمة مصرية وأشخاص مجهولين ضبطت أسماءهم الثانية فقط لتنظيم دورات تدريبية حول كيفية حشد وتعبئة الجماهير فى التظاهرات ونشر الشائعات، وحصر عدد الكنائس فى مصر، وبيان مواقعها ومواقع ارتكاز القوات المسلحة بمحافظة السويس. وتبين من التحقيقات أن النظام القانونى المصرى ليس ضد عمل المنظمات الأجنبية غير الحكومية، وأنها تشجع ذلك وترحب به، حسبما جاء فى خطاب وزارة التعاون الدولى لقضاة التحقيق، الذى قال إن الدليل على ذلك أنه بالفعل يوجد 73 منظمة أجنبية غير حكومية تم الترخيص لها بفتح فروع فى مصر وتمارس نشاطها دون مشكلة، وأنه من بين تلك المنظمات 27 منظمة تابعة لأمريكا و25 تابعة لدول أوروبية و21 أخرى تابعة لدول عربية.
أفادت التحقيقات بأن النظام السابق كان يرضخ لضغوط تلك المنظمات والدول التابعة لها والممولة لها، ولم يتخذ الإجراءات القانونية حيالها، لأنه كان يستفيد منها لصالحه.
وقالت إن الدول الداعمة لتلك المنظمات كانت تدعم النظام السابق، وتبين أن تلك المنظمات حولت عملها بعد الثورة من العمل المدنى إلى السياسى.
وتبين أن المعهدين الجمهورى والديمقراطى الأمريكيين استمرا فى ممارسة نشاطهما غير المشروع وذى الطابع السياسى بعد يناير 2011، وتم تكثيف وتوسيع ذلك النشاط، من خلال اتخاذ مقار جديدة وفتح قنوات اتصال وعقد ورش عمل ودورات تدريبية، بالمشاركة مع بعض الأحزاب والقوى السياسية المختلفة فى محاولة للوقوف على اتجاهات الناخب المصرى والقوى السياسية المهمة فى المرحلة الانتقالية والوقوف على جميع الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية فى مصر لتحقيق مصالحه.
وأسفرت التحقيقات عن أنه كان يتم إخطار وزارة الخارجية باعتبارها الجهة المسؤولة عن إصدار ومتابعة الموافقات لممارسة المؤسسات الأجنبية العمل فى مصر، أولاً بأول بكل التجاوزات والمخالفات التى ترتكبها المنظمات الأجنبية غير الحكومية التى تمارس عملها فى مصر بشكل غير مشروع، إلا أنه لم يسبق اتخاذ إجراءات قانونية ضد نشاط المنظمات الأمريكية المتهمة، لأن ذلك كان توجه النظام السياسى السابق، الذى تم إسقاطه فى ثورة 25 يناير.
وتابعت: «النظام السابق كان يتخوف من انتقاده ومهاجمته والادعاء بانتهاكه الحقوق والحريات المتعلقة بممارسة حقوق الإنسان، بما يعرض مصالح مصر للخطر من خلال تبنى الدولة التى تتبعها تلك المنظمات سياسات تضر بمصلحة البلاد سواء الاقتصادية أو السياسية وممارسة الضغوط على مصر فى القضايا المختلفة، من خلال ملف حقوق الإنسان، فكان يتم صرف النظر عن اتخاذ الإجراءات القانونية ضد المنظمات المذكورة».
وأفادت التحقيقات بأن نيابة الأموال العامة أثناء تفتيشها المقار المذكورة، عثرت على 4 خرائط فى المعهد الجمهورى الحر وأخرى فى المعهد الديمقراطى، وتبين أن تلك الخرائط لمصر، إلا أن قضاة التحقيق لاحظوا أنه تم تعديل حدود مصر الجنوبية والعرضية، حيث تبين أن من تلاعب فيها استقطع مناطق «حلايب وشلاتين والنوبة» من خريطة مصر.
وبسؤال المتهمين عن تلك الخرائط، نفوا صلتهم بها خلال التحقيقات، وقالوا إنهم لا يعرفون عنها شيئاً، إلا أن تحريات المخابرات العامة أفادت بارتباط تلك الخرائط بما حدث فى السودان، وأن المعهد الجمهورى كان قد وزع خرائط تقسم السودان قبل تقسيمها إلى دولتين، وتم غلق مكتب المعهد فى الخرطوم بعد أن تم ضبط تلك الخرائط هناك، والمتهمون كانوا يخططون لفصل تلك المناطق فى مصر أيضاً.