تحت عنوان «طالبان المسيحية» طالعتنا جريدة «المصرى اليوم» بتاريخ 25 نوفمبر الماضى بمقال للأستاذ محمد كمال رصد فيه التفسيرات المتعددة لقرار إدارة ترامب الأخير باعتبار المستوطنات الإسرائيلية فى الأراضى الفلسطينية المحتلة «لا تخالف القانون الدولى»، ومنها التفسير الأهم أن ترامب يسعى لإرضاء مجموعة مهمة من قاعدته الانتخابية من المسيحيين الأصوليين من طائفة البروتستانت الإنجيليين الذين يرون أن إسرائيل هى أرض الميعاد، وأن بعض وسائل الإعلام الأمريكية أصبحت تطلق على هذا التيار من الأصوليين تسمية «طالبان المسيحية» نتيجة لنهجهم الفكرى المتشدد.
وتعليقًا على ما كتبه الأستاذ الجليل محمد كمال لى بعض الملحوظات:
أولاً: أتفق مع سيادته فى أن هناك تياراً من المسيحيين الأمريكيين يتبنون الفكر الصهيونى الداعم لإسرائيل، ولكنهم بتفسيرهم الحرفى لبعض النصوص التوراتية يخالفون ما دعا إليه السيد المسيح.
ثانياً: تسمية هؤلاء المتصهينين بـ«طالبان المسيحية» هى تسمية فى غير محلها، فهناك فرق بينهم وبين طالبان، فالحركة الإسلامية الدينية المعروفة باسم طالبان بقندهار نشأت بين طلبة المدارس الدينية وبايعوا الملا محمد عمر، أميرا لهم عام 1994، وتعلم هؤلاء الطلاب فى المدارس الدينية وتأثروا بالمناهج الدراسية لهذه المدارس، وأثناء دراسة الطالب تتغير مرتبته العلمية من مرحلة إلى أخرى، فيطلق عليه لفظ «طالب» الذى يجمع فى لغة البشتو على «طالبان»، أما الفكر الصهيونى فلا علاقة له لا من قريب ولا من بعيد بطالبان.
ثالثاً: الإنجيليون فى الولايات المتحدة ليسوا سواء، فالإنجيليون المشيخيون فى أمريكا وأوروبا ومصر يرفضون أى أفكار ماضوية رجعية تتعارض مع الحداثة ويؤمنون بالمساواة بين جميع البشر، وأن الكراهية مرفوضة لأى أحد، وأن دولة إسرائيل الحالية لا علاقه لها على ضوء الدراسة التاريخية اللاهوتية من قريب أو من بعيد بالنبوءات القديمة، والتى تحققت فعلاً فى إطارها الزمنى فى العهد القديم واكتملت فى دلالتها الروحية فى العهد الجديد، وإن كل ما يقال حول عودة اليهود الآن وربط ذلك بهذه النبوءات، ثم بمجىء المسيح ثانية وإقامة الهيكل، ومعركة هرمجدون ونهاية العالم إلى آخره، هو فكر لبعض الفرق وهذا الفكر لا يتفق مع عقائد الكنائس المسيحية الرسمية فى كل العالم، وهناك قرارات عديدة فى اجتماعات كنسية سابقة نددت بممارسات إسرائيل ضد الشعب الفلسطينى، ولذلك فإننا نرفض التعميم الذى يقع فيه بعض المفكرين الذين يعتبرون أن الخطاب الدينى الأمريكى كله فى مجمله مسانداً لإسرائيل، فإذا وجد خطاباً يخلط أصحابه بين ما هو يهودى وما هو مسيحى، وبين الدين والسياسة، ويؤيدون مزاعم إسرائيل الحديثة عن الشعب المختار، وتفسيرهم الخاص بالمجىء الثانى للسيد المسيح ومقولة هرمجدون فليس هذا هو كل الخطاب الدينى الأمريكى، فهناك يوجد الخطاب الدينى الأمريكى المعتدل المساند للشعب الفلسطينى الذى رفض وكشف كل المزاعم والأساطير التى تتبناها دولة إسرائيل، ورفض احتلال إسرائيل للأراضى الفلسطينية، وقراءة الخطاب الدينى الأمريكى بتنوعه ترينا الاتجاهات المتعددة من ناحية، وتحذرنا من التعميم الخاطئ الذى تركز فيه بعض الكتابات على الاتجاهات المتطرفة فقط، وتدعونا فى النهاية إلى أن نقيم الجسور مع الاتجاهات المعتدلة التى تتفق مع لاهوتنا ومصالحنا الوطنية والقومية فى الوقت نفسه.
رابعاً: رفض السيد المسيح استخدام أسلوب العنف بكل أشكاله ودعا لمحبة الأصدقاء والأعداء، وعند إلقاء القبض عليه جاءت جماعة كبيرة بسيوف وعصى فاستل بطرس مقدام الحواريين سيفه ليواجه الجماعة المعادية وأراد أن يرد الإرهاب بالإرهاب ولكن المسيح لم يقبل هذا التصرف وقال لبطرس: «رد سيفك إلى مكانه لأن الذين يأخذون بالسيف، فبالسيف أيضًا يهلكون».
خامساً: ترفض الكنيسة الإنجيلية المشيخية فى مصر محاولة البعض تفسير الحقائق الكبرى فى الإيمان المسيحى مثل الحديث عن نهاية العالم ومجىء المسيح ثانية وربطه بالأحداث السياسية المعاصرة، حيث إن هذا الفكر يبنى على تفسيرات حرفية لبعض نصوص ونبوءات الكتاب المقدس وهذه النصوص تنتزع من خلفياتها التاريخية، ولا تتفق مع الفهم الشامل لروح الكتاب المقدس ككل، وإن هذا التفكير الأصولى والحرفى ظهر أكثر قوة ووضوحا فى أيام حكم ريجان للولايات المتحدة، وتلاقى هذا التفكير مع مخططات الحركة الصهيونية التى ظهرت منذ مؤتمر بازل بسويسرا عام 1897 ولذلك فإنهم فصلوا بين النصوص وإطارها الزمانى والمكانى، وسخروا النبوءات المقدسة لخدمة أغراضهم السياسية وأطماعهم التوسعية، ومن ثم فليس مسيحياً على الإطلاق من يدعو للعنف، لذا على من يؤججون الصراعات أن يقولوا لنا: أى مسيح يتبعون وبأى مسيحية يدينون؟!.