تساؤلات عديدة وحيرة أصابت الجميع، هل التوك توك وسيلة مواصلات أم أصبح ملفا شائكا، فبعدما كسر كل الإشارات الحمراء وتعدى وتجاوز وأطاح بالقواعد والقوانين، أصبح كالآفة التى انتشرت فى المجتمع، بحيث تحول إلى أزمة ومأساة، فهناك أكثر من 3 ملايين عربة توك توك تسير وتنتشر فى شوارع مصر، وأغلبها غير مرخص، وعلى الرغم من أنها مصدر رزق للعديد وقد يكون المصدر الوحيد، إلا أنها تتسبب فى العديد من المشكلات، وأصبحت ظاهرة لابد من ضبطها وتقنين أوضاعها، فمواصفاتها قد ساعدت على أن تعمل فى الأزقة والحارات والطرق الجانبية، مما ساعد على انتشار الجريمة بشكل كبير، كما أصبح معظم سائقيها من الأطفال مما يزيد الأمر سوءاً.
ومما أثار التساؤلات والجدل حول تلك العربة فى الأيام الماضية ما اتخذته الحكومة من قرار بشأنها، فى محاولة منها لتقنين أوضاعها، حيث قام الدكتور مصطفى مدبولى، رئيس مجلس الوزراء، بالتوجيه بالبدء فى برنامج استبدال التوك توك بسيارات أكثر أمنًا وغير ملوثة للبيئة مثل المينى فان، لأنها تعمل بالغاز الطبيعى، وذلك فى محاولة من الدولة للسيطرة على الظواهر السلبية التى اقترنت بتلك العربة، ومن هنا ترصد «المصرى اليوم» محاولات الدولة لتقنين ممارسات تلك المركبات منذ أن بدأت.
فى عام 2005 بدأت مصر استيراد وتداول التوك توك، إذ يعد وسيلة مناسبة للدول النامية ذات التعداد السكانى الكثيف والمستويات الثقافية والتعليمية المتفاوتة، فأصبح ينتشر فى القرى والنجوع والمناطق الشعبية، نظرًا لكونه مشروعا مربحا ذا رأس مال غير مكلف نسبيًا إذا ما قارناه بعدد من المشروعات الأخرى والتى ليست فى متناول الشباب ومحدودى الدخل.
ومع بداية ظهور التوك توك كان وجوده نادراً ولم يكن منتشرا بشكل واضح فى محافظات مصر، لكنه مع مرور الوقت فرض نفسه بشكل واضح على الشارع المصرى إذ أصبح وسيلة مواصلات أساسية لأغلبية الشعب، فضلًا عن أنه يساهم فى حل مشكلة البطالة، ولكن كل ذلك لا يبرر له العشوائية التى تسبب بها فى الشارع المصرى إذ لا يحكم سيره قانون مرورى معين، ولم يكن له أى تراخيص، لذلك خضع لقانون الشارع الذى لا تحكمه معايير تصلح لتنظيم المرور.
وعلى الرغم من كونه مصدر رزق لشريحة عريضة من المواطنين إلا أنه يعتبر من وجهة نظر البعض وسيلة مواصلات غير حضارية ولا ترقى للاستخدام الإنسانى، بالإضافة إلى حوادث السرقة والاغتصاب التى تسبب بها نظرًا لمروره من شوارع وحوار ضيقة، ما أدى لحدوث فوضى وخنقة مرورية فى أماكن تواجده.
ومن هنا بدأت رحلة الدولة فى تقنين الفوضى التى أنتجتها ممارسات سائقى التوك توك التى لا تستند إلى قانون منظم منذ عام 2008، وذلك من خلال قانون المرور رقم (121) وتعديلاته والذى أصدره مجلس الشعب آنذاك، حيث نصت المادة (7) منه على عدم استخدام التوك توك إلا فى نقل الأشخاص بالأجرة، وإلزام كل محافظ بتحديد خط سير مركبات التوك توك وحظر سيرها فى العواصم والطرق السريعة، أو خارج الأماكن المخصصة لسيرها، كما نصت المادة (28) من نفس القانون فى ترخيصها على تحديد أجرة مركبات الأجرة، بما فيها التوك توك.
ولكن الأمر لم يخضع لنظام صارم، إذ تم تخفيض الجمارك المدفوعة على تلك المركبات عند استيرادها فى عام 2009، الأمر الذى اعتبره البعض سببًا فى تضاعف الفوضى المرورية بالشوارع، وزيادة معدل الجرائم، حيث لم يلتزم التوك توك بالقوانين المحددة لسيره.
وخلال أحداث ثورة 25 يناير اعتبر البعض سائقى التوك توك من أكثر الأشخاص استفادة من حالة الفراغ الأمنى والتسيب التى عمت البلاد آنذاك، إذ انتشر بشكل ملحوظ فى شوارع العاصمة، والتى كان يحظر عليه السير بها من قبل، حيث تسبب حظر التجوال الذى فرض فى تلك الفترة فى خروج التوك توك إلى الشوارع الرئيسية لعدم توفر وسائل مواصلات حينها، فى ظل احتياج المواطنين للتنقل، وما شكل لها بيئة خصبة للتواجد غياب المرور وقتها.
وكانت الشركات العاملة على تجميعه قد صرحت بأنها شهدت انتعاشة حقيقية فى مبيعاتها فى ذلك الوقت، فأصبح التساؤل عن إمكانية تقنين تلك المركبات التى زادت أعدادها بشكل ملحوظ فى تلك الفترة يظهر على الساحة من جديد.
واستمر معدل ارتفاع مخالفات المركبات ذات الثلاث عجلات فى ازدياد من خلال سيرها فى غير الأماكن المحددة لها بموجب قانون المرور، بالإضافة للسير فى عكس الاتجاه وعمل عدد كبير من الأطفال دون سن الـ18 عاما بها وهو ما لا يتناسب مع طبيعة المهنة ولا المرحلة العمرية التى يمر بها الطفل مما يسبب العديد من الحوادث، الأمر الذى جعل وزير التجارة والصناعة عام 2014 يصدر قانون رقم 105، الذى ينص على حظر استيراد التوك توك لمدة عام من تاريخ القرار، فى محاولة من الدولة لمنع انتشاره، والحد من الظواهر السلبية التى اقترنت بوجوده، كما تقرر وقف استيراد مكوناته لمدة ثلاثة أشهر، ثم تم وضع قواعد صارمة من قبل وزارة الداخلية عند شراء المركبات الجديدة والسماح لمدة أسبوعين للمالكين لتسوية أمورهم فيما يخص التراخيص.
وأصدرت وزارة الداخلية بيانًا حينها يتضمن القرار، بالإضافة لبعض الأسباب التى دفعتها لذلك، وتشمل أن هذا النوع من المركبات يعد ملوثا للبيئة نظرًا لاعتماده فى العمل على استخدام الزيت والبنزين معًا، مما يسبب عادمًا يضر بالصحة العامة، فضلًا عن عدم توافر قواعد الأمان بها، ولا يتعلق الأمر فقط بالأسر والعاملين، بل جمعت إحدى الشركات المختصة فى تجميع التوك توك توكيلات من التجار لرفع حظر الاستيراد.
واعتبر العديد من الأسر التى تعتمد عليه كمصدر رزق أساسى القرار تعسفيا، إذ أنه أصبح لا غنى عنه لكثير من الأسر محدودة الدخل، لذلك بدأت الورش المصرية التفكير فى تجميعه محليًا من خلال استيراد الموتور فقط، الذى يشبه موتور الدراجة البخارية.