«لمة العيلة- الطبلية بأطباقها البسيطة، الفانوس أبوشمعة، صنع الزينة الورق بالتعاون بين سكان الشارع الواحد، والسهر لتعليقها- اللعب في الشوارع بمنتهى الأدب والأمان حتى موعد السحور...إلخ» وغيرها من الأجواء الجميلة، والعابقة بالحب الحقيقى الذي يغلفه الصدق، أهم ملامح رمضان زمان، والتى تحولت إلى ذكريات نعيش عليها، ويملأنا الحنين إليها. فماذا تغير في رمضاننا الآن؟ قد يخيّل للبعض أنه اليوم يعيش رمضان، بكلّ عناصر التكنولوجيا، والبهرجة التي تواكبه، لكن كل الآراء، والتى لم تسع المساحة لسردها كاملة، أكدت أن رمضان زمان، كان أكثر تطوّرا وانفتاحا. والانفتاح هنا انفتاح بشرى، لأنه كان يجمع الكلّ تحت أجنحته. بعكس الآن، فهو انفتاح تكنولوجى، شتت الشمل، لدرجة أن الأسرة الواحدة، ربما لا تجتمع إلا من خلال رسالة إلكترونية مصمتة.
«خالد- ٤٤ سنة».. كان رمضان يمثل لى في الماضى موسما للروحانيات. وفى ذات الوقت المتعة والتسلية وممارسة الأنشطة والهوايات. كما كان فرصة ذهبية للقاء الأقارب والأصدقاء، وتبادل الزيارات معهم. كان ملتقى للأسرة على مائدتى الإفطار والسحور. وهو قلما يتكرر في الأيام الأخرى بسبب الدراسة وعمل أفراد الأسرة ومشاغل الحياة المختلفة. كان اليوم يبدأ بعد أداء صلاة الفجر، بالاتفاق مع الأصدقاء على لعب كرة القدم في الساحة الشعبية، أو مركز الشباب حتى شروق الشمس. وهذه الفترة كانت مخصصة للأطفال والهواة للعب خلالها. أما فترة العصارى وحتى قبل انطلاق مدفع الإفطار بدقائق، فكانت مخصصة للكبارالذين ينتظمون في دورات رمضانية. وكنا نذهب لمشاهدتهم وتشجيع فريق قريتنا. وكان القائمون على الدورات، يتفننون في اختيار أسماء الفرق الكبرى. مثل البرازيل والأرجنتين، وإطلاق أسماء مشاهير الفريقين، مثل مارادونا وزيكو على اللاعبين. وتوصيل الميكروفونات للتعليق عليها وتقليد أصوات أسلوب كبار المعلقين مثل الراحل على زيوار وميمى الشربينى. ومن المهام التي كنت أحرص عليها في المرحلة الابتدائية، الذهاب إلى شراء صحف الصباح لوالدى والأقارب وأهل المنطقة، من بائع الصحف الوحيد بالقرية، من الكشك الخاص به على محطة القطار، التي كانت تبعد عن القرية بأكثر من كيلو متر. وكنت أجد في ذلك متعة كبيرة، خاصة أن الصحف كانت متنوعة ودسمة، وأقوم بقراءتها قبل أن يطلبوها منى. وفى المساء، كانت متابعة التليفزيون بقناتيه الأولى والثانية، وفوازير رمضان والمسلسل الجديد، الذي كان يستحوذ على اهتمام الكثيرين. وكان شغلهم الشاغل طوال أيام الشهر الكريم.
«وليد- 43 عاما».. البركة، المائدة البسيطة، وطريقة وضع الأطباق عليها بعفوية، عكس الاصطفاف الأنيق المصطنع الذي نشهده اليوم. المسحراتى المتنقل بين الشوارع برفقة عصاه الصغيرة، للطرق بها على الطبلة، مناديًا على أهل الشارع كلّ باسمه. أفراد العائلة الذين يجتمعون قبل رمضان بيوم أو يومين على الأكثر، لصنع الزينة والفانوس من الورق، سواء الأبيض أو الملون، لترتديها الشوارع، والتنافس فيما بينهم على من سينال لقب أجمل شارع، ليس بالزينة فقط، بل بتنظيفه بشكل يومى وخاصة قبل الإفطار، استعدادا لماراثونات اللعب بين الأطفال، وتجمع الأهالى لشرب الشاى وتناول الحلويات من صنع أيديهم معا، على الحصيرة البلاستيك، التي يتنافسون أيضا بألوانها الزاهية والجديدة. الفرحة والبهجة والسعادة، التي كانت تلازم الشهر منذ أول يوم حتى آخر يوم.
«نادية- 51 عاما».. البركة التي تملأ كل أركان البيت، والصدق في التعامل مع الآخرين، وانتظار انطلاق المدفع، ونحن نردد مع النقشبندى، تواشيحه «مولاى إنى ببابك قد بسطت يدى». كل ذلك كان له وقعه في أيام وليالى رمضان زمان. أكثر ما يحزننى هو أن أولادى لم ولن يتمتعوا يوما بهذا الشهر الكريم مثلنا.
«حازم- 29 عاما» روقان البال، واللعب والسهر مع الأصدقاء حتى موعد السحور. أيام أعيش عليها حتى الآن. ورغم أننى من المفترض أننى مازلت شابا، لكنها ظروف وضغوط الحياة التي جعلت كل اهتمامنا لا ينحصر في العمل فقط، بل البحث عن أكثر من عمل في آن واحد.
«مروة- 23 عاما».. رمضان يعنى صلاة التراويح مع ماما كل يوم في المسجد، فكان بمثابة عرس. لدرجة أننى شهدت خطوبات كثيرة وزيجات تمت من خلال صلاة التراويح. فكانت الأمهات ترى الفتيات هناك، ومن تعجبها تتقدم لخطبتها لابنها على الفور، خاصة وأن الجميع كانوا يعرفون بعضهم جيدا.
«محمد- 26 عاما».. العيدية كانت تتوّج هذا الشهر. فهى بمثابة الحلم الذي يراودنا منذ يومه الأول، فخمسة قروش كان مبلغا لا يستهان به، نصرفه قرشا قرشا، طوال أيام العيد. ونحن سعداء ومبهورون بكل تلك النقود التي نمتلكها. و«نخشخش» بها في جيبنا. وكانت لها طقوس خاصة، ولا تتم اعتباطا. فالوالد والوالدة، يعطوننا إياها فور استيقاظنا مباشرة، بعد أن نقبل أيديهم وجباههم، وقبل الذهاب إلى صلاة العيد، لنشترى ما نريد أثناء عودتنا من الصلاة، حتى نشعر بفرحة الفطر. وبعد الانتهاء من الصلاة، يظل باب البيت مفتوحا طوال اليوم. ويأتى الأعمام والأخوال للتهنئة وإعطائنا العيدية. والجيران واحدا واحدا يعيدون على بعضهم البعض..
«إيناس- 46 عاما». رمضان يعنى صلاة التراويح كاملة في المسجد، على مدار الشهر. ثم صلاة التسابيح في البيت يوميا في تمام الساعة 1 صباحا. يعنى برامج تليفزيزنية وإذاعية حلوة ومفيدة نتعلم منها الأخلاقيات «زهور من نور- ماما نجوى وبقلظ وصباح الخير- عصافير الجنة- كلمتين وبس- عمو فؤاد ونيللى وشيريهان وفطوطة- وبدون مونتاج- ويا تليفزيون يا- صحة وعافية- فوازير آمال فهمى- مسابقة القرآن الكريم.. إلخ» ولن أنسى فرحتى بالفوز في مسابقة القرآن الكريم الإذاعية. ذكريات عزيزة على قلبى، تفوح منها رائحة ثياب العيد الجديدة التي نشتريها ليلة العيد فقط، حتى لانزهد فرحتها.
«ألفت- 55 عاما».. ما بين رمضان زمان ورمضان الآن أبحث عن بعض الأشياء التي تذكرنى بأيام الزمن الجميل مثل صوت الشيخ محمد رفعت والحفاظ على بعض ما تعودت». كانت أسرتى تتجمع يوميا على الإفطار والسحور، ولا يتخلف أحد منا فقد كنا أسرة كبيرة العدد، وكنا ننتظر صوت الشيخ محمد رفعت يرفع أذان المغرب. ونتابع إذاعة البرنامج العام وإذاعة الشرق الأوسط، فقد كان يذاع عليهما المسلسلات والبرامج الشيقة الجميلة، ثم نشاهد الفوازير والمسلسلات التي لا تتجاوز اثنتين أو ثلاثا، ورغم ذلك كنا نستمتع بها جدا، بعكس هذا الكم الوهمى من المسلسلات الآن. أما السحور فكانت والدتى تعده وحدها بالكامل وتوقظنا لنتناوله سويا أيضا وننتظر حتى أذان الفجر لنصلى، نستيقظ مبكرا ونمارس يومنا الطبيعى بدون أي تغيير أو كسل.
«هالة 40 عاما».. ذكرياتى مع رمضان تمر أمامى، وكأنها فيلم أو مسلسل درامى مفرح. منزل جميل يجمع أفراد الأسرة الذين يستعدون لقدوم رمضان بتنظيف المنازل، وتجهيزات قائمة تحمل المأكولات، وأبواب الجيران كلها مفتوحة. أنا وكل فتيات العمارة، بعمل الزينة الرمضانية بالورق الأبيض والصمغ. ولا ننسى قصة الطبق الدائر في العمارة، والتى أثارها أحمد حلمى في فيلمه «عسل إسود». فهى حقيقة كانت تحدث. ننزل وكل الجيران جميعا، لأداء صلاة التراويح. وبعد العودة تجتمع الأمهات من الجيران والفتيات، للسمر والفكاهة وتناول الحلويات. حتى تأتى صلاة الفجر، موعد لقاء الشباب والرجال، في المسجد. وبعد الصلاة يقومون بتنظيف الشارع، ثم جمع مبلغ لزينة رمضان والأنوار. أما الآن، فأحاول الاحتفال برمضان مع أولادى، وأكون دائمة الحكى مع بناتى عن ذكرياتى، حتى يظلوا مرتبطين بهذه العادات والتقاليد. خاصة بعد أن حالت التكنولوجيا والموبايل بينهم وبين كل شىء أصيل.