للتجريد مظاهر وأساليب ومناهج واتجاهات مختلفة، وقد حرص الفنان حسام سكر في أحدث معارضه في جاليرى الباب بأرض الأوبرا على أن يؤكد على ملمح واتجاه مغاير في التجريد، ينشط الذائقة البصرية ويرتقى بها لأفق مغاير ومتجاوز من التلقى،، وقد انطلق الفنان في هذا المعرض من الغنى اللونى للطبيعة، والأشكال الهندسية غير المستقرة والكلاسيكية كما لا يخلو المعرض من المشاغبات الابتكارية في الأشكال منفردة أو التكوينات الكبرى التي تجمع أشكالًا مختلفة، ويعد الاتجاه التجريدى الذي اتخذه الفنان رهانا فنيا ومغامرة تشكيلية حيث جمهور الفن التشكيلى من المتخصصين سيحيطون بما يقدمه من إبداع جديد في طريق التجديد، غير أن العوام أيضا سيجدون في أعمال هذا المعرض ضالتهم، حيث سينتابهم إحساس غالب بأنه بإمكان أي شخص غير خبير ومتمرس في التشكيل أن يحقق حركات ومشاغبات لونية في النهاية ستشكف عن انفعالاته وحالته.
كتب الناقد والفنان التشكيلى والأديب الكبير عز الدين نجيب عن معرض حسام سكر الأحدث يقول: «الفن التجريدى يبدو من الظاهر فنا سهلا يستطيع أي إنسان أن يمارسه بلا قواعد أكاديمية أو قوالب فنية متفق عليها، سواء كانت له مرجعية من الطبيعة أو من أشكال هندسية مجردة، أو كان إسقاطا عفويا بالألوان والخطوط على سطح ما، حسبما تستجيب يد الفنان لتيار وعيه وعقله الباطن، ويرى البعض أن للصدفة دورا في تكوين الأشكال التجريدية، وقد يكون كل ذلك صحيحا، لكن الأمر ليس بهذه البساطة في الحقيقة، فللتجريد أنواع واتجاهات عدة، ومعايير وموازين تُدرَك بالعين المدربة، التي استوعبت الأسس الجمالية في أمهات المدارس الفنية، وهناك في تاريخ الفن العالمى- كما في الفن البصرى- فنانون كبار بدأوا كلاسيكيين أو واقعيين ثم انتهوا تجريديين، وأصبحت لهم فيه أساليب ونظريات تتضمن القيم العليا في الاتجاهين، وهى عند التجريديين تُعلِى من شأن الابتكار في لغة الشكل كهدف لذاته بغير موضوع يعالجه أو رسالة يحملها، لأن «الشكل» هو موضوع الجمال وليس أي شىء آخر، لكن المشكلة الكبرى أمام هذا الفن هي أن الذائقة الإنسانية للجمال لدى أغلب الناس في كل مكان (وليس في مصر وحدها) لا تستطيع تذوق الفن عموما إلا في إطار موضوع أو مضمون له علاقة بالطبيعة والإنسان، أو على الأقل يتضمن إيحاءات أو رموزا تتصل بهوية الشعوب، فإذا خلا الفن من كل ذلك، قام حاجز لدى المتلقى يحول دون تذوق العمل الفنى مهما كانت جمالياته وإثارته، لهذا فإن إقدام أي فنان على إقامة معرض تجريدى يعد مغامرة، حيث لن يلقَى ترحيبا إلا من بعض زملائه ومحبيه أو بعض دارسى الفن، وفى أحسن الأحوال من عدد نادر من المقتنين الذين يبحثون عن لوحة للزينة تناسب ألوانها ألوان الأثاث والجدران في المنزل أو المكتب!
آخر هؤلاء المغامرين هو الفنان المخضرم حسام سُكر، بمعرضه المقام حاليا بقاعة الباب بالأوبرا؛ ثلاثون لوحة تقريبا رسمت بأسلوب (التاشيزم) أي بإطلاق الألوان عفويا فوق سطح اللوحة، واستخدام طرق الدفق أو الكشط أو الرش من أعلى، أو بضربات الفرشاة العريضة أو سكين الألوان بقدر محسوب من العشوائية، ولا تعتمد لوحاته على وحدات هندسية أو خطوط ذات صلة بالطبيعة أو الواقع، ولا تتبلور عناصرها في تكوين يربط بين أشكال ملموسة، فاللوحة عنده مساحة لونية واحدة تمتد بلا نهاية حتى آخر أضلاعها الأربعة، مشغولة بمجموعة ألوان وملامس متداخلة تشكل مزيجا من التأثيرات البصرية، تبدو كقطعة نسيج مموهة الألوان، خالية من وحدات مركزية ذات قوام صلب أو تصميم فنى متماسك، إلا فيما ندر (كتلك اللوحة التي تحمل تأثير الأقواس المعمارية ويغلب عليها اللون الأحمر).
أغلب اللوحات تبدو ظاهريا كأشكال مجهرية أو ذات تضاريس لكواكب نائية أو لجدران مخربشة، عولجت بألوان سخية وملامس خشنة، بعض أجزائها توحى بالبروز الناتئ عن السطح إثر ضربات السكين (وقد لا تكون بارزة في الحقيقة) خاصة في اللوحات التي يغلب عليها اللون الأزرق، وثمة «جملة لحنية» واحدة تتردد من لوحة إلى أخرى فتُحدِث تجانسا لونيا بين الساخن والدافئ والبارد من الألوان، غير أنها قلما تنجح في إحداث تنوع إيقاعى بين الحدة والرقة، مع أن التنوع الذي يتصاعد حتى التباين والتضاد هو سر الدراما المرئية والمسموعة في كل الفنون، وهناك وميض لونى يبزغ مرتعشا من وسط كثافة الألوان.