x

صفقة القرن.. تسوية ترفع الراية البيضاء (تقرير)

السبت 20-10-2018 02:31 | كتب: عبدالله سالم |
 ترامب أثناء زيارته دولة الاحتلال - صورة أرشيفية ترامب أثناء زيارته دولة الاحتلال - صورة أرشيفية تصوير : اخبار

حسن نافعة: ترامب يعبر عن تيار يميني متطرف وثيق الصلة بـ«المسيحية الصهيونية».. وسقوط دمشق وطهران يعني نجاح صفقة القرن.. والدول العربية لن تجرؤ على تمريرها دون موافقة فلسطينية.. وموقف الرئيس عباس «مناورة سياسية»

عبدالقادر ياسين: شروط النجاح متوفرة للصفقة وعباس طرف فيها.. ووضع الشعب الفلسطيني «أشد وطأة من نكبة 1948».. ومؤتمرات القمة العربية لم تعد ترى إسرائيل عدوًا.. ولا يجب على المنهزم تقديم مبادرات تسوية

عاصم الدسوقي: نجاح الصفقة يعني فرضها بالقوة أو بقاء الوضع الراهن.. والعرب يعملون ضد القضية وأمير قطر السابق يمتلك فيلا في تل أبيب.. والسلطة تقدم تنازلات ورئيسها لا يغادر منزله إلا بموافقة الاحتلال.. وقانون يهودية الدولة جزء من مشروع تحويل المنطقة إلى دول دينية وعرقية ومذهبية

جمال زهران: الصفقة ستفشل و«محور مقاومة«حال دون سقوط سوريا ولبنان وضياع القضية الفلسطينية.. ويجب دعم موقف السلطة «الإيجابي».. وحل الدولتين يتيح قرية صغيرة عاصمة لفلسطين.. وإسرائيل ستعمل على طرد عرب 48 من القدس

بدأ الحديث عن مشروع الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، لحل الصراع العربي الإسرائيلي بينما كان البيت الأبيض يتجهز لاستقبال الرئيس الجديد، نوفمبر 2016، وجاء ضمن برنامج الملياردير الجمهوري لإدارة الشؤون الخارجية للولايات المتحدة، واستغرق التحضير له 18 شهرًا، وسرعان ما أطلق عليه مصطلح «صفقة القرن»، ليستدعي العديد من التكهنات حول تفاصيله غير المعلنة، في الوقت الذي أعلن رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس، أن المشروع في واقع الأمر «صفعة القرن».

ترامب عين صهره اليهودي جاريد كوشنر مستشارًا في البيت الأبيض، وجعل اليهودي المتشدد جيسون جرينبلات مبعوثه الشخصي للسلام في الشرق الأوسط، واتخذ عدة إجراءات ضد القضية الفلسطينية، بدأت بنقل سفارة بلاده في إسرائيل من تل أبيب إلى القدس، 14 مايو الماضي، في تحد لقرار الأمم المتحدة القاضي بعدم تغيير طابع المدينة، واتجاهه لحصار اللاجئين الفلسطينيين بإلغاء دعم وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين «أونروا»، ومعاقبة السلطة الفلسطينية بوقف المساعدات الأمريكية، وإغلاق مكتب منظمة التحرير في واشنطن.

المشروع الأمريكي الذي رفع شعار «التسوية السلمية للقضية الفلسطينية» تنكر لحقوق الشعب الفلسطيني الثابتة في تقرير المصير وإقامة دولتهم المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية وعودة اللاجئين، ليتحول بالنسبة إلى كثيرين، مثل الدكتور حسن نافعة، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، إلى مشروع لـ«تصفية القضية»، فيما اختلفت بعض الآراء حول مستقبل المشروع الأمريكي وفرصه في الحياة، وإن كان أغلب الآراء تشدد بـ«استحالة تمرير الصفقة».

يقول «نافعة»، في تصريحات لـ«المصري اليوم»: «هناك مكون أيديولوجي في ذهن ترامب عند نظرته إلى الصراع العربي الإسرائيلي، وهو يعبر عن تيار يميني متطرف وثيق الصلة بما يسمى (المسيحية الصهيونية) المؤمنة بإقامة دولة إسرائيل الكبرى. هو يتصور أن العالم العربي في وضع بائس ومنقسم على نفسه بحيث يستطيع أن يضغط على جميع الأطراف العربية، بما فيها فلسطين، للتوصل إلى صفقة القرن. ولكن اتصالاته مع كوشنر وجرينبلات بينت أن الموضوع أعقد مما يتصور، وبالتالي عليه أن يأخذ مبادرات معينة حتى يضع كل الأطراف أمام الأمر الواقع».

بدأت صفقة القرن فعليًا، حسب «نافعة»، عندما «تفتّق ذهن كوشنر عن أن أخطر العقبات التي تعترض طريق التسوية هي قضية القدس نظرًا لحساسيتها الدينية، ولأنها الصخرة التي تحطم عليها مؤتمر كامب ديفيد الثاني بين ياسر عرفات وبيل كلينتون وإيهود باراك عام 2000. من هنا بدأ ترامب يزيح قضية القدس عن طاولة التفاوض لإخراجها من صفقة القرن، وحتى لا نظلم الرجل، الكونجرس الأمريكي هو الذي قرر نقل السفارة إلى القدس، ولعدة سنوات كان الرؤساء السابقون يأجلّون نقلها بدعوى الحفاظ على العلاقات مع بعض الدول العربية الحليفة».

ويضيف: «ترامب خالف كل هذا، وأراد أن يبدو بمظهر الرئيس الأشجع الذي يقوم بما لم يقدر عليه أسلافه، وهذا يعني أنه يريد فرض أمر واقع، وهو لم يكتف بنقل السفارة، وهدد الدول التي عارضت قراره، وبالتالي لحقت بالولايات المتحدة هزيمة سياسية في الجمعية العامة كالعادة، ولكنها على كل حال أخرجت موضوع القدس من المفاوضات، وترامب يحاجج بأن السفارة نقلت إلى الجزء الغربي من المدينة وأنه الجزء المخصص لإسرائيل في مخطط تقسيم الأمم المتحدة، والقيام بهذه الخطوة يفسد بالطبع الدور الامريكي».

يتفق المؤرخ الفلسطيني عبدالقادر ياسين مع «نافعة» في القول بـ«انحياز ترامب المطلق لإسرائيل»، ويقول: «هذا البلطجي طور الدعم الكاسح لإسرائيل ووصل به إلى الذروة شأنه شأن أساليبه مع كل الدول، وهو يريد أن يطوي قضية الفلسطينيين إلى الأبد، وهو رمى برقع الحياء وأعلن دعمه وانحيازه لإسرائيل 100%. في الماضي كان يتم تقديم الدعم اللامشروط ولكن من وراء حجاب، والجميع يعرف أن إسرائيل أكثر دولة تتلقى دعمًا أمريكيًا في العالم، والبعض يقول إنها الولاية الـ51 من أمريكا».

يقول «ياسين»، لـ«المصري اليوم»، إن وضع الشعب الفلسطيني الآن «أشد وطأة من وضعه في نكبة 1948»، ويقول: «تعمقت في الضفة الغربية وقطاع غزة أوضاع اقتصادية متردية، عمّقت بدورها تشوه الطبقات الاجتماعية الفلسطينية. أملنا في مجتمع منتج يخلص الطبقات من التشوهات التي علقت بها مع طول سنوات الاحتلال، وبالتالي تتعافى الحركة السياسية التي تعبر عن الوضع الاجتماعي، لأن هذا الوضع المشوه لا يقدم إلا وضع سياسي مشوه، وهناك فئات فلسطينية منتفعة من الوضع المتردي للقضية».

يرى الدكتور جمال زهران، الأمين العام للجمعية العربية للعلوم السياسية، أن «الولايات المتحدة من خلال مشروع صفقة القرن تريد إفساح المجال أمام مزيد من السيطرة الإسرائيلية على الأراضي العربية، وإضفاء الشرعية على ما احتلته من أراض، وجعل الاستيطان حق شرعي لإسرائيل، وتصفية القضية الفلسطينية من خلال توطين اللاجئين في أماكن بديلة»، ويندد بما يسميها «ممارسات البلطجة من قبل ترامب مع دول المنطقة، وعدم مراعاته لأي قيم؛ حيث يهدد السعودية ويحذرها من عدم الدفع، ويحرك الشارع الأردني ضد الملك عبدالله من أجل القبول بشروطه في فلسطين».

ويضيف في تصريحات لـ«المصري اليوم»، أن «إسرائيل بعد نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس وتمرير قانون الدولة القومية لليهود سوف تعمل على طرد عرب 48 من مدينة القدس، وطرد كل من هو غير يهودي. نحن أمام دولة دينية، وأمام مشروع استعماري بغطاء ديني، وبعد هذين الحدثين لم يبق أمام الولايات المتحدة إلا ممارسة الضغط على الفلسطينيين والعرب لتمرير الصفقة».

أما الدكتور عاصم الدسوقي، أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر بجامعة حلوان، فيرى أن الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، كان يتبنى منذ البداية حل الدولتين، وحاول أن يمارس الضغط على إسرائيل للقبول بالحل دون شرط نزع السلاح عن دولة فلسطين، ولوح في أكتوبر 2017 بكشف وثائق اغتيال الرئيس الأمريكي جون كينيدي؛ لأن المتهم الرئيسي باغتياله هم اليهود بسبب اتصالاته مع عبدالناصر واتفاقهما على إيجاد حل عادل للقضية الفلسطينية مطلع الستينيات.

لم ينجح ترامب في الضغط على الإسرائيليين بهذه الورقة؛ بسبب تأثير اللوبي اليهودي، يقول «الدسوقي»، ويضيف لـ«المصري اليوم» أن ترامب تحول من الضغط على الإسرائيليين إلى الضغط على الفلسطينيين «الحيطة المايلة» بإجراء أوّلي تمثل في نقل السفارة إلى القدس، وإزاحة مدينة القدس عن مسار التفاوض، وذلك لدفع الفلسطينيين للقبول بدولة منزوعة السلاح. الفلسطينيون ليست لديهم قوة اللوبي اليهودي، فضلًا عن فقدانهم للظهير العربي.

يعتبر «الدسوقي» أن قانون الدولة القومية لليهود له علاقة بصفقة القرن، وهو جزء من مشروع شيمون بيريز، الرئيس الإسرائيلي الراحل، «الشرق الأوسط العظيم» عام 1994 لتحويل المنطقة إلى عدة دول على أسس طائفية؛ عرقية أو دينية أو مذهبية، ويقول: «إذا وجدت دولة إسلامية وكردية ودرزية وشيعية في المنطقة ستجد إسرائيل ذريعة لكي تعلن نفسها دولة يهودية، ولن يقدر أحد على معارضتها بما أن المنطقة بالكامل تحولت إلى دول طائفية».

يشير «الدسوقي» إلى مخاطر إعلان إسرائيل دولة يهودية، وأولها «إلغاء حق الفلسطينيين في العودة، وسيكون على عرب 48 في إسرائيل سواء كانوا مسلمين أو مسيحيين إما أن يتحولوا إلى اليهودية أو يهجروا منازلهم، مثلما جرى في إسبانيا المسيحية عندما تأسست عام 1492 بزواج الملكة إيزابيلا والملك فيليب، وكان أن خيروا اليهود والمسلمين بين اعتناق المسيحية أو مغادرة البلاد أو القتل، وحدثت هجرة اليهود إلى المغرب وولايات الدولة العثمانية في البلقان».

فرص الصفقة

يرى المؤرخ الفلسطيني عبدالقادر ياسين أن «شروط النجاح متوفرة لصفقة القرن، ومن ناحية أخرى إسرائيل تخوض ضدنا معادلة صفرية، إما هم وإما نحن، والوضع مواتي أن يكونوا هم، والحليف الإستراتيجي لهم (أمريكا) يحذو حذوهم، هم يرون الأمور مواتية في الوقت الراهن لتصفية القضية مرة وإلى الأبد»، ويبدو متشائمًا وآسفًا أمام «مشروعات الأعداء التي تمر في الوضع العربي مرور السكين في الزبدة، من كثر رخاوة الوضع العربي».

في المقابل، لا يبدو الدكتور حسن نافعة، أستاذ العلوم السياسية، بهذا القدر من التشاؤم، ويشدد بأن «الصفقة ليس لديها القدرة على أن تمر، فبعد إخراج قضية القدس من التفاوض وإخراج قضية اللاجئين ماذا تبقى من القضية؟ لن يوقع أحد على الصفقة إذا كان معناها تصفية القضية، ولن تجرؤ الدول العربية دون موافقة فلسطينية على التعامل مع الصفقة، والأرجح أن تظل الأمور على ما هي عليه، وتحاول الولايات المتحدة الضغط على السلطة والدول العربية لكي تتعامل مع الصفقة وكأنها أمر واقع، لكن لن تكون هناك وثيقة».

يتفق الدكتور جمال زهران، أستاذ العلوم السياسية، مع «نافعة» في رؤيته لمستقبل الصفقة، ويؤكد: «الصفقة ستفشل وإن كانت مقدماتها تشير إلى حتمية تنفيذها، ولكنها لن تصل إلى نتيجة؛ لأن المتحمس للصفقة هو الرئيس دونالد ترامب، وهو على كف عفريت، وأتوقع عدم استمراره في الحكم عامين، وسيتم عزله مثل ريتشارد نيكسون، وبالتالي كل مشروعاته ومنها صفقة القرن ستتوقف، وإذا جرى الاتفاق على شيء سيكون سريًا».

يرى المؤرخ الدكتور عاصم الدسوقي أن «الصفقة ليس أمامها إلا طريقين؛ إما أن تفرض بالقوة أو يبقى الوضع كما هو عليه»، ويضيف: «الإدارات الأمريكية تسير على مبدأ ثابت، وإن اختلفت الوسائل، وكذلك الإسرائيليون، هذا المبدأ هو (Slowly But Surely)، ومعناه أنني أعرف الهدف، وسأصل إليه في النهاية حتى وإن كنت أسير إليه ببطء، ولنا في قيام دولة إسرائيل مثال، حيث بدأت فكرة إقامة وطن لليهود في فلسطين تراود أمريكا عام 1905، ونجحت في تحقيق هدفها عام 1948».

موقف السلطة الفلسطينية

يقول الدكتور حسن نافعة إن منظمة التحرير الفلسطينية اتخذت «موقفًا حادًا» من الإجراءات الأمريكية، بعدما فهمت أن الصفقة في أحد جوانبها تعني إخراج مسألة القدس من التفاوض، وبالتالي بدا لها الموقف الأمريكي «منحازًا بالكامل» فيما يتعلق بهذه المسألة لصالح إسرائيل، ولذلك اعتبرت السلطة أن أمريكا ليست وسيطًا نزيهًا، ولا تستطيع الاستمرار في التفاوض، ورفض رئيس السلطة، محمود عباس، لقاء المبعوث الأمريكي جرينبلات في الفترة الأخيرة.

ويضيف: «موقف السلطة أدى إلى تصعيد الولايات المتحدة، وبالتالي حاولت أن تنتهز فرصة ما اعتبرته نوعًا من التمرد الفلسطيني على إرادتها لكي تمارس ضغوط هائلة على السلطة مثل إلغاء دعم الوكالة والتشكيك في تعداد اللاجئين وسحب التمويل من السلطة نفسها وإغلاق مكتب المنظمة في واشنطن». ويعتبر أن «موقف السلطة من حيث المبدأ موقف جيد ومحترم، ولكن يبدو أنه يوظّف كجزء من المناورات السياسية التي اعتادت السلطة أن تستخدمها، ولم يكن موقفا أصيلًا، بدليل أنه لم يتبع بخطوات جادة لتحقيق المصالحة الشاملة وإعادة بناء وهيكلة منظمة التحرير على أسس جديدة، والاتفاق على إجراء انتخابات تعبر عن الشعب الفلسطيني سواء في الداخل أو الخارج».

يرى «نافعة» أن موقف السلطة الفلسطينية «سليم من ناحية اعتبار الولايات المتحدة وسيطًا غير نزيه»، ويقول إن «رفض التعامل مع الولايات في تقديري موقف سليم تمامًا، لكن كان يجب أن يتم بعد ترتيب البيت الفلسطيني من الداخل، كان يجب أن يكون هو موقف كل الفصائل الفلسطينية، إذًا تتم مصالحة وطنية، وتعاد هيكلة منظمة التحرير، وتكون هناك حركة موحدة تدير الصراع بطريقة موحدة ومختلفة، ويكون من بينها التعامل مع الطرف الأمريكي والأوروبي والمواقف الأخرى».

ويضيف: «كنت أتمنى أن يكون موقف السلطة من الولايات المتحدة معبرًا عن كل الفصائل، وهذا كان من شأنه أن يكون أكثر إقناعًا للعالم بأن هناك عنوان فلسطيني يمكن الرجوع إليه، لكن موقف محمود عباس كان (نوعًا من المزايدة)، وهو في واقع الأمر يستخدم موقفه كـ(شعار)، وأرى أنه ليس موقفا حقيقيًا. أنا لا أثق كثيرًا في موقف عباس، وأظن أنه حريص على مصالح النخبة في المنظمة أكثر من حرصه على مصالح الشعب الفلسطيني. وليس صحيحًا أنه قطع المفاوضات، لكنه يريد أن تكون ضمن إطار اللجنة الرباعية».

يعارض الدكتور جمال زهران الطرح السابق، ويرى أن «موقف السلطة الفلسطينية إيجابي، وهو موقف تاريخي منذ الرئيس ياسر عرفات، ولن أخوض في النوايا مثلما يفعل البعض وأقول إنه موقف غير حقيقي. موقف عباس والسلطة تقابله ضغوطات أمريكية على الأرض، كيف لي أن أقول إنه موقف غير حقيقي والسلطة تتعرض لضغوطات من ترامب مثل إلغاء دعم الأونروا ووقف الدعم المقدم للسلطة نفسها، وإغلاق مكتبها في واشنطن. هناك من يقف ضد أوسلو، وهناك أيضًا من يقف ضد شخص عباس، والتشكيك في موقف عباس يقود إلى الإحباط».

يدعو «زهران» إلى دعم موقف السلطة الفلسطينية ومؤازرته، ويرى أن «مصلحتنا العروبية تقتضي هذا، ومحمود عباس يفتقد الدعم العربي، وهو لا يقدر على توقيع وثيقة التنازل عن الحقوق الفلسطينية وتمرير صفقة القرن، هناك حدود دنيا النزول عنها يطيح بالحكام، وأوسلو كانت الحد الأخير، وهو غير قادر على طمس حق عودة اللاجئين، فضلًا عن رفضه لنقل السفارة إلى القدس، مع العلم بأن حل الدولتين القائم على فكرة القدس الشرقية عاصمة لفلسطين لا يتيح للفلسطينيين إلا قرية صغيرة في المدينة لتكون عاصمة دولتهم».

يؤكد المؤرخ الدكتور عاصم الدسوقي أن «موقف عباس والسلطة الفلسطينية يحتاج إلى الاستناد إلى قوة، الحق يجب أن تسانده قوة، والظهير العربي ليس في صفّه؛ لأنه يعمل تحت الطاولة بطريقة تصب في مصلحة إسرائيل»، ويعتبر أن «الحكومة في الضفة الغربية تقدم التنازلات عملًا بالقول (عصفور في اليد خير من 10 على الشجرة)، وأن رئيس السلطة عباس لا يغادر منزله إلى مكتبه إلا بموافقة أمنية من إدارة الاحتلال».

يتهم المؤرخ الفلسطيني عبدالقادر ياسين رئيس السلطة محمود عباس بأنه «طرف في صفقة القرن»، ويقول: «قطع رواتب الموظفين في غزة هل لعرقلة صفقة القرن؟ أم لتسهيلها؟ 80% من سكان القطاع تحت خط الفقر، ويأتي هو ليزيد الأمور سوء. عباس ينفرد بالقرار السياسي، والقيادة الفلسطينية ظلت رهنًا بمشيئة النظام العربي والجامعة العربية»، ويضيف أن محمد حسني مبارك، الرئيس المصري الأسبق، نصح رئيس السلطة السابق، ياسر عرفات، بأن «يترك الداخل بعد توقيع أوسلو لشخص آخر ويبقى هو ممثلًا للمنظمة في الخارج، وهذا موقف يحسب لمبارك، ولكن عرفات قرر الاتجاه إلى الداخل، وكرر مبارك نصيحته، ولكنه رفض وكان ما كان، دون أن يدري أنه إذا كان التوازن العربي يبقيه في الخارج، فإن التوازن الإسرائيلي هو ما يبقيه في الداخل، واغتيل مسمومًا على يد الإسرائيليين في خريف 2004».

حلفاء فلسطين

حجر العثرة في طريق تمرير الصفقة، كما يقول الدكتور حسن نافعة، هي محور «إيران وسوريا وحزب الله وحماس وحركة الجهاد الإسلامي»، ويقول: «هذه الأطراف كلها متحالفة موضوعيًا، وترفض الصفقة قطعًا، وما يطلق عليه البعض رأس الأفعى هنا يقصدون به إيران، وإسرائيل وأمريكا تدركان ذلك، ما يفسر عدائهما لطهران، والإدارة الأمريكية تضع إسقاط إيران على أجندتها الراهنة، وإذا نجحت في تغيير النظام وفرض سيطرتها في سوريا ستنجح في تصفية حزب الله وإضعاف حماس، وفي هذه الحالة ستكون الأرضية ممهدة لصفقة القرن».

يعوّل «نافعة» على هذا المحور في للتصدي لصفقة القرن، ويشير إلى أن «حزب الله هو الجهة الوحيدة التي كسبت الحرب ضد إسرائيل وانتصرت فيها دون قيد أو شرط. ولو افترضنا أن إيران غيرت موقفها من القضية الفلسطينية، وقالت إنها توافق على الصفقة أو التسوية فلن تكون هناك أية مشكلة لأمريكا مع إيران، وهناك دول عربية تتصور أن أمريكا تحارب إيران لأنها تتدخل في شؤونهم، لكن واشنطن تستهدف طهران لأنها العقبة في طريق الصفقة، وهي أساس المقاومة المسلحة ضد إسرائيل».

الدكتور جمال زهران، أستاذ العلوم السياسية، يرى الموقف العربي من صفقة القرن منقسم بين فريقين غير متساويين، ويقول إن أغلبية الدول العربية ترفض الصفقة، ولكن «هناك أنظمة عربية تقبل بها»، ويضيف في الوقت نفسه أن «الدول العربية لم تعد تحتمل القضية الفلسطينية، وأصبحت التنازلات من جانبها على أشدها»، مؤكدًا أن «بعض الدول العربية تواجه ضغوطات أمريكية لتغيير موقفها من القضية، مثلما حدث في الأردن الذي يواجه ضغوطات من واشنطن وصلت إلى تحريك الشارع ضد الملك نفسه من أجل القبول بالصفقة».

يرى «زهران» أن هناك محور مقاومة يقف أمام المشروع الأمريكي الصهيوني ويتعاظم مع الوقت، محققًا انتصارات وأهداف في مرمى إسرائيل وأمريكا وقوى الاستعمار، ويقول: «هذا المحور يتلقى الدعم من حزب الله في لبنان، ومن النظام السوري الذي تسعى إسرائيل إلى إسقاطه، بالإضافة إلى دعم روسيا وإيران والصين وكوريا الشمالية. هذا المحور هو الذي حال دون سقوط سوريا ولبنان ودون ضياع القضية الفلسطينية»، ويضيف أن «المقاومة الفلسطينية ليست بالقوة الكافية؛ لأنها فقدت دعم الظهير العربي».

أبدى المؤرخ الفلسطيني عبدالقادر ياسين أسفه لما سماه «الصمت العربي إزاء الانتهاكات الفظة بحق القضية الفلسطينية»، ويقول إن «وهن الوضع العربي شجع ترامب على اتخاذ إجراءاته، وهناك أنظمة عربية عديدة هرولت إلى التطبيع والتنسيق مع إسرائيل، حتى مؤتمرات القمة العربية لم تعد ترى إسرائيل عدوًا، وتتعامل الآن مع إيران كعدو»، ويضيف: «معظم الحكام العرب يعملون من أجل بقاء كراسيهم، ويعلمون أن أمريكا هي من تثبت أو تقتلع هذا الحاكم أو ذلك من الكرسي، وأن الطريق إلى قلب أمريكا هو إسرائيل».

يرجع «ياسين» بذاكرته 16 عامًا، ويقول إن «القمة العربية في بيروت عام 2002 سقطت في الامتحان، والنظام السياسي العربي سقط كذلك في الامتحان، ومبادرة السلام العربية التي قدمتها السعودية سقطت في اليوم التالي، وأقول هنا إنه لا يجب على الطرف المنهزم أن يقدم مبادرات تسوية لأنها لن تكون في صالحه بحكم موازين القوى، ومنذ تردي الوضع العربي وفي القلب منه الوضع الفلسطيني ومشاريع التسوية تتوالى من الأطراف المهزومة»، معتبرًا أن «العرب فقدوا السند الدولي بعد تفكك الاتحاد السوفيتي وسقوطه، وبعد أن انكفأت الصين على نفسها».

يعتبر الدكتور عاصم الدسوقي أن «القضية الفلسطينية لم يبق لها من داعم إلا حركة حماس، ومن خلفها حزب الله وإيران»، ويقول إن «حماس ليست متفهمة مع إسرائيل مثل السلطة، ويتهم الأخيرة بحصار قطاع غزة لإجبار حماس على التنازل والقبول بدولة منزوعة السلاح كخطوة أولى»، ويضيف: «لا أحد يعمل على تنمية هذا الموقف من حماس وحزب الله وإيران ليكون قوة في مواجهة إسرائيل، وهذا يفسر الحرب الأمريكية ضد إيران، وهنا يأتي دور روسيا بعد انتهاء الحرب الباردة وظهور النظام العالمي الجديد ليدافع عن إيران لتحقيق التوازن الدولي، لمنع تكرار السيناريو الأمريكي في العراق، وإذا سقطت طهران في يد أمريكا مثل بغداد ستصبح روسيا مهددة على حدودها. كل هذا يصب في مصلحة الفلسطينيين، فضلًا عن إيمان روسيا بحق الشعب الفلسطيني».

يرى «الدسوقي» أن «العرب يعملون بطريقة ما ضد القضية؛ بسبب التبعية الاقتصادية لأمريكا»، ويقول: «بعد الحرب العالمية الثانية تحول الاستعمار من عسكري إلى اقتصادي، وتحولت نظرته إلى الدول العربية وأصبح يراها مصدرًا للمواد الخام وسوق لتصريف المنتجات الرأسمالية، من هنا أصبحت مصالح الدول العربية غير المنتجة مع الولايات المتحدة، ويمكن ملاحظة الهجمة الأخيرة من ترامب على السعودية بسبب رفضها زيادة إنتاج النفط»، ويصف «الدسوقي» موقف قطر من القضية بأنه «معروف منذ وفاة الشيخ خليفة»، ويقول إن «الأمير حمد جاء إلى السلطة بتأييد إسرائيلي، ولديه فيلا في تل أبيب».

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية