تواجه القضية الفلسطينية ظرفًا تاريخيًا يهدد بتصفيتها من خلال مشروع الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، المعروف بـ«صفقة القرن»، بينما تستقبل الفصائل الفلسطينية كل يوم دعوات إلى طي صفحة الانقسام وإعلاء المصالحة من أجل وحدة وطنية تتفق على استراتيجية شاملة لإدارة الصراع مع الاحتلال. «المصري اليوم» تواصلت مع عدد من الفصائل لاستطلاع آرائها حول الأحداث الأخيرة وفرص المصالحة وسبل مواجهة المشروع الأمريكي.
حماس
اتهم فوزي برهوم، المتحدث الرسمي باسم حركة المقاومة الإسلامية «حماس»، رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس، بـ«القضاء على كل فرص تحقيق المصالحة الفلسطينية، كونه لا يؤمن بالشراكة، وهو الآن يفتقد للقدرة والإرادة لتحقيقها، وأولوياته التصالح مع الاحتلال وحماية مصالحه على تحقيق الوحدة وحماية مصالح شعبنا».
وقال، في تصريحات لـ«المصري اليوم»، إن «اتفاقية أوسلو كانت البداية لتنفيذ صفقة القرن، وفتحت شهية الإدارات الأمريكية المتعاقبة، وحاليًا إدارة دونالد ترامب، لابتزاز الطرف الفلسطيني، وتقديم مزيد من التنازلات لصالح الاحتلال، وعباس كبّل المقاومة وكبّل أيادي الشعب الفلسطيني وقضى على التعددية السياسية الحقيقية وتعاون أمنيًا مع العدو لاستئصال المقاومة».
واعتبر أن «رئيس السلطة الفلسطينية جعل كل هدفه استرضاء أمريكا وإسرائيل، ووثيقة (عباس بيلين) عام 1995 التي توافق عليها مع الإسرائيلي يوسي بيلين لإنهاء قضية اللاجئين والتخلي عن القدس عاصمة للفلسطينيين والاستعاضة عنها ببلدة أبوديس، كل هذه المحطات مهدت لتنفيذ صفقة القرن فعليًا على الأرض، وبالتالي ترامب وجد الطريق ممهدة لذلك، وأبومازن في أول لقاء متلفز مع ترامب أعلن ترحيبه بالصفقة».
وفيما يتعلق بفرص المصالحة، قال «برهوم»: «حماس قدمت كل المطلوب منها في المصالحة، وبشهادة الراعي المصري، ولكن عباس أفشل كل الجهود الوطنية والمصرية وفرض عقوبات على غزة وحارب سكانها في لقمة عيشهم وما زال يتوعدهم بمزيد من الانتقام، في حين لاحظنا في خطابة الأخير في الأمم المتحدة لغة التودد مع الاحتلال ولغة التهديد لغزة ولحماس، فعباس فاقد للشرعية والأهلية الوطنية لقيادة الشعب».
وأضاف المتحدث أنه «ليس لدى حماس أي مانع من العمل على إنجاح كل الجهود، وعلى رأسها الجهود المصرية، لتحقيق الوحدة والمصالحة، وعلى أساس تنفيذ كل الاتفاقيات الموقعة بما فيها اتفاق 2011 و2017، وعلى قاعدة الشراكة وليس الاحتلال والتبعية والتفرد بالقرار، وليس لدينا مانع حال رفض عباس المصالحة أن نذهب إلى انتخابات تفرز قيادة جديدة للشعب الفلسطيني».
وأوضح أن «حماس في كل مواقفها تؤكد ضرورة صياغة استراتيجية وطنية موحدة قوية وفاعلة يتوافق عليها الكل الفلسطيني، وترتكز إلى خيار المقاومة في الدفاع عن شعبنا وحماية وصون حقوقه وثوابته. ولكن في كل مرة نجد عباس وحركة فتح يتهربون من هذا الطرح كونه ينهى حالة تفرده وفتح بالقرار الفلسطيني، ويهدد مصالحهم الحزبية والشخصية».
وعرج «برهوم» على الوضع المعيشي لسكان غزة، قائلا: «القطاع يعيش وضعًا مأساويًا بسبب حصار الاحتلال وعباس وسلطته لسكانها، وما يقومون به هو اعتداء مزدوج على غزة هدفه مشترك بينهم وهو ضرب كل عوامل ومقومات صمود أهلنا، ظنًا منهم أن الحصار سيجعل الناس تنفجر في وجه حماس، وما حصل هو انقلاب السحر على الساحر وانفجر الناس في وجه العدو».
وقال: «عباس قسّم الشعب الفلسطيني وقسّم فتح، ولم يعد معه إلا فريق أوسلو، وعقد مجلسًا انفصاليًا في رام الله دون حماس ولا الجبهة الشعبية ولا حركة الجهاد ولا الجبهة الديمقراطية ولا المبادرة الوطنية، واتخذ قرارات دكتاتورية تعمق الانقسام الفلسطيني، وهو يفرّق بين أبناء الشعب الفلسطيني وكأنهم أكثر من شعب».
وعن اتجاه «حماس» إلى التهدئة مع إسرائيل، يقول «برهوم»: «الذي ينتقدنا في موضوع التهدئة هو عباس وفريقه فقط كونهم متضررون من أي انفراجة في غزة، وهذا دليل محاصرتهم لها جنبًا إلى جنب مع الاحتلال، عباس وفريقه يدفعون باتجاهين: الأول مزيد من الضغط على غزة حتى تنفجر الناس في وجه حماس، والآخر شن العدو حربًا على غزة لحكمها على أرض محروقة، وهذا لن يتحقق أبدًا، ونمتلك كل أوراق القوة التي تجعل كل المنطقة تقف على قدم واحدة لإنهاء الحصار، ومن هنا جاءت المبادرات الإقليمية والدولية للتخفيف عن غزة مقابل تثبيت التهدئة».
الجبهة الشعبية
تنادي الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين بضرورة «ترتيب الوضع الفلسطيني الداخلي مؤسساتيًا وشعبيًا» كخطوة أولى في مواجهة «صفقة القرن»، ويقول الدكتور وسام الفقعاوي، عضو اللجنة المركزية للجبهة في غزة، إن «من يملك المبادرة الفعلية لإنجاز ذلك هو رئيس السلطة، محمود عباس، رغم أنه لم يفعل ويبدو أنه لن يفعل، والدليل أن الاتصالات واللقاءات السرية والعلنية لم تتوقف مع الإدارة الأمريكية ومسؤوليها، ولم يجرِ الالتزام بقرارات المجالس المركزية منذ 2015 حتى 2018، وكذلك المجلس الوطني في الثلث الأول من 2018، والتي قضت بوقف العلاقة مع الولايات المتحدة وإنهاء العلاقة مع الكيان الصهيوني وإلغاء اتفاق أوسلو ووقف التنسيق الأمني وإنهاء الانقسام وترتيب الوضع الداخلي وبناء الوحدة الوطنية».
يضيف «الفقعاوي»، في تصريحات لـ«المصري اليوم»، أن «السلطة فرضت إجراءات ضد المواطنين في غزة طالت رواتبهم وأوضاعهم المعيشية والاقتصادية والصحية والإنسانية، ما ضاعف من أزمات سكان القطاع، انعكست على قدرة صمود الناس، ومواجهتها للمخاطر الجدية التي تنتصب أمام القضية الفلسطينية، وهذا الواقع تحاول حركة حماس استثماره في الحفاظ على سلطتها في القطاع من خلال عقد تهدئة طويلة المدى مع الكيان الصهيوني مقابل تحسين الوضع الإنساني، خاصة في ظل تعثر، أو فشل، المصالحة الفلسطينية التي ترعاها مصر منذ بداية الانقسام عام 2007».
ويرى عضو اللجنة المركزية للجبهة الشعبية في غزة، أن اتفاقية أوسلو «قطعت سياق الحالة الثورية الفلسطينية، التي جسدتها الانتفاضة الفلسطينية التي انطلقت في الداخل الفلسطيني عام 1987، ووضعت الكيان الصهيوني أمام مأزق تاريخي كبير، سواء على الصعيد الداخلي أمنياً واقتصادياً ومجتمعياً، أو على الصعيد الدولي من حيث النظر لمستوى القوة المفرطة التي استخدمتها في مواجهة أطفال الحجارة، وما ترتب على ذلك من إدانات من مؤسسات حقوقية ودولية وحتى إسرائيلية، وبالتالي، وجدت إسرائيل بأن إنشاء سلطة فلسطينية تتحمل الأعباء عنها خاصة العبء الأمني، وتصبح حارساً متقدماً لها، يجعل احتلال ناعماً وغير مكلف، ضرورة للحفاظ على المشروع الصهيوني، وهذا هو جوهر وظيفة السلطة، التي باتت أكبر مُشغل، بأموال أغلبها قادمة من المانحين والمقاصة الإسرائيلية، ما يجعلنا نعي لماذا لم يقدم الكيان الصهيوني على حل السلطة فعلياً رغم ما وصلت إليه المفاوضات بين الطرفين من مأزق كبير»
ويوضح، أن الشعب الفلسطيني «لا يزال يعيش مرحلة تحرر وطني بكل ما تعنيه الكلمة، وهنا مطلوب الالتزام بالقرارات الوطنية التي طالبت بإلغاء اتفاق أوسلو وما ترتب عليها من التزامات ونتائج كارثية، والبحث الجدي في دور السلطة ووظائفها، بما يخدم المشروع الوطني التحرري، ما يتطلب قناعة الأطراف الفلسطينية جميعها، بطبيعة المشروع الاستعماري الاستيطاني الإحلالي، وجوهره العنصري، الذي لا يمكن الوصول معه بأي شكل من الأشكال لتسوية أو سلام ينهي الصراع أو يعيد الحقوق».
ويطالب عضو اللجنة المركزية للجبهة الشعبية في غزة، بـ«رؤية شاملة وتاريخية وموضوعية لإدارة الصراع، وخطط وبرامج وبنى وهياكل تنظيمية مرتبطة بها، وتوحيد الأداة الفلسطينية في إطار جبهة وطنية عريضة، تحشد طاقات الشعب الفلسطيني وتستثمر كفاءاته، وتراكم الإنجازات تلو الأخرى على طريق تحقيق أهداف الشعب في الحرية والعودة والاستقلال وإقامة الدولة الديمقراطية على كامل التراب الوطني الفلسطيني».
يحمّل «الفقعاوي» جميع القوى والفصائل الفلسطينية «وزر الوضع الذي يعيشه الفلسطينيون، وما وصل له واقع حال القضية، وإن كان بنسب متفاوتة بين هذا الفصيل أو ذاك، بناء على حجم المسؤولية التي يتحملها، لكن الحصيلة الإجمالية واحدة في النهاية»، ويقول إن «وحدة القوى والفصائل ضرورة، بل ممر إجباري لا بد منه. لا يمكن أن تكون الوحدة إلا على أساس المشروع الرئيسي الذي وجدت الفصائل من أجل تحقيقه، وهو مشروع تحرير فلسطين، كل فلسطين».
يرى عضو اللجنة المركزية للجبهة الشعبية في غزة، أنه ينبغي «مراجعة وتقييم تجربة العمل الوطني الفلسطيني للعقود الخمسة الأخيرة على الأقل، لنعرف: أين أصبنا؟ وأين أخطأنا؟ بما يضعنا أمام وضع متقدم نستطيع من خلاله جسر الهوة الكبيرة بيننا وبين الكيان الصهيوني»، لافتا إلى أن «الحديث عن تفريط الشعب الفلسطيني بحق العودة لدياره ومدنه التي شرد منها، ودمرت بأكملها عام 1948، ووصل عددها إلى 430 قرية ومدينة فلسطينية، غير وارد بالمطلق، خاصة أن القضية تمثل جوهر الصراع وعقدته الرئيسية، فكل محاولات إجبار الشعب الفلسطيني على التسليم ورفع الراية البيضاء لم تنجح، والتاريخ البعيد والقريب يقول: بأن الشعب الفلسطيني يكتب بدمه ودم أبنائه ملحمة البقاء والكفاح الوطني والاستمرار على طريق العودة والحرية والاستقلال».
الجبهة الديمقراطية
يرى الدكتور سمير أبومدلله، عضو المكتب السياسي للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين، أن مواجهة صفقة القرن تتمثل في الوحدة الداخلية التي تعرضت لـ«ضربة قاسية» جرّاء الانقسام في قطاع غزة عام 2007، ومنذ ذلك التاريخ تعيش الحالة الفلسطينية في ظل «انقسام مدمر وضع الشعب الفلسطيني في ظل سلطتين وسياستين، لم تنجح أي منهما في دفع القضية الوطنية خطوة إلى الأمام، بل ألحق بها أضرارًا لا تحصى، طالت حصار قطاع غزة والتأثير في شروط الحياة الكريمة لمواطنيه».
يحمّل «مدلله»، في تصريحات لـ«المصري اليوم»، الانقسام الداخلي بين فتح وحماس مسؤولية «إضعاف الحركة الشعبية في ظل جو عارم من عدم اليقين بجدية الطرفين وثباتهما في قيادة العملية الوطنية وإدارتها بالاتجاه السليم، في ظل قناعة الصف الواسع في الوطن والشتات بأن التيار الأقوى والأكثر تأثيرًا لدى طرفي الانقسام بات يغلّب مصالحه الفئوية التي بناها على امتداد سنوات الانقسام على حساب المصالح الوطنية، وأن هذا التيار تلتقي مصالحه عند تعطيل اتفاقات استعادة الوحدة الداخلية»، بما فيها التفاهمات الأخيرة التي صادقت عليها الفصائل في الحوار الوطني الشامل الذي جمعها في القاهرة أواخر 2017.
تعوّل الجبهة الديمقراطية، حسب «مدلله»، على «الوحدة الميدانية في تشكيل أساس متين لمكافحة ظواهر الانقسام وتداعياته كشرط لازم للانتقال إلى توحيد الصفوف الفلسطينية، وتصعيد النضالات ضد الاحتلال والاستعمار الاستيطاني وصفقة العصر وغيرها من المشروعات التصفوية، بموجب برنامج عمل وطني مشترك لم تعد ملامحه غامضة بعد محطات الحوار الوطني الغنية التي انتهت إلى التوافق على البديل الوطني لاتفاق أوسلو، مثل وثيقة الوفاق الوطني 2006 أو بيان القاهرة في ختام الحوار الوطني 2005 وغيرها».
ينتقل «مدلله» للحديث عن فرص المصالحة الوطنية، ويقول: «إذا توفرت إرادة سياسية جادة وتمت مجابهة أصحاب المصالح من الطرفين الذين تتعارض مصالحهم مع إنهاء الانقسام ستكون هناك فرصة لإنجاز المصالحة، ولهذا يتحمل الطرفان المسؤولية الكاملة عن استمرار الانقسام ويمكن بالبناء على تفاهمات القاهرة 2017 بين فتح وحماس المتبناة من فصائل العمل الوطني إعادة إطلاق مسيرة إنهاء الانقسام واستعادة الوحدة الداخلية تمهيدًا لإطلاق حوار وطني شامل، للخروج من أوسلو نحو الاستراتيجية الوطنية البديلة، استراتيجية المقاومة والانتفاضة في الميدان، وتدويل القضية والحقوق الوطنية الفلسطينية».
يرى «مدلله» أن تحقيق ذلك يحتاج إلى «بذل جهد على مستويين، الأول بتفعيل الضغط الشعبي والجماهيري على طرفي الانقسام، ليتراجعا عن أية شروط من شأنها أن تعيق عملية إنهاء الانقسام أو أن تعطلها عندما تنطلق مساعيها، والثاني بتحلي الطرفين بالقدر الضروري من الإرادة السياسية لصالح التفاهمات والاتفاقات ومواجهة التيارات المعطلة في صفوف الطرفين. من شأن ذلك أن يقود إلى صفحة جديدة في العلاقات الوطنية تستند إلى عدة توجهات، أولها أن تسلم حكومة السلطة الفلسطينية مسؤولياتها كاملة في قطاع غزة في الإدارات المختلفة بالتعاون مع لجان وطنية تتشكل من مجموع القوى الوطنية، والضغط على الطرفين معًا لإزالة العوائق التي تعترض التنفيذ الأمين والسليم».
ويضيف: «ثاني هذه التوجهات وضع خطط تنموية لقطاع غزة، تعيد بناء وترميم بنيته التحتية، وتنقذه من حالة الانهيار الكارثي لمرافقه، وتطلق عجلة الاستثمار، للحد من البطالة وتوفير فرص العمل، وثالثها حل مشكلة الموظفين العالقة والتي تكاد تشكل اللغم الموقوت الذي يتم اللجوء إليه لإفشال الاتفاق وتفاهمات المصالحة، آخذين بالاعتبار حق هؤلاء في رواتبهم بعد أكثر من 10 سنوات من الخدمة، وفي الوقت نفسه مراعاة القدرة الاستيعابية لمؤسسات السلطة، والتنبه إلى أن الوظيفة العمومية ليست حكرًا على مناصري الحركتين فتح وحماس، بل هي حق لكل أبناء الشعب وفقًا لنظام التوظيف القائم على أسس ومعايير إدارية وعملية محايدة وصارمة».
يتمثل التوجه الرابع، حسب «مدلله»، في «حل قضية المعابر وإجراءات الحصار على القطاع بما يوفر الشروط الضرورية لإطلاق عجلة الحياة نحو الاستقرار الاجتماعي، إلى جانب الحفاظ على البيئة. والخامس في وضع أسس واضحة للتوافق على خطة أمنية وطنية توفر للسلطة الفلسطينية شروط تحمل مسؤولياتها في إدارة الأمن الداخلي للمواطنين. وبالنسبة للمقاومة بأذرعها المختلفة، فإن تمكينها من تحمل مسؤولياتها في إطار استراتيجية دفاعية يستدعي تشكيل غرفة عمليات مشتركة ذات مرجعية سياسية وطنية عليا، بيدها قرار الدفاع وقرار التهدئة، بما يقدم نموذجًا جديدًا في كيفية بناء مرجعية وطنية فلسطينية، متحررة من الشروط الأمنية لسلطات الاحتلال في ظل خصوصية أوضاع غزة وتباينها الواضح عن الأوضاع في الضفة».
يقول عضو المكتب السياسي للجبهة الديمقراطية: «إذا دعي الإطار القيادي المؤقت لاجتماع ووضع وثائق الاجتماع الوطني على طاولة الحوار، سواء وثيقة الوفاق لاتفاق 2005 أو اتفاق 2011، يمكن إنجاز برنامج وطني موحد، ما يتطلب الإقدام على 3 خطوات مترابطة هي: فك الارتباط بأوسلو وإعادة الاعتبار للموقع القيادي لمنظمة التحرير الفلسطينية، واستنهاض عناصر القوة في الحالة الفلسطينية وفي المقدمة استعادة الوحدة الداخلية، وإطلاق الاستراتيجية الوطنية البديلة».
لا أحد يريد المصالحة
الدكتور حسن نافعة، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، يقول إن «المطلوب من الفصائل الفلسطينية أن تنسى نفسها قليلًا، وتنسى مصالحها الفصائلية، وتحاول البحث عن إطار لإنشاء وخلق حركة عامة لها قيادة واحدة، في إطار منتخب ممثل لكل الشعب، وفي إطار يراجع إدارة الصراع خلال السنوات الماضية ليجيب على أسئلة من نوعية: ماذا تحقق؟ وما هو المطلوب لإدراة جديدة أكثر فعالية وبالذات في مواجهة صفقة القرن؟ المقاومة المسلحة متى تستخدم وكيف؟ وهل لها مكان الآن أم تتراجع قليلًا؟ وما طبيعة العلاقة بين المجتمع المدني الفلسطيني والعالم الغربي؟».
ويضيف، في تصريحات لـ«المصري اليوم»، أن «عدم وجود حركة وطنية تقود النضال الفلسطيني باستراتيجية موحدة أهم ثغرة الآن، إذا حدث هذا، خصوصًا أن الظرف قاهر، ستزيد فاعلية المقاومة وتجبر العالم العربي على التعامل مع عنوان واحد، وبالتالي لن يستطيع أن يعلق أخطائه على الشماعة الفلسطينية، والموقف الدولي سيتحسن، وسيبدأ التعامل مع الحركة الفلسطينية باعتبارها حركة وطنية منظمة ومنطقية لها استراتيجية واضحة. يجب أن تحتفظ حماس بسلاحها، وأن تتبنى السلطة الفلسطينية استراتيجية للمقاومة وليس استراتيجية للتسوية السلمية وفق منهج أوسلو». ويشير إلى أن «المقومات على الأرض لا تقول إن هذا سيحدث، وحقيقة الأمر لا أحد يريد المصالحة، ودوافع حماس والسلطة ليست نقية مائة بالمائة، كلهم يتحدثون من موقع فصائلي بعيدًا عن المصلحة الوطنية».
يقول المؤرخ الفلسطيني عبدالقادر ياسين إنه «لا شك أن قوتنا في وحدتنا، لكن من أين لنا الوحدة وهناك طرف رئيسي ينسق أمنيًا مع إسرائيل، بينما فصائل أخرى لا تزال تحمل السلاح، وفصائل ثالثة لم تلق السلاح بعد. يجب التفرقة بين مفهومي الوحدة والمصالحة؛ الأخيرة تعني أن نكف عن الهجمات الدعائية ضد بعضنا البعض، ونعمل على نقاط التقاطع فيما بيننا، أما الوحدة فتتطلب التقاء على الهدف الاستراتيجي لكفاحنا الوطني، فضلًا عن الأهداف التكتيكية المرحلية، وهذا ليس متوفرًا نظريًا بين الفصائل الكبرى».
ويضيف، في تصريحات لـ«المصري اليوم»: «الفصائل الفلسطينية العشرين ليس منها ما يستحق كلمة فصيل إلا الخمس الكبرى، والباقي سقط متاع، ومحمود عباس يبقي عليهم في منظمة التحرير حتى (يكبّر كومه)»، وإسرائيل بدورها تبقي على منظمة التحرير حتى توقّع على التنازلات لأنها وقعت في البداية، وستوقع في النهاية، وعباس جاء عند التوقيع النهائي وتمترس لأنه إذا فعل ستقطع الدول المانحة دعمها المقدم إلى السلطة وسيلعنه التاريخ».
يدين «ياسين» السلطة الفلسطينية بسبب التنسيق الأمني مع إسرائيل، ويعتبره «ليس تنسيقًا بأي معنى من المعاني؛ فالتنسيق يكون بين ندّين أو صديقين أو حليفين، وليس بين عدوين، السلطة بذلك تسقط إسرائيل كعدو، وكل ما يجري أن إسرائيل تملي عليها، هذا ليس تنسيقًا بل إملاء وإذعان»، ويقول إن «أحد أعضاء اللجنة المركزية في فتح والتنفيذية في منظمة التحرير اتهم حماس بالخيانة بسبب اتجاهها إلى التهدئة مع إسرائيل، غافلًا عن أن فتح ملتزمة بما هو أكبر من التهدئة».
ويعتبر أن الرئيس محمود عباس «غير مرن في التعامل مع الفصائل، على عكس ياسر عرفات الذي كان يمتاز بالشطارة مع الفصائل»، ويتهمه الرئيس الحالي بأنه «شديد التفريط مع العدو الصهيوني»، ويقول: «أنا ضد من يخونون فتح جملة وتفصيلًا، هناك عناصر وطنية في فتح كلهم حريصون على نظافة أياديهم، ولكنهم عاجزون عن التأثير، في حين لا تزال حماس وحركة الجهاد الإسلامي تحملان السلاح، والجبهة الشعبية والديمقراطية لم تسقطا السلاح من أيديهم».
في المقابل، يعارض الدكتور جمال زهران، أستاذ العلوم السياسية بجامعة بورسعيد، حركة حماس بعد إعلان «هويتها الإخوانية»، ويقول: «أنا أدعم مقاومة الاحتلال الإسرائيلي حتو لو جاءت من الشيطان، لكن حماس شوهت صورتها بنفسها عندما جاءت إلى مصر وأعلنت تبعيتها للإخوان، منذ ذلك الحين سقطت كحركة مقاومة، وكنت أدعمها عندما كانت تقاوم مثلما أدعم حتى الآن حركة الجهاد الإسلامي، وهي حركة قومية ناصرية».
يرى «زهران»، في تصريحات لـ«المصري اليوم»، أن فرص المصالحة بين الفصائل «محدودة، ولا أريد أن أقول معدومة، ذلك لأن كل دولة عربية تتدخل في عمل كل فصيل، فهناك من يدعم عباس وفتح في مواجهة حماس، وهناك من يدعم حماس، والجامعة العربية لا تشع أي أمل، والسلطة الفلسطينية أصبحت أكثر ارتباطًا بإسرائيل منها إلى المقاومة والشعب الفلسطيني، لذا أدعو إلى إسقاط اتفاقية أوسلو، والعودة إلى المقاومة».
يقول «زهران» إن «الفلسطينيون أقل شعب قدم شهداء في سبيل قضيته، ما يفسر عدم إنجازها، وهذا لا يعتبر دعوة مني إلى الدم. لا يمكن مقارنة عدد الشهداء الذين سقطوا في فلسطين بفيتنام أو جنوب أفريقيا أو الجزائر، في فيتنام مثلًا ومن أجل تحرير الأرض كان يقابل كل قتيل أمريكي 60 شهيدًا فيتناميًا، لذا تحررت فيتنام. فلسطين لا يمكن أن تتحرر دون مقاومة، نحن بطبيعة الحال لا نريد شهداء، نريد فقط مقاومة بأقل عدد من الشهداء وبأكبر قدر من الإنجاز، ولنا في غزة مثال عندما أجبرت المقاومة الاحتلال على الانسحاب».
ويشدد على أن «الصراع العربي الإسرائيلي صراع وجود، وليس صراع حدود، لن نختلف على قطعة أرض، ولكن هذا الكيان العنصري لا بد أن يخرج من المنطقة مع أمريكا من أجل ضمان الاستقرار، وأرى أننا في الطريق إلى ذلك؛ لأن أمريكا في أفول والشرق في تقدم»، ويؤكد مجددًا أن «لا خيار أمام الفلسطينيين إلا المقاومة التي تتجدد الآن وتحدّث آلياتها، مثل أطفال الحجارة وانتفاضة السكاكين ومسيرات العودة وعمليات الطعن والدهس».
حاولت «المصري اليوم» إتاحة الفرصة للمتحدث الرسمي لحركة التحرير الوطني الفلسطيني «فتح»، عاطف أبوسيف، للرد، لكنه لم يجب على الأسئلة، وهي نفسها التي وجهناها إلى ممثلي كل من «الديمقراطية» و«الشعبية» و«حماس».