فى مقالات سابقة عرضت لجوانب من فكر «اليمين المسيحى» الأمريكى خاصة فكر «لجنة الأخلاق والحريات الدينية» ERLC، كجوانب لم نعد بعيدين عنها منذ وقفتنا التاريخية فى 30 يونيو الشهير. فهذه اللجنة تدافع، ليس فقط عن الحرية الدينية للمسيحيين، بل عن حق البهائيين واليزيديين والشيعة المسلمين والبوذيين والهندوس والملحدين فى التعبير الحرعن معتقداتهم. وهذا يعنى الدفاع عن حرية الاعتقاد لكل البشر، على اختلاف شيعهم ونحلهم. كما أذكرك بالآية الكريمة «وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر» وبأن كثرة من تفسيراتها تفاسير استبدادية، أحيلك على مقالة مهمة على موقع شيكاغو تريبيون الأمريكية «Supreme Court blesses town prayer /Chicago Tribune/May 05، 2014» توضح لك قوة المعركة الدائرة حول حرية الضمير وتندد بقرار المحكمة العليا الأمريكية بالموافقة على افتتاح أعمال جلسات مجلس إحدى المدن بشعيرة دينية تتجاهل التنوع الدينى والمذهبى للمواطنين. وفى المقال ذاته يشيد الكاتب بالهجرة التى غيرت المشهد الدينى فى أمريكا، حتى صار «المسلمون والبوذيون والهندوس أكثر انتشارا مما كانوا من قبل». هنا تجد القبول بالتنوع والترحيب بتحولات الثقافة، وإن ابتعدت بالفضاء العام عن الصورة التى تناسب الطائفة الرئيسية فى المجتمع.
فى خضم المعركة الدائرة حول حرية الاعتقاد تدعو «لجنة الأخلاق والحريات الدينية» وناشطوها من أمثال هوكينز وواسو للضغط، ليس فقط على الحكومات، بل وعلى الأفراد والجماعات غير الحكومية، مادامت متعصبة وقامعة للحريات الدينية. ومن المعروف أن جماعة الإخوان هى جهاز التوليد، فى مختلف القارات، للجماعات غير الحكومية الداعية للاضطهاد الدينى والممارسة له، برفضها للتحولات الثقافية والاجتماعية وبرغبتها المستحيلة فى تثبيت الصورة عند مشهد شمولى تريده هى، بغض النظر عن تحولات الواقع. وهذا يعنى أن بوسعنا أن نجد فى هذه اللجنة حليفا قويا ضد الإخوان فى أمريكا.
يبقى أنى وصفت من قابلتهم فى واشنطن بـ«اليمينية» وفق التوصيف الشائع. لكن مشهد السيدة السوداء وزوجها الأبيض، اللذين دخلا مع أطفالهما مقر اللجنة وأنا جالس مع ترافيس واسو، وترحيب واسو الحار بهما، ذكرانى بأنه لا وجود ليمين ويسار منذ سقوط الاتحاد السوفيتى. عززت ذلك عندى زيارتى الأخيرة السريعة لأمريكا، بما شهدته من وقائع الحياة اليومية فى عاصمتها، كما عمَّقت الزيارة شكوكى فى عبارة الرياضى الأسود أوجى سيمبسون الذى يعتبره كثيرون رمزا للمضطهدين، والتى يقول فيها «كل شىء فى أمريكا يدور حول اللون». نعم الخطوط الفاصلة بين الأعراق موجودة، وهذه مشكلة كبرى. لكن الجهود المبذولة لحلها قوية وشاملة لمعظم قوى المجتمع والدولة. وأهم ما أريد قوله هنا هو أن «اليمين» المسيحى الأمريكى واحد من (أهم وأقوى) التيارات فى أقوى دولة فى العالم.