قابلت ترافيس واسو فى مقر «لجنة الأخلاق والحريات الدينية» على تلة الكابيتول. لم تكن هذه هى زيارتى الأولى لهذه المنطقة المحيطة بالكونغرس، لكنها المرة الأولى التى أزور فيها واشنطن كفرد يتحرك بحريته، وليس كضيف على الخارجية الأمريكية فى 1983 ولا كممثل لجريدة خليجية فى العام 1995 للمشاركة فى حوار مع شخصيات بينها مستشار الأمن القومى الأسبق مارتن إنديك الذى أشكره على موقفه (تغريدة فى 21 مايو) من أطفال غزة.
فى الزيارتين السابقتين كنت أنزل فى فنادق فخمة وأتحرك وفق جداول معدة سلفا. أما هذه المرة فقد خرجت من فندقى البسيط لأتجول فى الشوارع بكل حرية. وقعت، هذه المرة، فى غرام واشنطن عموما، وفى غرام تلة الكابيتول بشكل خاص. وهناك دخلت مقر اللجنة التى يعمل ترافيس واسو كواحد من كبار التنفيذيين فيها.
وجدت فى حديث واسو معى ما يؤكد تقديره واحترامه لبلادنا، وأدهشنى إعجابه بالقاهرة ووصفه لها بأنها مدينة جميلة، خاصة وأنا أسمع منه هذا الوصف بعد جولة بين الخمائل المحيطة بمكتبه، خرجت منها بانطباع أنى أتحرك فى الفردوس وليس فى واحدة من مدن العالم الصناعى.
كنت أريد لقاء ماتيو هوكينز لكنى قابلت واسو، شريكه فى أعمال منها مقال قرأته لهما فى 2016 عن حرية الاعتقاد الدينى فى مختلف بلدان العالم. ركز الاثنان فى مقالهما على الانتهاكات فى إيران التى تمارس «تهديدا ممنهجا لأتباع الديانة البهائية، بتهمة الارتداد عن الإسلام» وتركيا التى اتهما «عناصر من أجهزتها الأمنية» باستغلال الاضطراب الذى أعقب الانقلاب الفاشل فيها «لسجن وترويع المنتمين لأقليات دينية بتهمة العداء للدولة».
ولا تنحصر إيجابية ما كتبه هوكينز وواسو، وما سمعته من واسو فى لقائى معه، فى التركيز على دولتين مشاغبتين، فالأهم من ذلك أن حرصهما على حماية الحريات الدينية ينسجم مع التوجه العام لدولتنا منذ أخرجها عبدالفتاح السيسى من ظلمات التعصب الإخوانى. لست فى حاجة هنا للتذكير بآية تقول «من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر»، ولا لتفنيد التفاسير الاستبدادية لهذه الآية، فليس هذا دورى. لكنى أكتفى بالقول إن حرية الاعتقاد التى نعود إليها اليوم، تدريجيا وفى حذر، ظلت الأصل فى بلادنا حتى بدأ التفتيش على ضمائر الناس والتركيز على البعد الدينى فى ثقافتنا، بتحريض أمريكى، باسم محاربة الشيوعية، فى مطلع العهد الجمهورى. أصل المرض (بالأمس) أمريكى والعلاج (اليوم) أمريكى.. لماذا؟ لأن للنظام الدولى ولتحولاته التى يجب أن نواكبها سلطة يصعب تجاهلها، ليس منذ العام 1967 وهزيمته المرة، ولا العام 2011 وفوضاه المرعبة، ولكن منذ تولت لندن قيادة هذا النظام فى 1815، ثم ورثته عنها واشنطن فى 1945.